صـ ـراع النفوذ والمليارات: خلافات حادة بين الشـ ـرع وأنقرة على خلفية التقارب مع روسيا

في خضم التنافس الجيوسياسي المحتدم على الساحة السورية، كشفت التطورات الأخيرة عن تصدعات عميقة في خارطة التحالفات، حيث برزت خلافات حادة بين أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، والاستخبارات التركية، إثر تقارب مفاجئ بين الأول وموسكو.

وجاء انزعاج أنقرة نتيجة تعهد الشرع بتجديد اتفاقيات روسية قديمة وقعها مع نظام بشار الأسد قبل سقوطه، وتمنع تركيا من السيطرة على مفاصل اقتصادية استراتيجية سورية، من الفوسفات إلى الموانئ.

وتزامنت هذه الأزمة مع اجتماع سري بين فريقين أمريكي وتركي، شهد اتهامات أمريكية لأنقرة بخرق اتفاق إخراج القوات الروسية، والتحذير من أن تثبيت الوجود الروسي في الجنوب السوري يعني توطين حماس في المنطقة.

هذه المعطيات المتضاربة تضع تركيا في مأزق، وتثير التساؤل حول ما إذا كانت أنقرة تنسق في السر مع موسكو لمواجهة المخططات الأمريكية-الإسرائيلية، أم أنها تحاول استعادة نفوذها بعد استغلال الشرع لتوجهاتها.

وفي السياق، قالت مصادر مطلعة من دمشق، أن خلافات وتوترات ظهرت بين رئيس سلطة دمشق الانتقالية أحمد الشرع الذي يشغل في ذات الوقت منصب قائد هيئة تحرير الشام من جهة والاستخبارات التركية (MİT) من جهة أخرى، بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الشرع إلى موسكو.

وأثارت هذه الزيارة انزعاج ضباط المخابرات التركية المتواجدين في دمشق، إلا أنهم لم يتمكنوا من منعها نظراً لكون الدعوة جاءت من روسيا التي لا تزال تمتلك قواعد عسكرية في سوريا وتضم أنظمة دفاع جودي متقدمة قادرة على إيقاف حركة الطيران التركية فوق الأراضي السورية.

وبحسب المصادر، يعود السبب الرئيسي لانزعاج تركيا من الشرع إلى تعهده لروسيا بمواصلة العمل بالاتفاقيات السابقة التي وُقعت مع النظام السوري السابق. هذا التعهد جاء في مرحلة كانت تستعد فيها تركيا للسيطرة على مفاصل حيوية في الاقتصاد السوري بعد أن كان الشرع يسعى لإنهاء تلك الاتفاقيات القديمة، كانت تركيا تطمح للحصول على السيطرة الرسمية والقانونية على قطاعات اقتصادية استراتيجية، تشمل مناطق الفوسفات وبعض آبار النفط في ريف دير الزور الشرقي (المرتبطة بالنفوذ الروسي) ومعمل الأسمدة في حمص. وكذلك مشاريع الموانئ البحرية التي كانت أيضاً تحت سيطرة الروس بموجب اتفاقياتهم مع النظام السابق.

وبما أن هذه المناطق كانت تحت الإدارة الروسية وفق الاتفاقيات القديمة، لم يكن بإمكان أي دولة أخرى استغلالها، لكن تركيا كانت تجهز نفسها للحصول على هذه الامتيازات الاقتصادية.

وفي ضوء هذه التطورات، من المتوقع ألا تلتزم المخابرات التركية (MİT) الصمت، بل ستعمد إلى تعزيز نفوذها وسلطتها على سلطة دمشق الجديدة، والبدء بوضع شخصيات موالية لها في مفاصل السلطة، إضافة إلى البدء بعمليات تستهدف قادة هيئة تحرير الشام (HTŞ).

اجتماع الفريق الأمريكي والفريق التركي وتداعيات الوجود الروسي

وفي سياق متصل، كشفت المصادر، أنه عُقد في منتصف شهر تشرين الأول الجاري، اجتماع استمر ساعتين بين فريق أمريكي وآخر تركي.

وبحسب المصادر، فأن الفريق الأمريكي أبدى انزعاجه وعدم ارتياحه بسبب خرق الاتفاق المسبق مع تركيا لإخراج الروس من سوريا.

وكانت المخابرات التركية قد وعدت في اجتماع سابق (قبل 3 أشهر) بإخراج القوات الروسية تدريجياً مقابل الحصول على دعم أمريكي لسلطة دمشق الجديدة.

وخلال الاجتماع، اتهم الفريق الأمريكي نظيره التركي بانتهاك بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الاجتماع السابق، موضحاً أن ذهاب وفد سلطة دمشق إلى روسيا لتجديد الاتفاقيات القديمة وإدامة الوجود الروسي في سوريا، يُعد أيضاً انتهاكاً للاتفاق.

كما أبلغ الفريق الأمريكي الجانب التركي بضرورة عدم السماح بانتشار القوات الروسية في جنوب سوريا، وطالب بإيقاف هذا الملف بالكامل. وحذر من أن نشر روسيا لقواتها في جنوب سوريا “يعني توطين حماس في المنطقة”.

وأشار الفريق الأمريكي إلى أنه سيناقش مسألة انتشار القوات الروسية في جنوب سوريا مع إسرائيل وسيشارك النتيجة مع تركيا.

وبحسب المصادر، فأن الضباط الأتراك الذين حضروا الاجتماع، هم كل من “أركان كوجا وأديب بيلغنير ومحمد أكينوزو ومصطفى تانوكجو”.

ورجحت المصادر، أن تركيا كانت تسعى استغلال زيارة الشرع إلى روسيا من أجل دفعه لتوقيع بعض الاتفاقيات مع الروس، خصوصاً موضوع نشر قوات روسية في الجنوب السوري.

وأضافت المصادر، أن تركيا لا تستطيع مواجهة خطط إسرائيل وأمريكا في سوريا، ولا يمكنها التمركز عسكرياً في سوريا وجنوبها بشكل مطلق، ولذلك فهي سعت لدفع سلطة دمشق لإبرام بعض الاتفاقيات مع روسيا بهدف إعاقة خطط إسرائيل وأمريكا في سوريا، ولكن الانزعاج التركي من الشرع جاء نتيجة فرض الروس شروطاً أكبر عليه وإجباره عليها في ظل حاجة دمشق وأنقرة للنفوذ الروسي لمعادلة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في البلاد وهو ما استغله بوتين المطلع على المخططات والأهداف التركية في سوريا.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى