الرئيسية سوريا

في سوريا … ممنوع التحدث باللغة الكوردية

إن اللغة هي ثقافة بحد ذاتها وتعني الإرث المجتمعي للذهنية والأخلاق والجماليات والعواطف والأفكار التي اكتسبها مجتمعٌ ما، وهي وجود الهوية. فالمجتمع الذي يعبر عن ذاته يدل على امتلاكه الحجة القوية للحياة. ذلك أن مستوى رقي اللغة هو مستوى تقدم الحياة، أي أنه بقد ما يرقى مجتمع ما بلغته الأم، يكون قد ارتقى بمستوى الحياة بالمثل، وبقدر ما يخسر مجتمع ما لغته ويدخل تحت سيطرة لغات أخرى، يكون مستعمراً ومعرضاً للصهر والإبادة بالمثل، بل سيُحكم عليه بحياة مأساوية إلى أن يفنى بوصفه مجتمعاً مريضاً.

إن مجتمعاً مثل المجتمع الكردي يخضع للاحتلال وفرضت عليه اللغات التركية والعربية والفارسية، أصبح مقهوراً ويائساً وهوى نحو التشتت والتناثر. ففي كل جزء من كردستان، يتم فرض لغة الشعب الحاكم عليهم دون أي مراعاة لحقهم في التعلم بلغتهم الأم التي شرعنتها العهود والمواثيق الدولية.

ففي كوردستان سوريا، سعى النظام البعثي وبشتى الوسائل لمحو اللغة والهوية الكوردية عبر فرض اللغة العربية عليهم في المدارس ومنعهم من التحدث باللغة الكوردية حتى فيما بين بعضهم البعض ضمن المدارس وضمن مؤسسات الدولة، إلى جانب اتباع سياسة الحزام العربي عبر توطين العرب في قرى الكورد خصوصاً في منطقة الجزيرة، ومعاقبة كل من يتحدث اللغة الكوردية. حتى أن الكوردي كان ممنوعاً عليه امتلاك الأراضي الزراعية بدون موافقة من المخابرات ومن دمشق حصراً، وكان ممنوعاً عليه أن يتولى مناصب قيادية في مؤسسات الدولة إن لم يكن بعثياً إلى النخاع.

 هذه السياسات ظلت قائمة حتى انطلاق الثورة السورية، إذ أرادت الحكومة السورية كسب الكورد إلى جانبها، فأرادت خداعهم عبر افتتاح معهد للغة الكوردية في جامعة الأداب، مثلها مثل اللغة الفارسية أو الروسية أو العبرية التي تدرس في جامعات دمشق، إذ لم يتم جعل اللغة الكوردية رسمية في المدارس بمراحلها الثلاث، فكيف يمكن لطالب درس لمدة 12 سنة باللغة العربية أن يدرس في معهد للغة الكوردية بعد هذه السنوات. فإذا كانت الحكومة جادة لكانت اعترفت في دستورها باللغة الكوردية كلغة رسمية إلى جانب العربية كون الكورد يشكلون نحو 15 % من تعداد سكان سوريا.

خلال سنوات الثورة، استطاع الكورد أن يفتتحوا في البداية مدارس للغة الكوردية بعد أن كان تدريسها من قبل بعض المثقفين يحدث سراً في سنوات قبل الأزمة، واستطاعت هذه المدارس إعداد وتأهيل كادر تدريسي قادر على تدريس اللغة الكوردية في المدارس، لذلك بدأ الكورد بتدريس منهاج المرحلة الابتدائية باللغة الكوردية كمرحلة أولى ومن ثم الإعدادية والثانوية لاحقاً. وفي خطوة متقدمة استطاعوا افتتاح جامعات تدرس المنهاج باللغة الكوردية في كل من عفرين وكوباني والقامشلي. وبدأت هذه الجامعات الآن بتخريج أولى الدفاع من الطب البشري وصولاً إلى الآداب والعلوم.

ولكن مع ذلك، يطالب المجلس الوطني الكوردي بإعادة مناهج الحكومة السورية في كوردستان سوريا، رغم أنه عضو بالائتلاف الوطني السوري ويقول أنه معارض لهذه الحكومة ويطالب برحيلها، ويقول أنها لم تقدم للكورد أياً من حقوقهم.

شيخ الشهداء الشيخ معشوق الخزنوي قال في مراسم أحد شهداء انتفاضة القامشلي، “إن الحقوق لا يتصدق بها، إنما تؤخذ بالقوة” في إشارة إلى أن الأنظمة الحاكمة لا تمنح الشعوب حقوقها، بل على تلك الشعوب أن تأخذ حقوقها بالقوة. وفي كوردستان سوريا، استطاع الشعب الكوردي أن يفرض التعلم بلغته الأم، ولكن المجلس الوطني الكوردي يريد من الشعب الكوردي أن يعود إلى منهاج الحكومة السورية التي تدرس القومية العربية ومنهاج البعث الذي لا يعترف بالكورد.

وفي المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا وخصوصاً في عفرين، يتم تدريس اللغة التركية والعربية، حيث فرضت تركيا لغتها على من تبقى من سكان عفرين الأصليين وكذلك المستوطنين فيها، كما فرضت عليهم الدراسة وفق مناهجها، ولكن نرى أن المجلس الوطني الكوردي يصمت على فرض اللغة التركية على الشعب الكوردي ولا يتحرك ساكناً.

مشاركة المقال عبر