الهجرة من شمال وشرق سوريا.. من يشجع الهجرة وما هي أهدافهم؟
بدأ مؤخراً الترويج لهجـ ـرة الشباب مجدداً من مناطق شمال وشرق سوريا إلى الدول الأوروبية، ونشطت شبـ ـكات التهـ ـريب في المنطقة، ولكن وقع العديد من المهـ ـاجرين في أيدي تلك الشبـ ـكات التي ترتبط بالاستخـ ـبارات التركية، في حين ما يزال مصـ ـير العشرات مجهـ ـولاً حتى الآن، فضلاً عن مـ ـوت الكثير منهم في الطريق.
منذ أن بدأت الأزمة في سوريا، حافظت المناطق الكوردية من سوريا على خصوصيتها ولم تقف إلى جانبي الصراع على السلطة، حيث سعت المجموعات المسلحة التي سيطرت على الجيش الحر والتي تلقت الدعم من القوى الخارجية الوصول إلى السلطة بقوة السلاح واستخدمت كل الطرق لتحقيق هذه الغاية، ومن جانبها سعت الحكومة السورية الحفاظ على السلطة واستنجدت بروسيا وإيران واستخدمت مختلف صنوف الأسلحة في العمليات العسكرية، وبين الجيش الحر ولاحقاً الجيش الوطني وبين قوات الحكومة السورية فقد السوريون حياتهم وتعرضت مدنهم للدمار وأصبحوا مشردين داخل البلاد.
أما المناطق الكوردية من سوريا، فظلت بعيدة عن هذه التناحرات والصراع على السلطة، حيث كانت المجموعات المسلحة تعوّل على الكورد للمشاركة إلى جانبها في قتال الحكومة السورية فيما كانت الأخيرة تعوّل على الفئة الشابة الكوردية لحمل السلاح والقتال بدلا ًمنها، ولكن الكورد لم يقفوا إلى جانب أيّ منهما، ولذلك أصبح الكورد هدفاً للطرفين وداعميهم.
ولذلك شنت تركيا العديد من الهجمات على المنطقة، وسيطرت على عفرين ورأس العين وتل أبيض، فيما سعت الحكومة السورية لنشر البلبلة والفتنة في المنطقة، ومع فشل الطرفين في الوصول إلى مرادهما مع تغيّر موازين القوى في المنطقة والتطورات المتسارعة التي تحصل، سعى الطرفان لاتباع طرق الحرب الخاصة ضد المنطقة، ومن أكثر الطرق التي اتبعوها هو الترويج للهجرة من المنطقة.
فتفريغ المنطقة من الفئة الشابة سيسهل عليهما تطبيق مخططاتهما في المنطقة والسيطرة عليها، لا سيما أنها غنية بمصادر الطاقة “البترول والغاز” إلى جانب غناها بالمياه والزراعة، فمناطق شمال وشرق سوريا تُعرف بأنها سلة الغذاء في سوريا وهي منبع الطاقة.
ومن أجل تفريغ المنطقة، شكلت الحكومة السورية عبر مجموعاتها المسلحة المختلفة وكذلك تركيا عبر فصائل الجيش الوطني، العشرات من شبكات تهريب البشر، وفي الغالب تكون الشبكات التابعة للطرفين على تواصل وثيق من أجل تحقيق الهدف المشترك والذي يجري نقاشه بشكل دوري من قبل الأجهزة الأمنية “المخابرات” لدى الطرفين كون العلاقات الاستخباراتية لم تنقطع رغم العداء الذي تكنه دمشق وأنقرة لبعضهما البعض.
وتروج تلك الشبكات لعمليات التهريب من مناطق شمال وشرق سوريا، حيث يتم إيهام المهاجرين بأنه سيتم إيصالهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا ومن هناك سيجري نقلهم إلى مدينة إسطنبول عبر الاستخبارات التركية، ومن هناك سيجري نقلهم إلى أوروبا عبر شبكات تهريب البشر التركية.
ويطالب المهربون بمبالغ مالية كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات، ولكن ما أن يصل المهاجرون إلى مناطق سيطرة تركيا حتى يقعوا ضحية تلك الشبكات التي تلقي القبض عليهم، وتسلم بعضهم للاستخبارات التركية بعد تلفيق التهم لهم حيث تنقلهم الاستخبارات التركية إلى سجونها من أجل تجنيدهم لصالحها في عمليات التجسس بالمنطقة.
ومن لم يتم تسليمه للاستخبارات التركية، تقوم فصائل الجيش الوطني بابتزاز ذويهم عبر التواصل معهم وطلب فدى مالية منهم، في حين يعمل محامون تابعون للفصائل في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا، على التواصل مع ذوي المختطفين وإقناعهم بإرسال الأموال لهم من أجل إخراج أولادهم من السجون، وما أن يحصل المحامون على الأموال يختفون ويبقى مصير المختطفين مجهولاً.
وآخر عمليات النصب والابتزاز التي تعرض لها مهاجرون على أيدي شبكات التهريب التابعة للجيش الوطني، كان في مطلع شهر تشرين الثاني الجاري، حيث حاول 20 شخصاً بينهم نساء الوصول إلى تركيا من أجل الانتقال إلى أوروبا، وذلك عبر مدينة رأس العين من خلال شبكة تهريب تتبع فصيل أحرار الشرقية، ولكن هؤلاء اختفوا وما زال مصيرهم مجهولاً حتى الآن، حيث لا يعلم ذوهم أي معلومات عنهم، في حين يتعرض من يحاول العبور عبر إدلب وبقية المناطق للاستهداف المباشر على يد الجندرما التركية.
وقتل حتى الآن 578 سورياً برصاص الجندرما التركية أثناء محاولتهم عبور الحدود بينهم 105 أطفال و67 امرأة، كما أصيب أكثر من 3 آلاف شخص برصاص الجندرما، وهذه الحالات هي الحالات التي جرى توثيقها من قبل مراكز الرصد، في حين أن العدد الكلي للقتلى والجرحى أكبر بكثير، حيث تتكتم الكثير من العوائل عن مصير ابناءها خصوصاً العائلات التي ترسل نساءها عبر الحدود، نظراً لتعرض النساء للاغتصاب من قبل المهربين والجندرما التركية على حد سواء، ولذلك ترفض الكثير من العائلات كشف معلومات عن مصير بناتهن.
وبحسب المعلومات التي تم الحصول عليها من مصادر مقربة من شبكات المهربين، فأن غالبية عمليات التهريب تبوء بالفشل، فما نسبته 10 % من حالات العبور تنجح، في حين يقع 90 % من المهاجرين في فخ شبكات التهريب المرتبطة بالفصائل والاستخبارات التركية، أو يجري إلقاء القبض عليهم وتعذيبهم من قبل الجندرما التركية.
وحتى هذه النسبة القليلة التي تستطيع اجتياز الحدود من المناطق التي تسيطر عليها تركيا، وتصل إلى مدن إسطنبول تتعرض للابتزاز من قبل شبكات تهريب البشر في تركيا أو يتم إلقاء القبض عليهم من قبل الأمن التركي الذي يشن الحملات المتلاحقة ضد السوريين في تركيا حيث يجري نقل المعتقلين قسراً إلى مناطق الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركيا ويتم تسليمهم لفصائل الجيش الوطني في المعابر لتتعرض عوائل المهاجرين مجدداً للابتزاز من قبل الفصائل.
وبحسب آخر المعلومات، فأن الأمن التركي اعتقل مؤخراً 8 أشخاص من ريفي عامودا والحسكة، كانوا يتواجدون في إسطنبول بغية الهجرة إلى أوروبا، وهؤلاء الأشخاص دفع كل واحد منهم مبلغ 7 آلاف دولار أمريكي لشبكات التهريب التابعة للجيش الوطني من أجل الوصول إلى تركيا.
وتقول المعلومات إن تركيا تستعد لترحيلهم إلى إدلب وتسليمهم إلى هيئة تحرير الشام، حيث سيتعرضون للاعتقال هناك مجدداً حتى يدفع ذوهم فدى مالية من أجل تأمين إعادتهم إلى مناطق شمال وشرق سوريا.
أما من يحالفهم الحظ بالوصول إلى اليونان، فيتعرضون هناك للاعتقال من قبل الأمن اليوناني، أو يتعرضون لابتزاز شبكات تهريب البشر هناك.
حيث ألقت الشرطة اليونانية في نهاية تشرين الثاني من العام الجاري، القبض على 6 أعضاء في عصابة كبيرة لتهريب البشر ابتزت الأموال من المهاجرين لمساعدتهم في العبور إلى الاتحاد الأوروبي عبر ألبانيا المجاورة.
وقالت الشرطة يوم الأحد 26 تشرين الثاني، أن أفراد العصابة بينهم سوري، واعتقلوا على بعد 10 كم من الحدود الألبانية، بعد أن كانت قد اعتقلت في 28 أيلول 7 أفراد آخرين من العصابة ذاتها وعثرت معهم على 11 مهاجر محتجزين في أكواخ ومواقع عسكرية مهجورة.
وقالت الشرطة إن المهربين، الذين جمعوا بالفعل ما يزيد عن 1000 يورو (حوالي 1100 دولار) من كل مهاجر لمساعدتهم على العبور إلى ألبانيا، قاموا باحتجازهم، وطالبوا بمبلغ إضافي قدره 1500 يورو (1640 دولارا). وذكرت إن المهربين عذّبوا المهاجرين، وصوّروا جلسات التعذيب بالفيديو وأرسلوا اللقطات إلى أقارب الضحايا في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
في حين تعمل شبكات التهريب التابعة للحكومة السورية، على نقل المهاجرين عبر الحدود إلى لبنان، وهناك يتعرض السوريون للاعتقال من قبل الأمن اللبناني حيث يجري إعادتهم قسراً إلى سوريا وتسليمهم للحكومة السورية التي تزج بهم في السجون، ومن يحالفه الحظ يصل إلى مصر ومنها إلى ليبيا وتونس، ولكن هناك أيضاً يتعرضون لابتزاز شبكات تهريب البشر في حين يموت العشرات منهم والذين يسافرون عن طريق البحر، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، غرقت المئات من المهاجرين في عرض البحر المتوسط قبالة السواحل الليبية، في حين يتعمد خفر السواحل الليبية لإغراق مراكب المهاجرين غير الشرعيين.
كما تعمل شبكات مرتبطة بالحكومة السورية على إصدار فيزا للمهاجرين إلى الدول القريبة من أوروبا، وعلى وجه الخصوص روسيا وبيلاروسيا، ليتم تسليمهم هناك لشبكات تهريب البشر الذين ينقلون المهاجرين عبر شاحنات حفظ الخضار واللحوم المبردة، وهذه الشاحنات يطلق بات الجميع يطلق عليها اسم “شاحنات الموت” وفقد الكثير من شبان شمال وشرق سوريا حياتهم بهذه الطريقة.
أما من يحاول قطع الحدود برياً فتقف لهم قوات حرس حدود الدول الأوروبية بالمرصاد، حيث تمنعهم من العبور وتطلق النار بشكل مباشر عليهم، والجميع يتذكر منظر الآلاف وهم يقفون على الحدود البيلاروسية البولندية تحت الثلوج، حيث فقد عدد منهم حياتهم فيما عاد الآخرون أدراجهم إلى المناطق التي هاجروا منها بعد أن خسروا مبالغ مالية طائلة.
ومن يحاول السير عبر الغابات، فأنه يتوه ويفقد حياته نتيجة البرد أو الجوع أو العطش، دون أن يعرف أقاربهم شيئاً عنهم، وبحسب آخر المعلومات، فأنه فقد الاتصال بالشابين هوكر حسين وسوار شيخي اللذان ينحدران من مدينة المالكية/ديرك في أقصى شمال شرق سوريا منذ منتصف تشرين الثاني، حيث لا يزال مصيرهما مجهولاً.
فيما اعتقلت السلطات الصربية 6 أشخاص من مدينة القامشلي أثناء محاولتهم عبور الحدود، حيث لا يزال مصيرهم مجهولاً والأشخاص المعتقلون هم كل من “بنكين داوود، سالار حمي، ريوان حسن، سلمان أحمد، جاندا محمد ورانيا إسماعيل”.
وهؤلاء هم غيض من فيض، فالمهاجرون معرضون للموت في كل خطوة يخطونها بعد خروجهم من منزل عوائلهم، ومن يصل إلى أوروبا يتعرض للأمراض النفسية نتيجة هول ما يرون من مآسي في طريق الهجرة.
غداً: الحجج التي يسوقها المهاجرون.. شمال وشرق سوريا تستقبل السوريين من المناطق السورية الأخرى