تركيا تعـ ـزز نفـ ـوذهـ ـا في سوريا عبر تعيين مستـ ـشارين في سفارتها بدمشق

أعلنت السفارة التركية في سوريا بدء المستـ ـشارين الديـ ـنـ ـي والتجاري مـ ـزاولـ ـة مهـ ـامـ ـهما في دمشق، في خطوة تعكس سعي أنقرة لتوسيع نفـ ـوذهـ ـا وفـ ـرض سيـ ـطـ ـرتها على سوريا عبر قنوات متعددة، مستـ ـغـ ـلة ضـ ـعف السلـ ـطة الحـ ـاكـ ـمة في دمشق وارتبـ ـاط قـ ـراراتـ ـها المبـ ـاشر بأنقرة.
ووفق بيان السفارة، فقد تم تعيين حسين دميرهان مستشاراً للشؤون الدينية، وجنير بوزات مستشاراً للشؤون التجارية، مؤكدة أن هذه الخطوة تهدف إلى “تعميق العلاقات التركية السورية وتعزيز التعاون في مختلف المجالات”.
كما أعلنت أنقرة في الرابع من آذار الجاري، عن تسلم المقدم حسن جوز مهامه كملحق عسكري في السفارة، مشيرة إلى “استمرار التعاون العسكري مع سوريا بشكل مكثف”.
مخططات تركية لتعزيز السيطرة على سوريا
وتأتي هذه التعيينات في سياق سياسة تركية ممنهجة تهدف إلى فرض الوصاية المباشرة على دمشق، التي أصبحت خاضعة بشكل شبه كامل للقرار التركي، خاصة مع هيمنة هيئة تحرير الشام على السلطة في سوريا والعزلة التي تعانيها دولياً.
ومن خلال تعيين مستشارين عسكريين وتجاريين ودينيين في سفارتها بدمشق، تسعى أنقرة إلى تعزيز نفوذها في مختلف المجالات، مستغلة ضعف السلطة المركزية وتبعيتها لأنقرة.
تعزيز الهيمنة العسكرية والأمنية
وتعكس تعيينات الملحق العسكري التركي في دمشق نية أنقرة توسيع وجودها الأمني والعسكري داخل سوريا، حيث لا تزال القوات التركية تسيطر على مناطق واسعة من الشمال السوري، إلى جانب دعمها للفصائل المسلحة التابعة لها والتي يتم تعيين قادتها في كبرى المحافظات السنية كحلب وحماة.
وأشارت السفارة التركية إلى “تعاون عسكري مكثف” بين الجانبين، ما يكشف عن ترتيبات أمنية جديدة تهدف إلى تعزيز الهيمنة التركية على الأجهزة العسكرية والأمنية في سوريا لجعلها طوع أمرها.
ومع غياب أي استقلالية حقيقية لقرار دمشق، فإن تركيا تمارس نفوذها بحرية تامة، حيث باتت السلطة الحاكمة مجرد أداة لتنفيذ الأجندة التركية دون أي مقاومة فعلية.
فرض السيطرة الاقتصادية والتحكم بالموارد
إلى جانب النفوذ العسكري، تسعى تركيا إلى إحكام قبضتها على الاقتصاد السوري، وهو ما يتجلى في تعيين مستشار تجاري في السفارة التركية بدمشق. حيث تهدف أنقرة من خلال هذه الخطوة إلى إغراق السوق السورية بالمنتجات التركية، وربط النشاط الاقتصادي السوري بمصالحها، مما يجعل الاقتصاد السوري تابعاً تماماً لأنقرة خصوصاً أنه لا يزال يتم استخدام الليرة التركية في التداول التجاري في مناطق الشمال السوري وخصوصاً إدلب التي تعتبر معقل هيئة تحرير الشام التي تتحكم بمفاصل الحكم في دمشق.
وتأتي هذه التحركات كجزء من مخطط أوسع للسيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري، خاصة مع الانهيار الحاد الذي يعانيه الاقتصاد المحلي، مما يجعل دمشق تعتمد بشكل متزايد على الدعم التركي في بعض القطاعات. كما تسعى أنقرة إلى استغلال ملف إعادة الإعمار لصالح شركاتها، ما يمنحها نفوذاً طويل الأمد، ويجعل سوريا أكثر ارتهاناً للقرار الاقتصادي التركي.
التغلغل الديني والتأثير الثقافي
ولم تقتصر المخططات التركية على الجوانب العسكرية والاقتصادية، بل امتدت إلى البنية الدينية والثقافية في سوريا، وهو ما يتجلى في تعيين مستشار ديني بالسفارة التركية في دمشق.
ويمثل هذا التعيين امتداداً لسياسات أنقرة في نشر نفوذها الأيديولوجي، حيث سبق لتركيا أن دعمت مؤسسات دينية موالية لها في الشمال السوري، وتسعى الآن إلى ترسيخ هذا النفوذ في دمشق نفسها.
دمشق تحت الوصاية التركية
وتأتي هذه التعيينات بعد إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 13 كانون الثاني/يناير الماضي، عن استئناف عمل السفارة التركية في دمشق، وهو تطور يعكس التحول العميق في طبيعة العلاقة بين أنقرة ودمشق، حيث لم تعد السلطة الحاكمة تمتلك أي قرار مستقل.
ويرى مراقبون أن هذه التعيينات ليست مجرد إجراءات دبلوماسية، بل تُكرّس الهيمنة التركية على سوريا، حيث تحولت دمشق إلى عاصمة خاضعة للنفوذ التركي بشكل كامل، وسط عجز هيئة تحرير الشام عن اتخاذ أي قرار يخالف المصالح التركية.
وبهذا، تتحرك أنقرة نحو شرعنة احتلالها السياسي والاقتصادي والعسكري لسوريا، مستغلة ضعف السلطة الحاكمة وعدم إبداءها أي مقاومة تجاه هذه السياسات وفي ظل الضعف العربي وعدم تحركه لإخراج سوريا من تحت الهيمنة التركية، مثلما عجزت تماماً عن إخراج سوريا سابقاً عن هيمنة النظام الإيراني.