سوريا

رؤوس الأموال تهـ ـرب من مناطق سيـ ـطرة تركيا بحثاً عن الأمان والاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية

منذ أن توغلت تركيا عسكرياً رفقة الفصائل الموالية لها على بعض المدن في شمال سوريا عبر ثلاث عمليات، الأولى درع الفرات عام 2016 وسيطرت خلالها على مدن جرابلس والباب وأعزاز ومارع، والثانية غصن الزيتون 2018 في مدينة عفرين، أما الثالثة أُطلق عليها عملية نبع السلام عام 2019 والتي سيطرت بموجبها على مدينتي رأس العين وتل أبيض،
وهذه المناطق تعاني من فوضى أمنية وعمليات تفجير واغتيال، غالباً ما تستهدف المدنيين، إضافة إلى انتشار السلاح والاشتباكات بين الفصائل المسيطرة واختطاف المدنيين والتجار وطلب الفدية وفرض الإتاوات، علماً أن هذه المناطق كانت تنعم بالأمن والأمان قبل سيطرة تركيا عليها، ولكن تغيّر كل شيء بعد السيطرة وبات المدنيون وجهاً لوجه أمام آلة الموت اليومية بطرق ووسائل مختلفة.

وطوال هذه السنوات شكّل الفوضى والفلتان الأمني الهاجس الأكبر في مناطق سيطرة تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لها، الأمر الذي وضع رؤوس الأموال وأصحاب المهن والمعامل للتفكير بإنهاء مشاريعهم والتوجّه صوب مناطق أكثر أمناً – مناطق الإدارة الذاتية -.

ونركّز في تقريرنا على مدينة “الباب” بريف حلب الشرقي، حيث تشهد هذه المدينة مؤخراً هروب عدداً من التجار ورؤوس الأموال، بسبب تعرض حياتهم للخطر كونهم يمتلكون المال وهذا ما يدفع بالفصائل الموالية لتركيا هناك باختطافهم وطلب آلاف الدولارت منهم مقابل نيلهم لحريتهم والإفراج عنهم، ولا يكفون عن تكرار هذا المشهد، لتكون مناطق الإدارة الذاتية التي تؤمن بيئة اقتصادية وأمنية مستقرة وجهة لهؤلاء التجار ورؤوس الأموال.

ويتلقى الكثير من التجار ورؤوس الأموال تهديدات مستمرة من قبل الفصائل الموالية لتركيا لدفع الأموال لهم مقابل السماح للتجار بممارسة تجارتهم، وفي حال امتناع التجار من دفع الإتاوات المالية يتلقون تهديدات بالخطف والقتل وهذا ما يحصل بالفعل.

التاجر «أ.م» من مدينة “الباب” يتحدث لموقع «فوكس برس» عن معاناته مع الفصائل هناك، والذي تحفّظ على عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية تتعلق بوجود أقاربه في المنطقة وخوفاً من أي يتم اختطافهم، حيث تعرض للخطف لمرتين وتم تهديده بالقتل إن لم يدفع المال كونه يملك مخزناً تجارياً كبيراً.

ويضيف أنه تعرض لعملية اختطاف من قبل عناصر الجيش الوطني بوضح النهار من محله أمام أطفاله وزوجته الذين تعرضوا لصدمة قوية وحالة من الرعب بسبب الطريقة المافياوية التي اختُطف بها.

وتابع التاجر أنه تعرض للتعذيب والضرب والشتم لأكثر من أسبوعين، وتم ابتزاز ذويه وإرسال مقاطع مصورة له وهو تحت التعذيب ليحصلوا فدية مالية تقدر بـ20ألف دولار، وبعد دفع المال لهم أخلوا سبيلاه.

لكن لم تنتهي معاناة التاجر هنا، حيث وبعد أقل من شهر أيضاً أقدمت العناصر على خطفه وتهديد عائلته لتحصيل فدية مالية أكبر من سابقتها، حيث طلبوا هذه المرة 50 ألف دولار مقابل حرية التاجر، ويقول عن هذا الأمر: “رأيت أنني عاجز أمام كل هذه العصابات التي تسعى إلى سرقة أكبر قدر ممكن من الأموال بالقوة دفعت لهم المال مرة أخرى ولكنني قررت الخلاص من هذا العذاب، وهو أنني لجأت إلى أقرب منطقة تقع تحت نفوذ الإدارة الذاتية، حيث وجدت الأمان في مدينة منبج بعد رحلة من التعذيب والتهديد”.

حادثة التاجر ليست الأولى ولا الأخيرة ولم تسلم عوائل التجار من بطش وجشع تلك الفصائل حيث بتاريخ 27/12/2021 في مدينة الباب أقدمت مجموعة مسلحة على اختطاف ابن تاجر من أمام منزله في مدينة الباب، بهدف طلب فدية مالية.

وتداول ناشطون تسجيلاً مصوراً، يُظهر مجموعة مجهولة كانت تقود سيارة من نوع “سنتافيه”، توقفت أمام منزل، قبل أن يترجّل منها شخص ملثم، أقدم على خطف الطفل، ثم لاذوا بالفرار. والطفل المخطوف كان يبلغ من العمر 10 سنوات فقط.

الناشط «ثائر محمد» (اسم مستعار) قال لموقع «فوكس برس» أن قيادات من الجيش الوطني السوري يستولون على عقارات بالقوة لمواطنين من المنطقة دون أن يتمكن أحد من فعل شيء وهو يُطرد من منزله أو محله أو أرضه كون لا وجود لقانون يمكن أن يحميهم من بطش القادة.

ويضيف أنه كان من المعترضين بشدة على طريقة تعامل هؤلاء القادة مع المدنيين والاستيلاء على عقاراتهم وتهديد التجار وسبق أن قام بفضحهم من خلال منشورات على صفحته الشخصية في فيسبوك، إلا أنه تعرض للاعتقال والتعذيب والتهديد بالقتل في حال الإقدام على ذلك مجدداً.

وأشار الناشط الإعلامي أن هذه المناطق تحولت تدريجياً إلى مناطق نفوذ لعصابات التهريب، وتجارة المخدرات، والسرقة، والفساد، معظمها يقودها متنفذون في الجيش الوطني السوري.

وسبق وأن خرجت العديد من المظاهرات تندد بواقع الفلتان الأمني والاستيلاء على عقارات وطلب فدى مالية مقابل الخطف وفرض الإتاوات لكن دون أي نتيجة تذكر بل ازدادت الجرائم بشكل أكبر.

ولا تكتفي هذه المناطق بمشاهد الخطف والابتزاز فقط، لا ننسى “السرقة” هذه الظاهرة السيئة التي تنتشر بوجود الفصائل الموالية لتركيا، تلازم هذه الظاهرة هؤلاء العناصر كظلهم، وهذا ما دفع أيضاً بالتجار إلى التفكير ملياً قبل المخاطرة باستثمار أموالهم في بضائع ستسرق على أي حال، ليختاروا مناطق الإدارة الذاتية ملجئً أمناً لهم ومصدراً مستقراً لاستثماراتهم بعيداً عن سلسلة الخطف والسرقة والتخويف.

مشاركة المقال عبر