غيـ ـاب “الأمـ ـن” يهـ ـدد مشاريع إنقـ ـاذ شبكة الكهرباء السورية: استثمارات القطاع الخاص تصطدم بالواقع المرير

أثار الحديث عن خطة متكاملة لصندوق “أوبك للتنمية” لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء في سوريا، والتي تعتمد على نموذج “المنتج المستقل للطاقة” لتمكين القطاع الخاص من المشاركة في الإنتاج، تساؤلات جوهرية حول إمكانية نجاح مثل هذه المشاريع في ظل الواقع السوري المعقد.

بينما يمثل التمويل الأجنبي فرصة نادرة لإصلاح شبكة الكهرباء المتهالكة، يغيب عن النقاش العام التركيز على المقومات الأساسية لبيئة الاستثمار، وفي مقدمتها الأمن والأمان والاستقرار السياسي والقانوني. فالفلتان الأمني المستمر، والانتشار الواسع للمجموعات المسلحة مختلفة الولاءات، وانعدام سيادة القانون في مناطق سلطة دمشق، تشكل عوامل طاردة لأي رأسمال خاص، سواء كان محلياً أو دولياً.

ويعتمد نجاح نموذج المنتج المستقل على ثلاثة عناصر: “بيئة استثمارية مستقرة وشفافة، وحماية قانونية للمستثمرين، وضمان الدفع المنتظم”. ولكن هذه العناصر، في سياق الأزمة السورية، لا تتوفر بالحد الأدنى. فكيف يمكن للمستثمر أن يضمن حماية منشآته ومعداته، أو يضمن سلامة كوادره الفنية، في ظل غياب الأمن الفعلي؟

إن أي استثمار ضخم في البنية التحتية، كإنشاء محطات جديدة أو توسيع الشبكات، يتطلب ضمانات أمنية لا تستطيع سلطات دمشق تقديمها حالياً. المخاطر لا تقتصر على سرقة الكوابل والمعدات، بل تمتد لتشمل احتمالية استهداف المنشآت أو تعرض المستثمرين لضغوط وابتزاز من الفصائل المنتشرة في عموم مناطق سيطرة السلطة.

بالإضافة إلى العوامل الأمنية، تتفاقم التحديات بسبب القيود الأمنية المفروضة على حركة الأفراد والبضائع، وضعف الشفافية في التعاقدات. إن غياب الوضوح التنظيمي والبيروقراطية المفرطة، إلى جانب خطر العقوبات الاقتصادية، يجعل الرهان على قدرة القطاع الخاص على إنقاذ الكهرباء رهاناً محفوفاً بالمخاطر.

وتبقى خطط الصندوق الطموحة مجرد “اختبار حقيقي” لقدرة المؤسسات الدولية على التأثير في بيئة تجمع بين الفقر الهيكلي وغياب الاستقرار وغياب الأمن. إن إنقاذ شبكة الكهرباء لن يتم عبر التمويل وحده، بل يتطلب أولاً وقبل كل شيء توفير شبكة أمان حقيقية تضمن حماية الاستثمارات وحياة المستثمرين بعيداً عن الفلتان الأمني والسياسي.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى