تركيا وسوريا: تدخـ ـلات تدفع البلاد نحو الفـ ـوضى
داعش يعود بفضل تركيا: دعم التنظيم الإرهابي وتوجيه الهجمات

مع سقـ ـوط نظـ ـام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 وسيـ ـطرة هيـ ـئة تحـ ـرير الشـ ـام بقيادة أحمد الشـ ـرع على الحـ ـكم، برزت تركيا كلاعب رئيسي في المشهد السوري، مستغلة الفراغ الأمـ ـني والسياسي لتحقيق مصالحها الجيوستراتيجية على حساب وحدة الأراضي السورية ود.ماء المدنيين. ويظهر تدخـ ـل تركيا في عدة أبعاد تشمل الهجـ ـمـ ـات العسـ ـكرية المباشرة، دعم الفصـ ـائل المسـ ـلحة، وتعزيز نشاط د..ا..عـ ـش، وفـ ـرض قيـ ـود على حركة المدنيين، ما أدى إلى تصـ ـاعد الأزمـ ـات الإنسانية والأمـ ـنـ ـية.
خرق الاتفاقات والحصار: الحيّان الكورديان بين مطرقة تركيا وسندان دمشق
ففي مدينة حلب، خرق الجيش الوطني السوري التابع لتركيا الاتفاقات الموقعة بين مجلس حيّي الشيخ مقصود والأشرفية وقوات سلطة دمشق في نيسان/أبريل 2025، والتي تضمنت إنشاء نقاط أمنية مشتركة لضبط مداخل الحيين ذي الغالبية الكوردية. إذ تتلقى هذه الفصائل أوامر مباشرة من الاستخبارات التركية وتشن هجمات متقطعة تصاعدت في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بالتزامن مع إغلاق المداخل ورفع سواتر ترابية، ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة أكثر من خمسين آخرين، بالإضافة إلى استخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين السلميين.
الهدف الاستراتيجي التركي يكمن في ضرب الاتفاقيات بين الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية من جهة، وسلطة دمشق من جهة أخرى، وخلق توتر قد يؤدي إلى صدام داخلي يُتيح لتركيا فرض نفوذها.
دير حافر تحت القصف
تصاعد التدخل التركي اتسع ليشمل مناطق ريف حلب، مثل دير حافر، حيث تتواجد قوات سوريا الديمقراطية. شهدت المنطقة نهاية أيلول/سبتمبر 2025 مجزرة في قرية أم التينة نتيجة هجمات بالطائرات المسيّرة التابعة للفصائل المدعومة تركياً، أسفرت عن مقتل سبعة مدنيين وإصابة أربعة آخرين.
كما تم استهداف مواقع قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي بشكل متكرر، بهدف جرها إلى صراع مسلح يُمكّن تركيا من التوسع واحتلال مزيد من الأراضي وفق ما تسميه “الميثاق الملي”، الذي يشمل حلب والرقة والحسكة ودير الزور.
وتسيطر تركيا حالياً على مناطق مثل عفرين واعزاز والباب وجرابلس وتعمل على توسيع نفوذها في بعض أحياء مدينة حلب عبر فصائلها، كما تسيطر على مدينة تل أبيض في محافظة الرقة ورأس العين في محافظة الحسكة.
داعش يعود بفضل تركيا: دعم التنظيم الإرهابي وتوجيه الهجمات
علاوة على ذلك، تستغل تركيا الفراغ الأمني الحاصل لدعم خلايا تنظيم داعش، مستغلة انهيار سلطة الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 وضعف سلطة دمشق الجديدة.
وبضغط تركي تم تكليف فصيل أحرار الشرقية، التابع لتركيا، بقيادة أبو حاتم شقرا لقيادة قوات سلطة دمشق في دير الزور، حيث يعمل هذا الفصيل على تسهيل إيصال السلاح والذخيرة لداعش، وتوجيهه لاستهداف قوات سوريا الديمقراطية والمدنيين ووجهاء العشائر.
يساهم هذا الدعم التركي في إعادة إحياء التنظيم بعد هزيمته الجغرافية في الباغوز عام 2019، ويعيد تشكيل التهديد الإرهابي في شمال وشرق سوريا، ما يعقد جهود الأمن والاستقرار ويزيد من هشاشة المنطقة.
إغلاق الطرق والفوضى الإنسانية: تركيا تفرض معادلة الحصار والضغط
وعلى الصعيد الإنساني والاقتصادي، تسعى تركيا عبر دعمها لبعض فصائل سلطة دمشق إلى عزل مناطق الإدارة الذاتية عن مناطق سلطة دمشق. فقد أغلقت تلك الفصائل الطريق الواصل بين مدينة الطبقة ومدينة السلمية لمدة ثمانية أيام متتالية في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ما أدى إلى احتجاز آلاف المدنيين، بينهم مرضى وطلاب، ومنع تدفق البضائع.
كما أغلقت طريق دير حافر – حلب في أيلول/سبتمبر الفائت، ورفعت سواتر ترابية، ما تسبب في إصابة مدنيين وعرقلة التجارة والتنقل، في حين أبقت الإدارة الذاتية الطرق مفتوحة، مما يظهر التناقض في السياسات ويبرز الطابع الانتقامي للسيطرة التركية على الحلفاء المحليين.
أهداف استراتيجية أنقرة: السيطرة الجغرافية عبر الحرب والفوضى
من الناحية الاستراتيجية، يظهر تدخل تركيا كنمط منهجي للاستفادة من الصراع السوري لتحقيق أهداف بعيدة المدى، تشمل تغيير الواقع الجغرافي، تعزيز السيطرة على شمال سوريا، واستغلال الإرهاب كأداة ضغط سياسي وعسكري ضد الكورد والإدارة الذاتية. وقد أدى هذا التدخل إلى تصعيد النزاع العسكري، دعم الإرهاب، فرض حصار اقتصادي وإنساني، وتعقيد أي جهود لإعادة الاستقرار أو التسوية السياسية، ما يعكس سياسة تركية قائمة على الفوضى والسيطرة الجيوسياسية على حساب الشعب السوري.
نتائج كارثية على المدنيين: الفوضى والتهجير وإعادة تشكيل خريطة النفوذ
ويوضح هذا التدخل أن تركيا تسعى لإطالة أمد الحرب، وإعادة تشكيل خريطة النفوذ في سوريا، مع نتائج كارثية على المدنيين والأمن الإقليمي، ولذلك فأن أي حل سياسي أو إعادة إعمار في سوريا لن يكون ممكناً إلا بغياب الضغوط التركية المباشرة على الفصائل السورية وعدم رضوخ سلطة دمشق للإملاءات التركية.