الغاز الأذربيجاني لسوريا: ضوء مؤقت يهـ ـدد باحتـ ـراق منظومة الكهرباء المتهـ ـالكة
الاتفاق يضع دمشق في موقع التبعية اللوجستية لأنقرة وباكو

أثار بدء ضخ الغاز الأذربيجاني إلى سوريا، في إطار اتفاق رعته تركيا، جـ ـدلاً واسعاً حول ما إذا كان هذا الاتفاق طوق نجـ ـاة لقطاع الكهرباء أم مجرد حل مؤقت يحمل في طياته مخـ ـاطر تقنية وسياسية كبيرة. ورغم أن الاتفاق وُقّع بهدف رفع ساعات التغذية الكهربائية إلى نحو عشر ساعات يومياً، لم ينعكس هذا التحسن بشكل كامل على الواقع اليومي للمواطن، مما يكشف عن مشـ ـاكل أعمق تهدد مستقبل الطاقة في البلاد.
وتكمن أبرز مساوئ الصفقة في المعضلة الفنية الخطيرة المتعلقة بتركيبة الغاز نفسه؛ حيث كشفت مصادر فنية متخصصة عن أن المزيج الغازي المورد لا يتطابق مع المواصفات التشغيلية لـ “العنفات السورية”. هذا الخلل أدى إلى انخفاض في المردود الفعلي لعملية التوليد، ما حال دون تحقيق الطاقة المرجوة التي تصل إلى 900 ميغاواط، ولم يحقق الوعد الحكومي بزيادة ملموسة وكاملة في ساعات التغذية.
ويتفاقم هذا الخطر التقني بسبب الواقع المتردي لمحطات التوليد، فالخلل لا يقتصر على نوعية الغاز المورد فحسب، بل يشتد نتيجة غياب الصيانة الدورية، حيث لم تخضع العنفات لأي عملية إعادة تأهيل منذ أكثر من 15 عاماً. ويحذر الخبراء من أن إدخال وقود جديد دون إجراء صيانة شاملة، وهي عملية تستغرق وقتاً طويلاً، هو بمثابة استهلاك “لما تبقى من عمر العنفات المتهالكة”، مما يعرض البلاد لخطر خسارة نصف قدرتها التوليدية خلال عام واحد. كما أن خطر هبوط أداء المحطات سيزداد مع بداية فصل الشتاء نتيجة الضغط المتزايد وتراجع كفاءة التشغيل، ما ينذر بتفاقم جديد في أزمة الكهرباء.
هذا الوضع الفني الحرج يثير تساؤلات حول الآلية الإدارية والقانونية التي أُبرم بها العقد، حيث أقر مصدر فني في وزارة الطاقة بأن الاتفاق “لم يمر عبر هيئة المواصفات والمقاييس”، بل جرى توقيعه بقرار استثنائي تحت ذريعة الاستعجال. هذا التسرع في التعاقد، الذي وصفه خبراء بأنه “ضغط سياسي وليس خياراً فنياً مدروساً”، وضع الحكومة في موقف حرج، محاولة إثبات تحسن سريع على حساب استنزاف ما تبقى من البنية التحتية المتهالكة.
أخيراً، لا يمكن فصل الصفقة عن أبعادها السياسية والاستراتيجية، إذ يرى مراقبون أن إدخال الغاز الأذربيجاني هو جزء من ترتيبات إقليمية أوسع أعقبت الانفتاح بين أنقرة ودمشق. وفي حين تسعى تركيا لترسيخ دورها كممر للطاقة، فإن هذا الاتفاق يضع دمشق في موقع التبعية اللوجستية لأنقرة وباكو، مما يثير حساسيات سياسية داخلية ويحوّل قضية إنعاش قطاع الكهرباء إلى ملف مرتبط بالتبعية الإقليمية والقرار السياسي. لذلك، يبدو أن الغاز الأذربيجاني اليوم قد يكون جرس إنذار يهدد المنظومة بأكملها بالاحتراق بدلاً من أن يكون بصيص أمل مستدام.