الأخبار تركيا

تركيا تعبّر عن امتعاضها من إمكانية فوز الاتحاد الوطني الكوردستاني بمنصب محافظ كركوك


منذ التدخّل الأمريكي في العراق، تستخدم تركيا التركمان كورقةٍ ضد العراق وجندتهم لصالحها، وأنشأت مجموعات مسلحة لهم في كركوك وعدة مناطق أخرى، كما يزور قادة التركمان باستمرار تركيا ويلتقون الرئيس التركي ويشاركون في اجتماعات الدول التركية وكأنهم دولة.

يراهن النظام التركي على التركمان في العراق وسوريا من أجل تطبيق مخططهم في الوصول إلى حدود الميثاق الملي الذي يتضمن أجزاء من العراق وسوريا، حيث تخطط تركيا للسيطرة على دول أوربية متاخمة معها كمناطق من اليونان، على شكل قوس يمتد من إدلب في شمال غربي سوريا، إلى الموصل في شمال العراق، وصولاً إلى إقليم كوردستان، مروراً بمدن ديرالزور والرقة وكركوك وصولاً إلى السليمانية بحجة أنها أراضي للتركمان الذين يشكلون أقلية ولكن أردوغان يستخدمهم كمسمار جحا ضد العراق وسوريا.

ومع فوز حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني في انتخابات مجالس المحافظات العراقية الأخيرة بمدينة كركوك الغنية بالنفط الذي سلكت قيادته الحالية نهجاً سيادياً لا يروق لأنقرة والذي يعتبره الأخيرة -أي أنقرة- أنه الطرف الأحق بتولي منصب المحافظ بمعزل عن نتائج الانتخابات الذي أصبح فيها الاتحاد الوطني الكوردستاني (YNK) هو الحزب الأول وحصل بذلك على 139 ألفاً و373 صوتاً وفاز بـ 5 مقاعد.

إذ طالبت تركيا على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان بمنح منصب محافظ كركوك لحلفائها التركمان مكرّسة بذلك تدخلاتها في شؤون المحافظة العراقية الغنية بالنفط سعياً لإيجاد موطئ قدم فيها بالتوازي مع تدخلها العسكري المباشر في أنحاء أخرى من العراق، والذي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخّراً عن دعمه وتوسيعه بإقامة قواعد عسكرية ثابتة جديدة وربطها بشبكة طرق تمتد لمئات الكيلومترات.

وحول هذا رأت صحيفة العرب أن مطالبة فيدان بمنصب المحافظ التركمان تضمّنت استهدافاً مباشراً لحزب الاتّحاد الوطني الكوردستاني كونه الفائز في الانتخابات المحلية الأخيرة بكركوك بحصوله على خمسة مقاعد ما يرشّحه للفوز بمنصب المحافظ فيما لم يحصل التركمان سوى على مقعدين.

وبدأت العودة القوية لحزب الاتحاد إلى واجهة الحياة السياسية في إقليم كوردستان وعموم العراق تثير قلق تركيا بفعل النهج السيادي الذي سلكه الحزب بقيادة بافل جلال طالباني واتخاذه مواقف لا تروق لأنقرة بما في ذلك إقامته علاقات متينة مع أكراد المنطقة، الأمر الذي يفسّر الاتهامات التركية له بدعم “الإرهاب” واحتضانه ممثلاً وفق المنظور التركي بحزب العمال الكوردستاني.

وأضافت الصحيفة أنه بالتوازي مع محاولة حكومة أردوغان توظيف تركمان العراق على أساس وحدة القومية معهم لاختراق كركوك بناء على مطامع تاريخية فيها، تتّخذ من الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة أفراد أسرة بارزاني حليفاً لها في حربها ضدّ حزب العمال التي تدور أبرز فصولها على أرض إقليم كوردستان العراق.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إثر اجتماع عقده في أنقرة مع رئيس الجبهة التركمانية العراقية حسن توران إنّ حزب العمال الكوردستاني موجود حاليا في السليمانية ومتحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، متهما الطرفين بالوقوف “ضد حكومة أربيل”، في إشارة إلى حكومة الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي.

وبشأن ترتيب أوضاع السلطة المحلية في كركوك إثر الانتخابات المحلية الأخيرة، عبّر فيدان عن امتعاضه من “التقدم غير المتوقع” الذي حققه حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني مطالبا بـ”الاستمرار في القاعدة المتبعة سابقا في اختيار المحافظ بالتناوب بين أطراف تلك المحافظة المهمة”، وذلك لمنع حدوث شراكة بين حزب الاتّحاد وحزب العمال تفضي إلى “هيمنتها على المحافظة”.

ولا توجد قاعدة تنظم تداول المكونات العراقية على قيادة محافظة كركوك، غير أنّ وزير الخارجية التركي أراد فقط إيجاد صيغة تشرّع لحصول التركمان على منصب المحافظ بالاستناد إلى تولّي الأكراد للمنصب بعد سنة 2003، ثم حصول العرب عليه بعد أحداث سنة 2017 وطرد قوات البيشمركة الكوردية من المدينة إثر الاستفتاء الذي أجري آنذاك على استقلال إقليم كوردستان عن العراق، ما يعني في المنظور الذي حاول فيدان تكريسه مجيء دور المكوّن التركماني لتولي المنصب بمعزل عن نتائج الانتخابات.

وذكر فيدان في تصريحه للصحافيين أنّه بحث مع توران بالتفصيل “مرحلة ما بعد الانتخابات المحلية العراقية وحجم التزوير الذي شابها”.

ويعتبر وجود حسن توران على رأس الجبهة التركمانية أحد ثمرات التدخّل التركي المباشر في شؤون تركمان العراق، حيث لعبت أنقرة سنة 2021 دورا كبيرا في دفع أرشد الصالحي للتنحي عن رئاسة الجبهة واختيار توران خلفا له.

ووقع اختيار توران لقيادة الجبهة لسببين أولهما توجهه الإسلامي المتوافق مع توجّهات حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابل الميول القومية الكمالية للصالحي والتي تجعله أقرب إلى حزب الشعب الجمهوري، وثانيهما حالة الوفاق بين توران وقيادات الحزب الديمقراطي الكوردستاني المتحالفين مع أنقرة في مقابل برود علاقة الصالحي بتلك القيادات.

وتطرق الوزير التركي للعملية العسكرية التي تقوم بها بلاده ضد حزب العمال داخل أراضي العراق ومن دون تنسيق مع حكومته الاتّحادية. وحرص فيدان على الإشارة إلى دور الحزب الديمقراطي في تلك العملية قائلا “ننسق مع أربيل بشكل تام لمواجهة الإرهاب وخصوصا حزب العمال الكردستاني ونحقق تقدما يوما بعد يوم”.

وأضاف “لا أرى مانعا في قول ذلك، إذ أنّ حزب العمال الكوردستاني يستهدف حكومة أربيل في نفس الوقت”.

وتابعت الصحيفة أن العودة القوية لحزب الاتحاد إلى واجهة الحياة السياسية تثير قلق تركيا بفعل النهج السيادي الذي تسلكه قيادة الحزب، ويبدو الحرص واضحا في كلام الوزير التركي على شق الصفّ الكوردي وتعميق الخلافات بين مكوناته عبر تقسيمها إلى معسكر إرهابي أو داعم للإرهاب، وآخر متضرّر منه ومنخرط في محاربته.

كما جدد فيدان تأكيد ما ذكره أردوغان مؤخرا بشأن استمرار تواجد القوات التركية داخل الأراضي العراقية قائلا “حزب العمال الكوردستاني لا يسيطر على متر مربع واحد في تركيا، لكنه أخضع مساحة كبيرة في العراق لسيطرته. والآن يوجد في سنجار ومخمور والسليمانية وزاخو وجبال قنديل”، مشدّدا على استمرار القوات التركية في تعقّب عناصر الحزب في مناطق شمال العراق سواء بموافقة بغداد أو من دونها.

وكان أردوغان قد ذكر الأسبوع الماضي أنّ بلاده أنشأت في السنوات القليلة الماضية طُرُقا تمتد مئات الكيلومترات في شمال العراق نحو قواعدها العسكرية الثابتة هناك، مضيفا قوله “ننجز نفس الأعمال في أماكن جديدة نسيطر عليها، وبحلول الربيع سنكون قد أكملنا البنية التحتية لقواعدنا التي أنشأناها حديثا في شمال العراق وسنجعل الإرهابيين غير قادرين على وضع أقدامهم في المنطقة”.

وفي أغسطس / آب العام الفائت التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته العراق برئيس الجبهة التركمانية حسن توران تحت العلم التركي بغياب علم العراق.

وخلال اللقاء قدم التركمان ملخصاً عن أوضاع التركمان في العراق، وأشادوا بالدور التركي في دعمهم.

ويعتبر رفع العلم التركي في العاصمة العراقية بغداد وعدم رفع العلم العراقي إهانة للعراقيين عموماً وتأكيداً على أن التركمان لا يعترفون بالعلم العراقي.

ولذلك نجد أن تركيا تتدخل في جميع هذه المناطق تارة باسم الدين وتارة باسم دعم العرب وتارة باسم حماية التركمان وهدفها الأساسي السيطرة على هذه المناطق التي تراها جزءاً من أراضيها وتحاول تطهيرها من سكانها العرب والكورد على حد سواء وتحقيق حُلم عُثماني زائل منذ قرن من الزمن بعدما أصبحت رجل أوروبا المريض.

فخطط الدولة التركية الممنهجة بالتغيير الديمغرافي حتى ولو خالف ذلك الاتفاقيات الدولية التي رسمت الحدود بين الدول بعد الحرب العالمية الأولى، فهي تسعى مثلاً تحت مسمى إعادة اللاجئين السوريين والتي تأخذ شكل المشروع الإستيطاني بتمرير سياساتها وتشكيل حزام تركماني بعد طردها السكان الأصليين من تلك المناطق عبر عمليات يتداخل فيها النشاط الأمني والتجاري والثقافي واللغوي والسكاني والخدمي، كما أن عمليات قصف شبه يومية والحرب الإعلامية، أصبحت عناوين رئيسية في السياسة التركية تجاه شمال شرقي سوريا، فهي لا تتوانى عن شن الهجمات في أي وقت تحت أية ذرائع من أجل استهداف الكورد والعرب الذين يقفون ضد أطماعها ويعون حقيقة خططها.

ففي عام 1939 احتلّ أتاتورك لواء إسكندرون السورية بعد تسويات سياسية مع الفرنسيين، وما يزال اللواء محتلاً حتى الآن تحت اسم يمسح هويته الأصلية واستبدالها بهوية أخرى وهي “هاتاي” التركية ولعل تجربة قبرص ماثلة للعيان أمام الجميع، فهي موجودة هناك منذ عام 1974 بحجة أمنها القومي، حيث قسمت قبرص إلى دولتين وتعترف هي لوحدها بالشطر الذي تسيطر عليه. وفي بحر إيجة، لا يتوقف الجيش التركي عن التحرّش بالقواعد العسكرية اليونانية فوق الجزر الإيجية.

فاليوم تمتلك تركيا قواعد عسكرية كبيرة في شمال العراق، ولعل هذا ما يفسر التصريحات التركية الصريحة حول حقوق تركية التاريخية في الموصل العراقية مقروناً بعمليات عسكرية بحجة محاربة حــ.ـزب العــ.ــمــال الكــ.ـــوردســـتانـــ.ـي.

وعملت السلطات التركية في المناطق الخاضعة لنفوذها في سوريا والتي تدار من قبل فصائلها المسلحة على تغيير معالمها وهويتها المدنية شملت أسماء المدن والساحات والقرى، وقامت برفع علمها في تلك المناطق، فضلاً عن تغييرها السجل المدني للسكان، والحث على تداول الليرة التركية، والسعي لتغيير المناهج الدراسية، وفرض اللغة التركية، حيث فرضت تركيا فور سيطرتها على مدينة عفرين منذ عام 2018 ومناطق أخرى مثل إدلب وأرياف حلب، اللغة التركية على المناهج الدراسية وبدأت بفتح فروع لجامعاتها، وجلبت فروعا للمؤسسات الحكومية والتعامل بالليرة التركية إلى جانب الدولار الأمريكي.

مشاركة المقال عبر