لجنة التحقيق بمجـ ـازر الساحل السوري تفـ ـشل في كشـ ـف مرتـ ـكبي الجـ ـرائم

محاولات للتغطية على مرتكبي المجازر وتجنيب وزارة الدفاع والأمن العام المسؤولية

في ظل الأحـ ـداث الـ ـدامـ ـية التي شهدها الساحل السوري في آذار 2025، والتي أودت بحـ ـياة نحو 1700 قتـ ـيل، غالبيتهم من الطـ ـائفة العلوية، أصدرت ما تسمى “اللجنة الوطنية المستقلة للتحـ ـقيق وتقـ ـصي الحقائق” التي شكلتها سلـ ـطة دمشق، تقريرها الذي حدّد 298 شخصاً يُشـ ـتبه بتـ ـورطـ ـهم في الانتهـ ـاكات. ورغم هذا الإعلان، فإن التقرير يثير العديد من علامات الاستفهام حول جـ ـدية اللجنة وقدرتها على تحقيق العدالة وكشـ ـف مرتـ ـكبي الجـ ـرائم بحق الأقلـ ـيات.

ففي حين أقرّت اللجنة بوقوع “انتهاكات جسيمة” تشمل عمليات قتل ممنهجة، إعدامات ميدانية، سلب للممتلكات، وحرق للمنازل، لم يتم الكشف عن أسماء مرتكبي هذه الانتهاكات بشكل شفاف، ولم تُوضح الإجراءات المتخذة لمحاسبتهم أو توقيفهم. كما اكتفت اللجنة بتقديم “لائحتين” للنائب العام، من دون الإعلان عن أي خطوات عملية تلي ذلك. هذا الغموض يثير الشكوك حول وجود تغطية على مرتكبي الجرائم.

وفي شهادات مأساوية لوكالة الصحافة الفرنسية، عبّرت عائلات الضحايا، مثل الطالبة جنى علي مصطفى التي فقدت والدها في مدينة بانياس، عن خيبة أمل عميقة تجاه التقرير، معتبرة أن ما جرى لم يكن مجرد “انتهاكات” بل “مجزرة طائفية موجهة ضد طائفة بأكملها”.

فيما أكدت راما حسين، التي فقدت ستة من أفراد عائلتها في ريف جبلة، أن اللجنة لم تستمع للضحايا ولم تزورهم، مما يعكس قصوراً خطيراً في عملها وابتعادها عن تحقيق العدالة الحقيقية.

تقرير اللجنة أشار إلى أن بعض الأفراد الذين ارتكبوا الانتهاكات ربما خالفوا الأوامر العسكرية، محاولة بذلك التنصل من مسؤولية وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الأمن العام عن المجازر، وهو ما لا ينسجم مع تقارير وشهادات أخرى تؤكد تورط قوات وزارة الدفاع والأمن العام بشكل مباشر في المجازر.

وفي هذا السياق، كانت وكالة “رويترز” قد وثقت في تقرير مستقل المجازر التي ارتكبتها قوات وزارة الدفاع والأمن العام التابعة لسلطة دمشق بحق المدنيين العلويين في الساحل السوري، بما في ذلك عمليات إعدام ميدانية وحرق منازل، ما يدحض الروايات التي تصف هذه الأحداث بأنها مجرد “أعمال فردية” أو “انتهاكات خارج نطاق الأوامر”.

وفي ظل هذه المعطيات، يطرح التقرير سؤالاً جوهرياً حول قدرة السلطة الانتقالية ولجنة التحقيق على تحمل مسؤولياتها في محاسبة المتورطين، وضمان عدم تكرار هذه المجازر. كما يشير إلى ضعف الإرادة السياسية والتغطية التي تحول دون كشف الحقيقة الكاملة وإحقاق العدالة لأبناء الأقليات الذين عانوا من أبشع أشكال العنف الطائفي.

إن استمرار غياب المساءلة والتقارير الجزئية التي لا تتجاوز الإعلان الصحافي، سيزيد من معاناة الضحايا ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق ذات حساسية طائفية بالغة مثل الساحل السوري، ويقوض آمال التغيير والتحول الديمقراطي المنشود في البلاد.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى