مجلس الشعب… أم مجلس أحمد الشـ ـرع؟ انتخابات شكـ ـلية تهمـ ـش إرادة السوريين

انطلقت صباح الأحد في سوريا أول عملية لتشكيل برلمان بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، وسط جدل واسع حول مدى تمثيل هذه الانتخابات للشعب السوري، لا سيما في ظل الآلية الانتخابية غير المباشرة التي اعتمدها سلطة دمشق المؤقتة برئاسة أحمد الشرع.

وفق ما أعلنته السلطات، سينتخب ستة آلاف شخص وهم أعضاء الهيئات الانتخابية المنبثقة عن لجان فرعية شكّلها أحمد الشرع، ثلثي أعضاء المجلس البالغ عددهم 210، في حين سيعيّن الشرع مباشرة الثلث الباقي (70 عضواً). ويعكس هذا الترتيب بشكل صارخ مسألة التمثيل الحقيقي للشعب؛ إذ إن الاسم الذي يُطلق على هذا المجلس “مجلس الشعب” يوحي بأن المواطنين هم من ينتخبونه مباشرة، بينما الواقع يكشف أن جميع مقاعد المجلس ستكون تحت تأثير مباشر لرئيس السلطة المؤقتة فهو يختار 70 عضواً وهو من اختار اللجنة العليا للانتخابات التي اختارت بدورها أعضاء الهيئات الانتخابية.

وينتقد حقوقيون ومنظمات المجتمع المدني هذه الآلية، معتبرين أن منح الشرع صلاحية اختيار أغلبية المجلس يهدد التعددية السياسية ويحوّل البرلمان إلى هيئة ذات لون سياسي واحد، لا تعكس تنوع المجتمع السوري ولا مصالح مواطنيه المختلفة.

وأوضحت 14 منظمة سورية في بيان مشترك صدر في أيلول الماضي أن هذه الترتيبات تجعل الانتخابات شكلية، إذ إن النظام غير المباشر يعتمد على لجان تم تعيين أعضاؤها من قبل رئيس السلطة نفسه، مما يمنح الأخير نفوذاً مطلقاً على عملية انتخاب المجلس.

وتفاقم الانتقادات بسبب استبعاد تمثيل ثلاث محافظات سورية رئيسية لأسباب ادعت السلطة أنها “أمنية”، وهي السويداء والرقة والحسكة، رغم أن هذه المناطق هي أكثر أماناً من عموم المناطق الخاضعة للسلط التي تشهد بشكل يومي جرائم قتل وتصفية طائفية  وعرقية، ما يعني أن استبعاد هذه المناطق هو إقصاء سياسي متعمد، وهذا بدوره أضعف مصداقية العملية الانتخابية وجعلها شكلية فقط.

ويقول النشطاء أن السلطة المؤقتة الحالية أنهت الحياة السياسية التقليدية، وجعلت إجراءات تشكيل مجلس الشعب بعيدة عن أي معايير ديموقراطية حقيقية.

كما يشير المراقبون إلى أن العملية الانتخابية لم تراعِ التوازن بين الجنسين والمكونات الدينية والطائفية، رغم أن 14% فقط من المرشحين هم من النساء، ووجود تمثيل رمزي للطوائف الدينية والأقليات وهم من الموالين أساساً للسلطة أو جرى شراء ذممهم مقابل منحهم مناصب في الدولة.

وفي العاصمة دمشق، لوحظ حضور نسائي مرتفع في الهيئات الناخبة، تجاوز 50%، بينما غابت النساء تماماً عن قوائم الفائزين في مناطق إدلب وريف دمشق والقلمون والغوطة الشرقية، ما يطرح تساؤلات حول جدوى التمثيل النسائي المعلن.

وعلى الرغم من تأكيد اللجنة العليا للانتخابات على أن العملية “سارت بهدوء وسلاسة”، إلا أن الانتقادات تكمن في طبيعة الانتخابات نفسها، إذ لا يوجد رقابة مستقلة حقيقية على اختيار المرشحين أو إجراء الاقتراع، ويتركز القرار النهائي للثلث الباقي من المجلس في يد رئيس السلطة، مما يحول البرلمان إلى أداة لتكريس السلطة التنفيذية أكثر من كونه مؤسسة تشريعية حقيقية.

ويُعتبر العدد الضئيل للمواطنين الذين لهم حق التصويت المباشر (ستة آلاف شخص) مقارنة بعدد السكان السوريين البالغ عشرات الملايين، مؤشراً آخر على قصور التمثيل الشعبي. فكيف يمكن لمجلس يسمى “مجلس الشعب” أن يعبّر عن إرادة السوريين حين يتم انتخابه من قبل نسبة ضئيلة جداً من الأعضاء الذين جرى تعيينهم بشكل مباشر من قبل السلطة؟

كما أكدت لجنة الانتخابات سابقاً في قبول المرشحين، أن المرشح يجب ألا يكون داعياً للنظام السابق أو للانفصال، وهو ما وضع قيوداً إضافية على حرية الترشح وجعل التنوع السياسي معدوماً.

وتبرز هذه الانتخابات كمؤشر على استمرار المركزية السياسية التي حاول النظام السابق فرضها، وهو ما يثير القلق لدى السوريين الذين يأملون في بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية بعد سنوات طويلة من الحكم الاستبدادي. كما أن آلية الانتخاب تؤكد بما لا لبس فيه أن تأثير رئيس السلطة سيبقى حاضراً في توجيه المجلس نحو قرارات مسبقة.

وفي المحصلة، تمثل هذه الانتخابات نموذجاً عن الديموقراطية الشكلية التي تعلنها سلطة دمشق، لكنها في جوهرها تكرس سلطة رئيس السلطة أحمد الشرع على العملية التشريعية وتهمش مشاركة الشعب الحقيقية. كما أنها تعكس التحديات الكبيرة أمام سوريا في المرحلة الانتقالية، حيث يبقى تحقيق التعددية السياسية والتمثيل العادل للأقليات والمناطق المختلفة أمراً بعيد المنال ما لم يتم تعديل الآليات الانتخابية لتصبح مباشرة وشاملة.

ختاماً، يمكن القول إن مجلس الشعب الجديد، على الرغم من كل الشعارات الإصلاحية، لن يكون مجلساً للشعب إلا إذا تم منح السوريين القدرة على التصويت المباشر واختيار ممثليهم بحرية، بعيداً عن التعيينات المباشرة والتأثيرات السياسية المركزية التي تهيمن على العملية الانتخابية. وإلا، فإن تسمية المجلس بـ”مجلس الشعب” سيبقى عنواناً خادعاً لا يعكس إرادة المواطنين.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى