اتفاقية 10 آذار … قد تنقل البلاد إلى مزيد من الأمن والاستقرار.. فهل تلتزم دمشق؟

في وقت كانت السياسة السورية تواجه تحديات كبيرة، خاصة مع فشل هيئة تحرير الشام في بناء ثقة مع مكونات الشعب السوري عبر سلسلة إجراءات أحادية وذات اللون الواحد مثل، ما يسمى بالمؤتمر الوطني، والحكومة المؤقتة والتي همشت بشكل متعمد مختلف مكونات الشعب السوري. وكذلك فشل الحكومة في السيطرة على الأوضاع الأمنية ما أدى إلى انفلات قواتها وارتكاب مجازر في الساحل السوري مما هدد كيان الحكومة. في مثل هذه الظروف جاءت اتفاقية 10 آذار بين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، كتحول تاريخي ونقطة انعطف مهمة ذات دلالات سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة قد تنقل البلاد إلى مزيد من الأمن والاستقرار.
والعامل الأساسي الذي منح هذه الاتفاقية أهمية كبيرة ليس توقيع الاتفاق بحد ذاته، بل بنود الاتفاق التي لاقت ردود فعل إيجابية على الساحة السورية والإقليمية والعالمية.
وتضمن الاتفاق ثمانية بنود أساسية، وهي:
ضمان حقوق جميع السوريين في المشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفيتهم الدينية أو العرقية.
الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة السورية، وضمان حقوقه في المواطنة والحقوق الدستورية.
وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية.
دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
تأمين عودة جميع المهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، وضمان حمايتهم من قبل الدولة السورية.
دعم الدولة السورية في مواجهة فلول الأسد وجميع التهديدات التي تستهدف أمن سوريا ووحدتها.
رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفرقة بين كافة مكونات المجتمع السوري.
تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
كان ضرورياً من أجل وقف إطلاق النار وإعادة الوحدة إلى سوريا
قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ذكر في لقاء إعلامي أن هذا الاتفاق كان ضرورياً من أجل وقف إطلاق النار وإعادة الوحدة إلى سوريا، خاصة مع تصاعد التوترات بين مختلف المكونات الوطنية، ومنها العرب والكرد، والعلويين والسنة.
وشرح عبدي أن الاتفاق شمل نقاطاً عامة اتفقت عليها الأطراف كلها، بهدف وقف التصعيد وحل الأزمة السورية بشكل شامل، مع التأكيد على ضرورة معالجة القضية الكردية وتشكيل حكومة شاملة تمثل كل الأطياف. وأوضح أن الخلافات الحقيقية تكمن في التفاصيل التي تم تأجيلها لوقت لاحق.
ستبقى ناقصةً إذا لم يتم تصحيح السياسات التي تؤدّي إلى تهميش بعض المكونات السورية
فيما رأى مراقبون مراكز دراسات أن “إن الاتفاق بين الشرع وعبدي خطوة مهمّة في طريق معافاة سورية وخروجها من دائرة الخطر، لكن هذه الخطوة، على أهميتها، ستبقى ناقصةً إذا لم يتم تصحيح السياسات التي تؤدّي إلى تهميش بعض المكونات السورية، واستبعاد فئات كثيرة من المشاركة في صنع القرار، وإعادة تنظيم القوى الأمنية والعسكرية بشكل احترافي، حتى لا يجري تكرار الأخطاء التي وقعت في الآونة الأخيرة، وكادت أن تودي بمستقبل سورية ووحدتها.”
الإعلان الدستوري خيب آمال السوريين
وبينما توقع السوريون انفتاحاً من جانب سلطات دمشق على التعددية السياسية والقومية والحريات الشخصية في البلاد، وقع رئيس الحكومة المؤقتة في 13 آذار، أي بعد ثلاثة أيام فقط من اتفاقية 10 آذار، على نص الإعلان الدستوري السوري، والذي أثار الكثير من اللغط وردود الأفعال لجهة بنوده التي لم تتوفق مع طموحات السوريين.
تشكيلات الإدارة الذاتية أبدت استعدادها لمواصلة تنفيذ بنود 10 آذار
خلال الأشهر اللاحقة أبدت الإدارة الذاتية بمختلف تشكيلاتها السياسية والإدارية والعسكرية استعدادها لدعم اتفاقية 10 آذار والبدء بتشكيل اللجان الفرعية للبدء بتنفيذ بنوده على أرض الواقع. وشكلت الاتفاقية الضمنية بين لجان من هيئة التربية في الإدارة الذاتية ووزارة التربية في الحكومة المؤقتة بشأن امتحانات طلاب المرحتلين والإعدادية والثانية مؤشراً إيجابية على فعالية اللجان المشتركة، رغم مماطلة طرف الحكومة في هذا الموضوع لعدة أشهر.
لقاء في دمشق ومفاوضات إيجابية
بتاريخ الأول من شهر حزيران وصل وفد من “الإدارة الذاتية”، إلى العاصمة دمشق للتفاوض مع الحكومة الانتقالية حول بنود الاتفاق الموقع بين قائد “قسد” والحكومة، وضم الوفد كلاً من فوزة يوسف وعبد حامد المهباش وأحمد يوسف وسنحاريب برصوم، وسوزدار حاجي ومريم إبراهيم وياسر سليمان.
وقال عضو اللجنة الحكومية المكلفة بإتمام الاتفاق مع قوات سوريا الديموقراطية، معاون وزير الداخلية في الحكومة الانتقالية للشؤون المدنية العميد زياد العايش، “إن المباحثات مع وفد الإدارة الذاتية اتّسمت بالإيجابية، والحرص المتبادل على المصلحة الوطنية”، مضيفاً أنه “جرى خلال الاجتماع التوافق على عدد من الملفات المهمة.وأشار، إلى أن “الجانبين اتفقا على تشكيل لجان فرعية تخصصية لمتابعة تنفيذ اتفاق العاشر من مارس الماضي، وأكدا سعيهما لحل القضايا العالقة في ملف الامتحانات والمراكز الامتحانية، بما يضمن حقوق الطلبة وسلامة العملية التربوية، كما تم بحث آليات تسهيل عودة المهجّرين إلى مناطقهم، والعمل على إزالة المعوقات التي تعيق هذه العودة”.
فرصة تاريخية أمام الحكومة السورية
ورغم سيطرة الأجواء الإيجابية على مجمل التطورات المتعلقة باتفاقية 10 آذار، فإن محللون يرون بوضوح أن هناك مماطلة واضحة من جانب حكومة دمشق في الالتزام ببنود الاتفاقية. كان آخر هذه التسويفات قرار الحكومة عدم المشاركة في لقاءات باريس مع وفد الإدارة الذاتية برعاية فرنسية وأمريكية، وطلبها نقل المفاوضات إلى دمشق.
وبينما يشير محللون إلى ضغط تركي مباشر أو غير مباشر في مسار المفاوضات وتنفيذ بنود 10 آذار، فإنهم يرون أن الاتفاق لا يزال يشكل بارقة أمل لمستقبل أفضل لسوريا ومكوناتها.