وقَّع رئيس سلـ ـطة دمشق، أحـ ـمد الشـ ـرع، اليوم الخميس، مسوّدة الإعلان الدستوري الجديد، محدداً المرحلة الانتقالية في البلاد بخمس سنوات، وسط إشادات من قبل السلـ ـطات الجديدة باعتباره “بداية لمرحلة تاريخية جديدة”، بينما أثـ ـار الإعلان جـ ـدلاً واسعاً بسـ ـبب بنوده التي اعتُبرت تـ ـكـ ـريـ ـساً لهـ ـوية الدولة العربية والإسـ ـلامـ ـية، وإقـ ـصـ ـاءً للمكونات غيـ ـر العربية وغير السـ ـنـ ـية في البلاد.
هوية الدولة: إقصاء للقوميات غير العربية
أحد البنود التي أثارت انتقادات واسعة هو الإبقاء على اسم “الجمهورية العربية السورية”، ما يعني استبعاد أي اعتراف رسمي بالمكونات القومية غير العربية، مثل الكورد والسريان والآشوريين والتركمان وغيرهم.
ويقول محللون إن هذا التوجه يعيد إنتاج السياسات السابقة التي حصرت الهوية السورية في البعد العربي، رغم أن البلاد تتمتع بتنوع عرقي ولغوي واسع. وكانت العديد من القوى السياسية الكوردية والسريانية قد طالبت سابقاً بإعادة تعريف الهوية الوطنية السورية لتكون أكثر شمولية، بما يعكس الواقع الديموغرافي للبلاد.
ويرى المحللون أن الإصرار على الهوية العربية للدولة يعني الإبقاء على عقلية الإقصاء التي عانى منها السوريون غير العرب لعقود”، ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى استمرار التوترات القومية، خاصة في ظل مطالب الشعوب غير العربية بالاعتراف بحقوقهم ضمن أي عملية سياسية مستقبلية.
مرجعية التشريع: تكريس الطابع الإسلامي للدولة
وتضمن الإعلان الدستوري بنداً ينص على أن “الفقه الإسلامي هو المصدر الأساسي للتشريع”، وهو ما اعتُبر خطوة تعيد البلاد إلى دائرة التشريعات الدينية، التي قد تتعارض مع مدنية الدولة ومبدأ المساواة بين جميع المواطنين.
ويحذر نشطاء حقوقيون من أن هذا البند قد يؤدي إلى فرض تشريعات تمييزية بحق الأقليات الدينية، أو الحد من حرية التشريع وفق القوانين المدنية، كما أنه قد يعرقل جهود تحديث القوانين بما يتماشى مع المعايير الحقوقية الدولية.
دين رئيس الجمهورية: استبعاد للمكونات غير المسلمة
كما نص الإعلان الدستوري على أن “دين رئيس الجمهورية هو الإسلام”، وهو ما يعني بشكل واضح استبعاد المسيحيين والإيزيديين وغيرهم من غير المسلمين من الترشح لهذا المنصب، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام السلطات الجديدة بمبدأ المواطنة المتساوية.
وهذا النص يؤكد أن الدولة ما زالت تُبنى على أسس تمييزية، حيث يُمنع المواطنون غير المسلمين من الوصول إلى رأس السلطة، رغم أنهم مواطنون سوريون لهم نفس الحقوق والواجبات.
حرية الأديان: ضمانات مشروطة
وأكد الإعلان الدستوري أن “الدولة تحترم جميع الأديان وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها، على أن لا يخل ذلك بالنظام العام”. ورغم أن هذه الصياغة تبدو إيجابية، فإن عبارة “عدم الإخلال بالنظام العام” تُترك مفتوحة لتفسيرات قد تتيح فرض قيود على ممارسة الشعائر الدينية، خصوصاً في ظل سلطة تنفيذية مطلقة.
الأحوال الشخصية: استمرار القوانين الطائفية
كما نص الإعلان الدستوري على أن “الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية”، مما يعني استمرار العمل بالقوانين الطائفية لكل مجموعة دينية على حدة، بدلاً من السعي إلى قانون مدني موحّد ينظم الأحوال الشخصية لكافة السوريين.
ويرى خبراء قانونيون أن الإبقاء على هذا النظام قد يعرقل الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة بين المواطنين، لا سيما في قضايا مثل الزواج والميراث والوصاية، حيث تخضع بعض الطوائف لقوانين تمييزية بحق النساء أو الفئات الأخرى.
دولة المواطنة أم إعادة إنتاج الإقصاء؟
ورغم تأكيد الإعلان الدستوري على مبدأ “الفصل المطلق بين السلطات” و”ضمان الحقوق والحريات”، فإن العديد من بنوده تعكس استمرار سياسات الإقصاء، سواء من ناحية الهوية العربية للدولة، أو مرجعية التشريع الإسلامية، أو اشتراط دين رئيس الجمهورية، مما قد يُبقي البلاد في حالة من الانقسام المجتمعي.
وبينما تحتفل السلطات الجديدة بإقرار الإعلان الدستوري باعتباره خطوة نحو “العدالة والحرية”، فإن الجدل حول هذه البنود قد يُبقي التساؤلات مفتوحة حول مستقبل التعددية في سوريا، ومدى التزام النظام الانتقالي بمبادئ الدولة المدنية التي تحترم حقوق جميع مواطنيها، بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم.