تكرار لحقبة الرعـ ـب القديمة.. احتـ ـجاز تعسـ ـفي ممنـ ـهج و58 قتـ ـيلاً داخل سجـ ـون سلـ ـطة دمشق

في ظلّ غيـ ـاب الشفافية والمسـ ـاءلة، وتجـ ـاهل سلـ ـطة دمشق لملف المعتقـ ـلين، يستمرّ احتـ ـجاز آلاف الأشخاص في سجـ ـون السلـ ـطة المؤقتة منذ أكثر من تسعة أشهر، في ظـ ـروف تُوصف بأنها قاسـ ـية وغيـ ـر إنسانية. وتشير تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن نحو 8 آلاف معتـ ـقل لا يزالون قيـ ـد الاحتـ ـجاز في سجـ ـون متفرقة تشمل حماة، حمص، عدرا، حارم، عفرين، والراعي، دون توجيه تهـ ـم رسمية أو عـ ـرضهم على القـ ـضاء، في مشهد يثير مخـ ـاوف جدية من تكـ ـرار ممـ ـارسات الحقبة السابقة.

ظروف احتجاز مأساوية وغياب المحاكمات

ويُحتجز هؤلاء المعتقلون دون أي جرم واضح، في انتهاك صارخ لأبسط مبادئ العدالة وحقوق الإنسان. وتشير المصادر إلى أن العديد منهم تعرّضوا للاعتقال على خلفيات سياسية أو أمنية أو بسبب تقارير كيدية، فيما لم تُقدَّم أي معلومات رسمية لعائلاتهم حول أماكن وجودهم أو أوضاعهم الصحية.

وبحسب المرصد السوري، يعيش المعتقلون في ظروف مأساوية تتنوع بين سوء المعاملة الجسدية والنفسية، الحرمان من الغذاء الكافي، وانعدام الرعاية الصحية.

وأفادت شهادات متطابقة بأن الطعام الذي يُقدَّم في تلك السجون “لا يكفي لسدّ رمق يوم واحد”، وأن بعض السجون توزع وجبة واحدة لتغطية يومين كاملين.

ابتزاز مالي منظم لأهالي المعتقلين

كما وثّق المرصد عمليات ابتزاز مالي ممنهجة تُمارس ضد أهالي المعتقلين، حيث تُفرض عليهم مبالغ مالية ضخمة مقابل تحسين ظروف الاحتجاز، أو السماح بإدخال الطعام والدواء، أو حتى وعود بالإفراج عن ذويهم.

هذه الممارسات، بحسب المرصد، تحوّلت إلى شبكة فساد ممنهجة تُدرّ أرباحاً على بعض الجهات الأمنية والإدارية داخل السجون.

حالات وفاة تحت التعذيب وملف المفقودين

وفي الوقت نفسه، تتزايد المخاوف من حالات قتل تحت التعذيب داخل مراكز الاحتجاز، خاصة مع استمرار التعتيم الإعلامي على ما يجري داخلها. فقد وثّق المرصد السوري مقتل 58 معتقلاً بالاسم منذ مطلع العام الجاري، في سجون سلطة دمشق المؤقتة، بعضهم بعد فترات اعتقال قصيرة، ما يرجّح تعرضهم للتعذيب أو سوء المعاملة حتى الموت.

وتشمل قوائم المفقودين ضباطاً وعسكريين سلّموا أنفسهم دون قتال، إضافة إلى مدنيين أُوقفوا على الحواجز الأمنية، فضلاً عن معتقلين أعيدوا من العراق بعد سقوط النظام السابق في ديسمبر/كانون الأول 2024.

صمت رسمي ودولي مقلق

ويرى المرصد أن استمرار هذا الملف دون معالجة جدية يعكس تراخي سلطة دمشق المؤقتة في الالتزام بمبادئ العدالة الانتقالية، ويضع مصداقيتها على المحك.

كما حذر من أن الصمت الدولي والإقليمي إزاء هذه الانتهاكات يعيد إنتاج أنماط القمع التي عانى منها السوريون لعقود، ويقوّض أي مسعى لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

دعوات عاجلة للتحقيق والمساءلة

ودعا المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى فتح السجون أمام لجان حقوقية دولية مستقلة لمراقبة الأوضاع الداخلية. والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين الذين لم تُثبت بحقهم أي تهم جنائية أو أمنية. ومحاكمة عادلة وشفافة لمن يُشتبه بتورطهم في جرائم حقيقية، وفق الأطر القانونية والدستورية. وتشكيل لجنة وطنية مستقلة لمراجعة أوضاع المحتجزين وضمان منع تكرار الانتهاكات.

وأكد المرصد أن “أي مسار حقيقي لبناء سوريا الجديدة لا يمكن أن ينجح دون إغلاق ملف الاعتقال التعسفي، وكشف مصير المفقودين، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، أياً كانت مناصبهم أو انتماءاتهم”.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى