خلال الفترة الماضية، دأب مسؤولو المجلس الوطني الكوردي المتواجدين في تركيا والذين يزورون عفرين بين الحين والآخر، على تلميع صورة فصـ ـائل الجيـ ـش الوطني عبر الادعـ ـاء بأن ما يـ ـرتـ ـكب في عفرين من جـ ـرائـ ـم هي حـ ـالات فردية وليست نهجاً يتبعه الجيـ ـش الوطني الذي يأتـ ـمر بالأوامـ ـر التركية، ولكن عندما ظهرت الحقيقة مؤخراً في قرية كاخرة، بدأ المجلس باتهـ ـام العمـ ـشات فقط ليعمل على تلـ ـمـ ـيع صورة بقية الفصـ ـائل وكأنها لا تفـ ـعل شيئاً.
ومنذ أن سيطرت تركيا وفصائل الجيش الوطني الموالية لها والمؤتمرة بأوامر استخباراتها، على مدينة عفرين ونواحيها في آذار/مارس عام 2018، وهي ترتكب الجرائم بحق البشر والطبيعة والحجر، فلم يسلم أحد من ممارسات تلك الفصائل التي تنتهج سياسة خاصة وبأوامر وإشراف تركي من أجل تهجير من تبقى من الكورد في تلك المنطقة بعد تهجير أكثر من 300 ألف نسمة من سكانها وتوطين 400 ألف مستوطن في منازلهم وفي أكثر من 50 مستوطنة تم بناءها إضافة إلى العشرات من المخيمات.
وطيلة تلك السنوات كان مسؤولو المجلس الوطني الكوردي من أمثال عبد الحكيم بشار وعبد الله كدو يزورون عفرين مع وفود الائتلاف السوري الذي ينضوي الجيش الوطني تحت مظلته، منطقة عفرين، ويحاولون عبر تلك الزيارات خداع الرأي العام بأن أهالي عفرين من الكورد الأصليين لا يتعرضون للمضايقات والانتهاكات، ودائماً ما برروا جرائم الجيش الوطني على أنها أفعال فردية وليست جماعية.
ولكن ما جرى في قرية كاخرة يوم 15 أيلول/سبتمبر الجاري، كشف بما لا لبس فيه أن الجرائم هي جماعية وتستهدف الكورد بشكل خاص.
ففي ذلك اليوم، ارتكب فصيل العمشات المنضوي ضمن الجيش الوطني الموالي لتركيا، جريمة بشعة بحق سكان قرية كاخرة في ناحية معبطلي (موباتا) التابعة لمدينة عفرين بريف حلب، بعدما اعتدى على نساء القرية وأصاب عدداً منهن واعتقل الرجال والشبان في القرية وقطع اتصالها مع الخارج.
ويعود سبب الجريمة التي ارتكبها العمشات، إلى رفض الأهالي الإتاوات التي فرضها الفصيل عليهم مع قرب موسم الزيتون، حيث جمع الفصيل أهالي القرية في ذلك اليوم بساحة القرية وأعلن عن الإتاوات المفروضة على كل منزل.
وبحسب مصادر من القرية فأن الفصيل فرض إتاوات باهظة على السكان، حيث تم فرض إتاوة قدرها 8 دولار عن شجرة زيتون في القرية سواء كانت مثمرة أو لا، إلى جانب فرض إتاوة قدرها 100 دولار على كل منزل في القرية، و100 دولار على كل عائلة تربي المواشي، و10 دولار على كل عائلة تربي الدجاج.
ولاقت هذه الإتاوات استياءاً من السكان ما دفع النساء للاحتجاج عليها أمام جامع القرية، ولكن عناصر العمشات هاجموا النساء بالعصي وأخمص السلاح وأصابوا عدداً منهن بجروح بليغة واحتجزوهن في المسجد ومنعوهن من الخروج وتلقي العلاج.
وعندما لاقت هذه الجريمة البشعة تنديداً من الأهالي عقب جرائم مشابهة مثل التي وقعت في (20 آذار 2023) ليلة نوروز بحق 4 أفراد من عائلة البيشمركة الكوردية في الناحية والتي قتل فيها عناصر الجيش الوطني من أحرار الشرقية الأفراد الأربعة بدم بارد لأنهم أشعلوا نار نوروز، شعر المجلس الوطني الكوردي ومسؤولوه بأن حقيقة دعم المجلس لتلك الجرائم ستظهر للعيان، بدأ المجلس والموالون بإظهار مواقف مغايرة.
ومن بين المواقف التي ظهرت من المجلس الوطني الكوردي خصوصاً من القيادي في المجلس عبد الحكيم بشار الذي كان يعتبر خلال الفترة الماضية الجرائم التي ترتكبها الفصائل بحق الأهالي في عفرين بأنها جرائم فردية وغير ممنهجة وقال ذلك في العديد من المرات وعلى وسائل إعلامية كوردية.
ومن أبرز المواقف التي ظهرت من المجلس الوطني الكوردي كان يوم 17 أيلول الجاري، عندما أصدرت منصة “قمح وزيتون” بياناً على صفحتها حول ما جرى في قرية كاخرة.
ونددت المنصة بشدة الاعتداء السافر على نساء قرية كاخرة اللواتي خرجن بشكل سلمي للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في سجن القوة المشتركة/العمشات بسبب امتناعهم عن توقيع بالبصمة على مستندات مزورة تشير إلى أن حقول الزيتون كانت لعناصر حزب العمال الكوردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وفرض الإتاوات الباهظة (8 دولار على كل شجرة تحمل الزيتون أم لا تحمل) التي تفرضها الفصائل المسلحة على مواسم الزيتون والزيت والأشجار المثمرة في كاخرة وحواليها.
وأعلنت المنصة شجبها “لمثل هذه التصرفات اللا إنسانية، مؤكدة أن ما قام به فصيل سليمان شاه “العمشات” الذي يأتمر بأوامر المسؤولين الأتراك، بالاعتداء على نساء قرية كاخرة السالمات سيبقى وصمة عار على جبين قادة الفصيل وعناصره ومشغليه. وطالب بـ “إخراج المسلحين من القرى والنواحي إلى ثكناتهم على الجبهات ضد النظام الأسدي” وفق بيان المنصة.
وبالتزامن، ظهرت على غرفة “الواتساب” للائتلاف الوطني السوري، خلافات بين أعضاء المجلس الوطني الكوردي وأعضاء الائتلاف وتبادلوا الاتهامات.
وبحسب المعلومات، صدرت بيان من الائتلاف مناهض لـ عبد الله كدو القيادي في المجلس الوطني الكوردي، وأشار ووفي البيان أن كدو لا يعترف بمؤسسات الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، ويتهمها ويتحدث ضدها دون أي اثباتات، وأنه منذ البداية يعادي فصيل السلطان مراد ولذلك فأنهم يطالبون بإيقافه من العمل في الائتلاف السوري ومحاسبته.
بالإضافة إلى ذلك، تحدث القيادي في المجلس الوطني الكوردي، عبد الحكيم بشار الذي يشغل في ذات الوقت منصب نائب رئيس الائتلاف، على صفحة الائتلاف السوري، وقال بأن هؤلاء أبعدوا الشعب عن الثورة وأن الشعب بات يريد عودة النظام السوري إلى مناطقه، وأضاف بأنه منذ بناء الدولة السورية وحتى الآن لم يتعرض أهالي ناحية شيخ حديد في عفرين إلى مثل هذه الممارسات التي يتعرضون لها اليوم، وأكد أنه قام بزيارة ناحية معبطلي “موباتا” وسمع قصصاً لم يكن يريد سماعها.
ورداً على تصريحات عبد الحكيم بشار هذه، قام أحدهم بالرد وخاطب أعضاء المجلس الوطني قائلاً بأنهم أصبحوا يحمون حزب العمال الكوردستاني ويريدون حقوقهم وأرضهم.
فيما رد عليه عبد الحكيم بشار قائلاً: “حزب العمال الكوردستاني يعادي الكورد وجاء من قنديل من أجل الوقوف بوجه الكورد الشرفاء ولا يجب على أحد أن يقول هذا ولا تجبرونا على كشف وثائق التنسيق الاقتصادي والتجاري ونشرها”.
والملفت للانتباه، أن المجلس الوطني الكوردي ومسؤولوه تهجموا بشكل خاص فصيل العمشات مع استثناء باقي فصائل الجيش الوطني عن الجرائم التي ارتكبوها والتي وتحدثت تقارير أممية، حيث أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في 29 شباط 2024، تقريراً يوثّق عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني، بما في ذلك تلك الواقعة على الأطفال، والعنف الجنسي، والتعذيب من قبل الفصائل المختلفة في الجيش الوطني السوري، والشرطة العسكرية والاستخبارات التركية، في مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة تركيا، حمل عنوان “كل شيء بقوة السلاح. الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا”.
كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية في منتصف آب عام 2023 عقوبات على فصيلين وقيادات في الجيش الوطني السوري المقرب من تركيا، بسبب مسؤوليتهم عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في شمال سوريا.
وقالت الخزانة الأميركية في بيان صحافي إنها فرضت عقوبات على “لواء سليمان شاه” المعروف باسم “العمشات” وكذلك “فرقة الحمزة” المعروفة باسم “الحمزات” لضلوعهما في “ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” ضد السوريين و”مشاركتهما بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك الانتهاكات”.
وطالت العقوبات ثلاثة قياديين بارزين في الفصائل وهم: محمد حسين الجاسم الملقب بـ(أبو عمشة) قائد العمشات، وليد حسين الجاسم وهو الأخ الأصغر لأبو عمشة والذي يشغل أيضاً دوراً قيادياً في العمشات، وسيف بولاد أبو بكر وهو قائد الحمزات، إضافة إلى شركة (Al-Safir Oto) لتجارة السيارات التي يتشارك أبو بكر وأبو عمشة في ملكيتها.
وسبق ذلك، فرض الخزانة الأميركية في تموز عام 2021 عقوبات على فصيل أحرار الشرقية المنضوي ضمن الجيش الوطني، ومتزعمه أحمد إحسان فياض الهايس المعروف باسم “أبو حاتم شقرا” وابن عمله رائد جاسم الهايس المعروف باسم “أبو جعفر شقرا” لقتلهم المدنيين ومن بينهم السياسية الكوردية هفرين خلف وعدداً من العاملين في مجال الصحة في شمال سوريا عمداً وكذلك الانخراط في عمليات اختطاف وتعذيب ومصادرة ممتلكات خاصة من المدنيين، ومنع النازحين السوريين من العودة إلى ديارهم، وأيضاً دمج أعضاء داعش ضمن الفصيل.
وبحسب مصادر من المجلس الوطني الكوردي، فأن إحدى اجتماعات المجلس، تداولت اسم فصيل العمشات، وجرى تحميل مسؤولية الجرائم التي ترتكبها فصائل الجيش الوطني جميعاً لهذا الفصيل.
وأشارت المصادر، أنه لهذا السبب عندما ارتكب العمشات جريمتهم الشنيعة في قرية كاخرة، ظهرت تلك الردود من قيادات المجلس الوطني الكوردي الموجودة في تركيا، وخصوصاً عبد الحكيم بشار، حيث قام بشار الذي يشغل منصب نائب رئيس الائتلاف بتجميد عضويته في الائتلاف.
واعتبرت المصادر أن هذه كانت المرة الأولى التي يخرج في عبد الحكيم بشار ومسؤولو المجلس الوطني الآخرين بهكذا ردود ضد فصيل موالي لتركيا، رغم أنه سبق ذلك جرائم عديدة بحق أهالي عفرين بررها المجلس وحاول تجميل صورة تركيا.
وفي هذا السياق، يقول المتابعون للمجلس الوطني الكوردي بأن هذه المواقف غير المعهودة من المجلس الوطني الكوري تجاه فصيل موالي لتركيا يدل على أن هناك مخططاً ما يجري التخطيط له بالتعاون مع الاستخبارات التركية والحزب الديمقراطي الكوردستاني والغاية الأساسية منه لفت أنظار القوات الأميركية المنخرطة في الأزمة السورية.
وكشفت المصادر، أن تركيا نفسها قد قدمت تقارير لمنظمات حقوقية بأن ما يجري في عفرين ليس بأوامرها وإنما هي ممارسات من فصيل واحد هو العمشات وأن الأخير يرتكب الانتهاكات دون علمها أما فصائل الجيش الوطني الأخرى فهي تتحرك وفق القوانين الدولية ولا ترتكب أي انتهاكات بحق أهالي منطقة عفرين من الكورد الأصليين.
وأوضحت أن الغاية التركية من هذه الممارسة والتي يحاول المجلس الوطني الكوردي تأكيدها عبر إظهار ردود الأفعال ضد العمشات دون غيرها من الفصائل، غايتها تحميل هذا الفصيل كامل مسؤولية الجرائم في عفرين حتى يتم تلميع صورة بقية الفصائل التي لا تقل إجراماً عن العمشات ومن أجل السماح لها بتطبيق المخططات التركية بعيداً عن الأضواء.