الرئيسية العالم والشرق الاوسط

تركيا وروسيا… ملفاتٌ على صفيحٍ ساخن بين خصمين تاريخيين

اتسمت العلاقات التركية – الروسية عبر التاريخ منذ ظهور الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية بالتنافس والمواجهة العسكرية في عدة ساحات، إذ شهدت القرون الأربعة الماضية حروبًا ونزاعات بين روسيا القيصرية وتركيا العثمانية.

ولا شك أن العلاقة الثنائية بين تركيا وروسيا التي وضِع أسسها خلال السنوات القليلة الماضية الزعيمان فلاديمير بوتين الذي يرى نفسه «خليفة القيصر» ورجب طيب أردوغان «خليفة العثمانيين» تمر بمرحلةٍ حرجة وستدخل أفاقاً صعبة للغاية نتيجة تراكم وتصاعد الأزمات بين خصمين تاريخيين على النفوذ ليؤجج مجدداً الصراع الخفي.

ويتمثل صراع الدولتين حول أطماع تتعلق بالكثير من القضايا في سوريا وليبيا ومن القوقاز إلى أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ومروراً بالبلقان إلى آسيا الوسطى وغيرها من المناطق.

وبعدها تحوّلت تركيا عبر انضمامها إلى حلف الناتو إلى خندق أمامي للدفاع عن الغرب ضد الشيوعية، وخاصةً عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، في عام 1991 الذي قلب المشهد رأساً على عقب، إذ وجدت تركيا أمامها مساحات فراغ جيوسياسية واسعة استثمرتها خارجيًّا وبالأخص مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، عام 2002، لإعادة أطماعها في الكثير من المناطق التي شهدت حروباً بين الطرفين.

فتركيا التي رفضت الاعتراف بضم روسيا شبه جزيرة القرم إلى روسيا منذ عام 2014 مرده الأطماع التركية التاريخية، إلى جانب التدخل في شؤون الأقليات المسلمة في روسيا التي يصل عددها لنحو 15 بالمئة والتي تعتبرها روسيا أطماع تركية تغذيها «نوازع دينية»، عبر استخدامهم واستغلالهم للتدخل في الشوؤن الداخلية للبلاد.

لم تنسى روسيا التي كانت ترى في نفسها روما الثالثة، انتزاع العثمانين للقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية، وحلم استعادة أمجاد الماضي البيزنطي.

الاستهداف المتبادل

لعلَّ الخلاف الروسي – التركي ظهر في ساحات أخرى كما هو الحال في سوريا، وإسقاط تركيا طائرة حربية روسية فوق الجبال في محافظة اللاذقية عام 2015، على يد عضو منظمة الذئاب الرمادية ألب أرسلان جيليك.

تبعه في العام 2016 عملية اغتيال السفير الروسي “أندريه كارلوف” في أنقرة على يد شرطيٍّ تركي بأوامر عليا احتجاجاً على الدور الروسي في الصراع السوري، والتي اعتبرتها موسكو «عملاً إرهابياً» على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا.

وعقب عملية اغتيال السفير الروسي حينها قال الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في لقاء صحفي بأن اغتيال سفير بلاده لدى تركيا عمل استفزازي، يهدف إلى زعزعة العلاقات الثنائية بين البلدين.

وقد أطلق المسلح الذي كان يرتدي ملابس مدنية النار على السفير من مسافة قريبة أثناء إلقائه كلمة في معرض للصور الفوتغرافية في غاليري في أنقرة.

ومن الواضح أن روسيا لم تنسى إسقاط تركيا طائرتها الحربية واغتيال سفيرها وانتظرت حتى تصبح الظروف ملائمة لتوجيه ضربة قوية لها في منطقةٍ ما وإبعاد المسؤولية المباشرة عنها وإلقاءها على خصمها تركيا، كما حصل من خلال المجزرة التي ارتكبتها بحق الجنود الأتراك في سوريا عام 2020، عبر شن غارات جوية في ادلب أسفرت عن مقتل 33 جندياً تركياً وإصابة العشرات.

وكانت وزارة الدفاع الروسية بررت الاستهداف من خلال توجيه اتهامات مباشرة لتركيا بانتهاك اتفاق سوتشي في منطقة خفض التصعيد حول إدلب عبر تقديمها الدعم للمسلحين الذين يقاتلون قوات الحكومة السورية بنيران المدفعية والطائرات المسيرة.

لعبة الانتظار

لم يُخفي الصراع بين بوتين وأردوغان على الجانب العسكري فقط، بل تبادل الطرفان «لعبة الانتظار» بينهما، وهو ما وصفه محللون أنها تحمل أبعاداً باتت تفسر بأنها تدخل في إطار رسائل متعمدة يوجهها الرئيسان الروسي والتركي إلى بعضهما.

وحصلت لعبة الانتظار للمرة الأولى عام 2016 عندما انتظر بوتين نظيره أردوغان لمدة دقيقة ونصف تقريبًا حينما كان الأخير في زيارة لموسكو.

لم ينسى بوتين تصرف الرئيس التركي معه وجعله ينتظر ليوجه الضربة لأردوغان ويتعمد في إذلاله من خلال إبقائه لمدة دقيقتين عام 2020، حيث علق حينها وزير الخارجية التركي آنذاك مولود جاويش أوغلو على نشر الفيديو، معتبراً أن تصرف الإعلام الروسي عبر نشر تلك المشاهد جاء بطريقة قليلة الاحترام، واصفاً هذا التصرف بالدعاية السوداء.

وهاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليكرر اللعبة مجددًا عام 2022 وجعل بوتين ينتظره لمدة دقيقة تقريبًا خلال قمة طهران الثلاثية.

الصراع في ليبيا

الصراع الروسي التركي برز أيضًا في ليبيا عبر أدواتٍ مختلفة، سواءً من خلال الدعم التركي لحكومة الوفاق بالسلاح وإرسال مرتزقة سوريين ،أو عن طريق التدخل العسكري المباشر وإرسال الجنود الأتراك.

أما موسكو التي ساهمت بدعم الجيش الوطني الليبي بالسلاح،وعبر أدوات غير مباشرة من ضمنها السماح لمجموعة «فاغنر» بالقتال في ليبيا، إذ يسعى الطرفان من خلال دعم كل طرف السيطرة على مخزون الطاقة الهائل في ليبيا إلى جانب امتلاكها سواحل شاسعة على شواطئ المتوسط.

الصراع في أوكرانيا

وفي الحالة الأوكرانية كان الصراع حاضراً أيضاً
وحاولت تركيا الادعاء بالوقوف على الحياد، لكن الحقائق كانت مغايرة تماماً وأثبتت أن تركيا أكبر لاعب متأرجح في هذه الحرب، سواءً من خلال دعم أوكرانيا أمنيًا بالطائرات المسيّرة‎ ومشاركة منظمة الذئاب الرمادية إلى جانبها.

كما امتنعت تركيا عن فرض العقوبات على روسيا والعمل كوسيط دبلوماسي، إضافةً إلى التعاون في مجال الطاقة مع روسيا.

وقد قدَّم هذا النهج فرصًا كبيرة لأنقرة لحصد أكبر المكاسب الممكنة من الحرب واستغلال روسيا بذلك من خلال شراء النفط الروسي بسعر رخيص نتيجة العقوبات واستيراد 70 في المئة من قمحها.

وتسعى تركيا أيضاً إلى أن يكون ممر الغاز الطبيعي من آسيا والخليج إلى أوربا عبر تركيا وذلك لمنافسة الغاز الروسي.

مشاركة المقال عبر