اجتماع استخـ ـباراتي سعودي-تركي-بريطاني في دمشق.. ماذا قالت الرياض عن الإدارة الذاتية؟
السعودية تؤيد اللامركزية وتركيا تريد نظاماً مركزياً تابعاً لها!

كشفت مصادر مطلعة أن اجتماعاً استخـ ـباراتياً ثلاثياً جمع بعثات من السعودية وتركيا وبريطانيا في العاصمة السورية دمشق خلال الأيام الماضية، وركز على دراسة الوضع السوري بشكل مستفيض، في ظل تصـ ـاعد التوتـ ـرات السياسية والعسـ ـكرية الداخلية والإقليمية.
وأوضحت المصادر الأمنية أن البعثة السعودية أكدت خلال الاجتماع للاستخبارات التركية ضرورة الحل السياسي لجميع الملفات السورية دون اللجوء إلى القوة العسكرية، مشيرة إلى أن أنقرة تحاول جر سوريا إلى الحرب كوسيلة لإلهاء إسرائيل عن حدودها، مستغلة الوضع الداخلي في تركيا، حيث تشهد البلاد موجة اعتقالات واسعة ضد منافسين محتملين للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2028، بالإضافة إلى المظاهرات المعارضة التي بدأت تنتشر ضد سياسات الحكومة الحالية.
وأكدت المصادر أن السعودية ترى أن الحل السياسي بين دمشق والإدارة الذاتية هو الحل الأنسب لمعالجة ملف شمال وشرق سوريا، داعية دمشق إلى تسريع مفاوضاتها مع الإدارة الذاتية وتقديم ضمانات واضحة للكورد لضمان حقوقهم ومشاركتهم الفاعلة في الحكم المحلي.
وأشارت المصادر إلى أن السعودية أيدت فكرة اللامركزية، معتبرة تجربة الإدارة الذاتية نموذجاً ناجحاً في إشراك جميع المكونات السورية بالحكم المحلي، بما يقلل من التوترات ويعزز الاستقرار الداخلي.
وعلى الصعيد الغربي، لفتت المصادر إلى أن القوى الغربية ما تزال تنظر بحذر إلى سلطة دمشق الحالية نظراً لخلفيتها الجهادية، وتتعامل معها بحذر شديد. ورغم رفع بعض العقوبات عن سوريا، لم تتخذ الدول الغربية، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي، أي خطوات ملموسة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، فيما اقتصر الدعم السعودي على المشاريع الإنسانية والخدمية، لا سيما الطبية، دون دعم مباشر لتعزيز سلطة دمشق على الأرض.
وأوضحت المصادر أن القوى الغربية تركز على ضرورة الحل السياسي وابتعاد دمشق عن العسكرة، وإعادة سوريا إلى المسار السياسي الشامل لجميع المكونات السورية، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في 18 ديسمبر 2015، والذي ينص على وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة.
ومن هذا المنطلق، ترى القوى الغربية أن ممارسة الحكم المركزية من قبل دمشق وحدها تُعيق مشاركة المكونات الأخرى، بما في ذلك الكورد، في صنع القرار، وهو ما يجعل تجربة الإدارة الذاتية أكثر قبولاً لدى هذه الأطراف.
وفي المقابل، تسعى تركيا إلى أن يكون الحكم في سوريا مركزياً تحت سلطة دمشق الحالية، مدفوعة بتبعية السلطة لها، فيما تعتبر السعودية والدول الغربية أن التدخل التركي يزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي شامل.
ووفقاً للمصادر، تحاول أنقرة تعزيز حضورها العسكري عبر دفع دمشق لعقد اتفاقيات مع روسيا لتأمين مصالحها، واستغلال النفوذ الروسي لإبقاء الغرب خارج المعادلة، مع إمكانية تمكين إيران من التحرك بحرية أكبر في المنطقة، في سياق محور يضم تركيا وروسيا وإيران ضد الولايات المتحدة وأوروبا وهذا ما تتوجس منه السعودية في ظل المحاولات التركية السابقة للالتفاف على العقوبات الغربية على إيران وروسيا.
كما تسعى تركيا لنقل أسلحة ومعدات عسكرية حديثة إلى سوريا لجعلها قاعدة أمامية، في محاولة لتجنب اندلاع الصراعات على أراضيها، وهو ما يعكس استراتيجية أنقرة في إدارة أزمات المنطقة بعيداً عن حدودها، بما يجعل سوريا تتحمل تبعات تدخلاتها الإقليمية.
وفي السياق نفسه، شنت إسرائيل غارات جوية على مواقع عسكرية في حمص واللاذقية خلال الأيام الماضية، مستهدفة كتيبة جنوب شرق حمص وثكنة في سقوبين باللاذقية، ما أسفر عن انفجارات وخسائر بشرية أولية.
وأشارت المصادر إلى أن الضربات استهدفت مستودعات أسلحة ومعدات تركية الصنع وصلت إلى الأراضي السورية، في رسالة مباشرة لأنقرة.
كما رصدت المعلومات تحليق سرب طائرات إسرائيلي في الجنوب السوري، بينما سجلت معلومات غير مؤكدة تحليق طائرات تركية قرب الحدود الشمالية الغربية مع سوريا، ما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات السورية-الإسرائيلية ودور تركيا في معادلة الصراع.
ويشير الاجتماع الاستخباراتي إلى أن الحل السياسي في سوريا ما يزال مرتبطاً بتوازنات إقليمية دقيقة، بين أطراف داعمة للحكم المركزي بقيادة دمشق، وأخرى ترى في الإدارة الذاتية نموذجاً ناجحاً للتمثيل المحلي والمشاركة في الحكم، مع مراقبة القوى الغربية الحذرة لأي خطوات عسكرية قد تقوض العملية السياسية. كما يبرز الاجتماع الدور السعودي في الدفع نحو التسوية السياسية، مقابل سعي تركيا لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي، في ظل تهديدات إسرائيلية متكررة تستهدف المواقع السورية المرتبطة بالوجود التركي أو الروسي.
وتؤكد المصادر أن الملف السوري سيظل محوراً للتنافس الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وتركيا، واستمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، مع إبقاء الملف الكوردي واللامركزية على رأس أولويات الحل السياسي المستقبلي. ويبرز هذا الاجتماع الاستخباراتي كخطوة مهمة نحو فهم تعقيدات المشهد السوري وتأثير القوى الإقليمية والدولية على أي اتفاق مستقبلي، وسط استمرار غياب الاستقرار الكامل على الأرض.