سجـ ـن حارم.. مركز الانتهـ ـاكات الطـ ـائـ ـفية واختـ ـطاف النساء العلويات
دعوة لتحقيقات ومحاسبة المتورطين

يُعتبر سجـ ـن حارم في محافظة إدلب شمال غرب سوريا أحد أبرز مراكـ ـز الاعتـ ـقال التي تسيـ ـطر عليها هيـ ـئـ ـة تـ ـحـ ـريـ ـر الشـ ـام، التي استـ ـولت على السـ ـلطة بعد سقـ ـوط نظـ ـام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024. وأُنشئ السجـ ـن قبل نحو ثماني سنوات، ويضم الآن ما يزيد عن 5000 معـ ـتـ ـقل أغلبهم من جـ ـنـ ـود وضـ ـباط ومدنيين، معـ ـظمهم من الطـ ـائفة العلوية.
ويعاني هذا السجن الذي تديره هيئة تحرير الشام من الاكتظاظ الشديد وظروف إنسانية صعبة، حيث أن طاقة سجن حارم الاستيعابية لا تكفي لهذا العدد الكبير، ما يفاقم معاناة المعتقلين ويزيد من خطر انتشار الأمراض والإصابات الجسدية والنفسية.
وعلى الرغم من أن الهيئة أصدرت تعليمات بإطلاق سراح المعتقلين في معظم السجون بعد استيلائها على السلطة، فإن سجن حارم بقي مغلقاً ولم يتم الإفراج عن أي معتقل، ما يعكس سياسة انتقائية في التعامل مع المعتقلين، ويطرح تساؤلات حول أسباب الاستثناء وأهداف احتجاز المدنيين العلويين والنساء.
مجازر الساحل واختطاف النساء العلويات
بين 6 و9 آذار 2025، شنت قوات هيئة تحرير الشام باسم الأمن العام وزارة الدفاع السورية هجمات عنيفة على المناطق العلوية في الساحل السوري، وأسفرت عن مقتل أكثر من 1500 مدني علوي في مجازر طائفية مروعة.
ورافق هذه الهجمات عمليات اختطاف جماعي للنساء العلويات، اللواتي بلغ عددهن نحو 250 امرأة محتجزات في سجن حارم وحده.
وتشير المعلومات إلى أن النساء المختطفات يتم بيعهن عبر تطبيق “سيجنال” ضمن مجموعة خاصة يديرها المدعو “أبو الهوراء اليماني”، ويشرف عليها المدعو أنس أبو الهبرا، الذي كان سابقاً عضواً في المعارضة السورية. ولا يمكن الدخول إلى هذه المجموعة إلا عبر رمز خاص يرسله أبو الهبرا الذي يعتبر المسؤول الرئيسي عن هذه الجريمة.
وتتم عمليات المتاجرة بالنساء داخل تركيا، حيث توجد شبكات تعمل على ذلك بين تركيا ومحافظتي إدلب وحماة، تحت غض الطرف الواضح من سلطة هيئة تحرير الشام في دمشق، ما يشير إلى وجود شبكة منظمة للتجارة بالبشر مدعومة من جهات مسيطرة على الأرض، خصوصاً إن إدلب هي المعقل الرئيسي لهيئة تحرير الشام ولا يمكن أن يحدث فيها أي شيء دون علم الهيئة.
تكرار الانتهاكات في السويداء
وفي تموز 2025، شهدت منطقة السويداء هجمات مشابهة من قبل قوات الهيئة، أسفرت عن اختطاف أكثر من 100 امرأة، ولا يزال مصير العديد منهن مجهولاً.
وتؤكد هذه الأحداث أن الانتهاكات بحق النساء العلويات ليست حوادث منفردة، بل تشكل جزءاً من سياسة ممنهجة تستهدف الطوائف غير السنية وخصوصاً العلويين والدورز، مع توظيف الاعتقال والقتل والاختطاف كأدوات لإرهاب المجتمع.
التبعات الإنسانية والاجتماعية
وتؤدي هذه الانتهاكات إلى تفاقم الانقسامات الطائفية داخل المجتمع السوري، وزيادة موجات اللجوء والنزوح، وتخلق حالة من الرعب بين المدنيين. كما تؤدي إلى تشكل شبكات إجرامية دولية للاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي، مع تورط جهات متعددة تمتد بين سوريا وتركيا، ما يضع المنطقة أمام تهديدات أمنية إضافية.
وتساهم هذه الانتهاكات في تدمير البنية الاجتماعية المحلية، حيث أن الأسر تفقد نساءها اللواتي يشكلن ركائز الأسرة والمجتمع، ما يزيد من معاناة الأطفال والمسنين ويخلق أزمات اجتماعية مستمرة.
الأبعاد الإقليمية والدولية
وتمتد تداعيات هذه الانتهاكات إلى المستوى الإقليمي والدولي، حيث يمكن أن تُستغل شبكات الاتجار بالنساء للتمويل غير المشروع، وخلق قنوات دعم لعناصر خارجة عن القانون. العلاقة بين تركيا وإدلب تُبرز خطورة تورط أطراف خارجية في عمليات الاتجار، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي متابعة هذه الملفات عن كثب، واتخاذ إجراءات لمكافحة الجرائم العابرة للحدود.
بالإضافة إلى ذلك، يضع هذا الوضع الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية أمام تحديات كبيرة، حيث يتطلب حماية المدنيين، توثيق الانتهاكات، وضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم الطائفية والاختطاف.
الدعوة لتحقيقات ومحاسبة المتورطين
وتشدد منظمات حقوق الإنسان على ضرورة إجراء تحقيقات دولية عاجلة تشمل جمع الأدلة، مقابلة الشهود، توثيق حالات الاختطاف والقتل، ومراقبة الشبكات المنظمة للاتجار بالنساء. كما يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، بما في ذلك عناصر هيئة تحرير الشام والمشرفين على عمليات الاختطاف، لضمان العدالة ومنع تكرار الانتهاكات.
وهذا يشمل فتح ملفات النساء المختطفات في سجن حارم والسويداء، وتقديم مرتكبي الجرائم أمام المحاكم الدولية، فضلاً عن مراقبة تدفقات الأموال والأسلحة التي تستخدم في دعم هذه الشبكات.
ويُعد سجن حارم في إدلب مثالاً صارخاً على الانتهاكات الطائفية والمنهجية ضد النساء العلويات والمعتقلين المدنيين. مع استمرار الهجمات والاختطافات في الساحل والسويداء، تتضح الحاجة إلى تحقيقات دولية عاجلة لتوثيق الجرائم ومحاسبة المسؤولين، بما يعزز الأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة.
الانتهاكات في سجن حارم والاختطافات المتكررة تشكل أكبر تهديد للأمن الإنساني في سوريا، وتبرز الحاجة إلى تعاون دولي لتفكيك شبكات الاتجار بالبشر، وضمان توفير الحماية للنساء والأطفال المدنيين، وتقديم المسؤولين عن الجرائم أمام العدالة الدولية. كما أن الضغط الدولي على هيئة تحرير الشام لوقف الاعتقالات التعسفية، حماية المدنيين، والإفراج عن المختطفات أصبح أولوية إنسانية وحقوقية ملحة، لضمان استعادة الحقوق والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في مناطق النزاع.