سوريا

المصالح الاستراتيجية لروسيا تتعارض مع أي نفوذ مستقبلي لأنقرة وطهران في سوريا

أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد بعد لقائهما في العاصمة الروسية الاثنين رسالة واضحة مفادها أن المرحلة القادمة ستكون لإخراج القوات الأجنبية، في إشارة إلى تركيا وإيران بالدرجة الأولى.
وبعد أن نجحت قوات الحكومة السورية بدعم مباشر من روسيا في استعادة السيطرة على جيب درعا كآخر معاقل المعارضة الداخلية، يعتقد مراقبون بحسب تقرير لصحيفة العرب أنه “لم يعد أمام بوتين لتثبيت نظام الأسد سوى الضغط لإخراج القوات الأجنبية، وخاصة تركيا التي تسعى لتحويل سيطرتها على إدلب ومناطق كردية إلى أمر واقع”.
ويريد بوتين فصل الوضع في سوريا عن الملفات الأخرى التي يتم فيها تنسيق تركي – روسي، وهو ما يعني أن موسكو لن تقبل بقاء القوات التركية التي تعرقل الهدف الرئيسي للتدخل الروسي وهو الإبقاء على سوريا موحدة، خاصة أن تركيا نجحت في استقطاب الآلاف من عناصر المعارضة المسلحة وحولتهم إلى ورقة ضغط في مفاوضاتها غير المباشرة مع الأسد، ووجود هؤلاء المقاتلين على المدى البعيد قد يحول التقسيم إلى أمر واقع.
وإذا كان الوجود الأميركي في مناطق شمال وشرق سوريا مقلقاً لموسكو فإنه ليس بنفس الدرجة من الخطر الاستراتيجي التركي؛ ذلك أن المئات من الجنود الأميركيين من المقرر أن يرحلوا ضمن استراتيجية واشنطن للانسحاب من مناطق النزاع، في حين أن تركيا تخطط لبقاء دائم تبرره استراتيجية رجب طيب أردوغان الهادفة إلى استعادة مناطق سيطرة الدولة العثمانية على المدى البعيد، وأن تمركز قواتها في سوريا ليس سوى أحد عناصر تلك الاستراتيجية.
وأكد بوتين خلال لقائه الأسد أن “القوات المسلحة الأجنبية موجودة دون قرار من الأمم المتحدة في البعض من مناطق البلاد، في انتهاك بطبيعة الحال للقانون الدولي، وهو ما يحول دون بذل الجهود القصوى لتعزيز البلاد والتقدم على طريق إعادة البناء”.
ونقل بيان للكرملين عن بوتين القول “الإرهابيون تكبدوا أضرارا بالغة، وتسيطر الحكومة السورية برئاستكم على 90 في المئة من الأراضي”. وقالت وكالة سانا للأنباء إن الرئيسين بحثا “التعاون المشترك بين جيشي البلدين في عملية مكافحة الإرهاب واستكمال تحرير الأراضي التي ما زالت تخضع لسيطرة التنظيمات الإرهابية”.
وتدخلت روسيا عسكريا في سوريا عام 2015 ما سمح لقوات الحكومة السورية باستعادة مناطق خسرتها البلاد أمام فصائل المعارضة والحركات الجهادية. لكن ذلك لم يمكن موسكو من تأمين نفوذها بسبب عوامل خارجية متداخلة.
وبات واضحا في خطاب المسؤولين الروس عدم رضا ليس فقط عن الدور التركي، فهناك انزعاج أيضا من الدور الإيراني الذي يقلق خطط روسيا لتأمين وضع سياسي في سوريا يتيح لها التحكم في الوضع على المدى البعيد وعقد اتفاقيات تمكنها من استعادة ما أنفقته وتأمين مناخ أمني وعسكري يتيح للأسد الحكم في ظروف مريحة، وهو وضع يهدده بقاء النفوذ الإيراني.
وتقول روسيا إن تدخلها جاء بطلب رسمي من الأسد، وهو ما يكرره المسؤولون الإيرانيون الذين يطالبون هم أيضا بمزايا استراتيجية كمكافأة من الرئيس السوري على الدور الذي لعبته بلادهم ومجموعات حليفة لها في هزْمِ المعارضة؛ وهو ما يعني منافسة روسيا على اتفاقيات النفط والغاز، واتفاقيات الموانئ والقواعد العسكرية وإعادة الإعمار.
ولأجل التخلص من الوجود الإيراني المعقد على الأراضي السورية -وهو دور يمتزج فيه الدور العسكري بالخطاب الطائفي وشعارات المقاومة- بدا أن الروس صاروا أقرب إلى مطالبة إسرائيل بالحد من النفوذ الإيراني في سوريا ولو بشكل تدريجي وإبعاده عن الحدود مع إسرائيل إلى داخل الأراضي السورية.
ولئن تكتمت روسيا على تفاصيل التنسيق مع إسرائيل بشأن سوريا فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تظهر أن موسكو لا تعترض على استهداف الوجود الإيراني في سوريا، وأنهم تلقوا الضوء الأخضر للاستمرار في تنفيذ عمليات محدودة ولكنها دقيقة ضد تمركز الإيرانيين وحلفائهم من حزب الله أو مجموعات عراقية وأفغانية.
وهناك ما يشبه عملية توزيع أدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل لإجبار إيران على الرحيل من سوريا.
ولا تبدو روسيا بعيدة عن عملية توزيع الأدوار هذه؛ ذلك أنها ما فتئت، على مدار عمر الصراع، تغض الطرف عن العمليات الإسرائيلية في الداخل السوري ونادراً مع تعلق على مثل تلك العمليات. كما أنها ترفض تفعيل منظومات الدفاع الجوي الحديثة التي استقدمتها إلى سوريا لاسيما أس 300، فيما بدا أن هناك اتفاقاً ضمنياً مع واشنطن وتل أبيب حول ذلك.
وتتجه إسرائيل إلى توسيع دائرة استهداف النفوذ الإيراني من عمليات داخل العمق السوري أو اللبناني إلى عمليات أخرى قد تطال مناطق يتم فيها التخطيط لتنفيذ هجمات في سوريا.
ويوم السبت الماضي حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس من أن إيران “تقوم بتدريب ميليشيات من العراق واليمن ولبنان وسوريا على استخدام طائرات مُسيرة متقدمة، في قاعدة تدعى كاشان”.
وقال غانتس إن “قاعدة كاشان في شمال مدينة أصفهان تُستخدم لتدريب إرهابيين من اليمن والعراق وسوريا ولبنان. ويتم تدريب هؤلاء الإرهابيين على استخدام المُسيرات التي تنتجها إيران. وتعتبر هذه القاعدة نقطة رئيسية يتم منها تصدير الإرهاب الجوي إلى المنطقة”.
وكان بوتين، الحليف الرئيسي للأسد في الصراع الدائر في سوريا منذ عشر سنوات، قد استقبل الرئيس السوري في روسيا عام 2018 في مقر إقامته الصيفي بمنتجع سوتشي المطل على البحر الأسود.
ولعب سلاح الجو الروسي دوراً حيوياً في تحويل الدفة لصالح الحكومة السورية في الصراع، بعد انتشاره هناك في 2015 مما ساعدها على استعادة معظم الأراضي التي خسرتها أمام المعارضة المسلحة.

مشاركة المقال عبر