سوريا

لا اعتراض أميركي على التخفيف العربي من عزلة الأسد

رغم أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تزال تتحاشى التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد وتحمله مسؤولية سنوات الحرب، إلا أنها لم تفرض إلى حد الآن أي عقوبات على سوريا بموجب قانون قيصر خلافا للإدارة السابقة، لكنها لا تبدي في الوقت نفسه معارضة للانفتاح العربي على دمشق.
وبدأت منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولا تعيد من خلاله دول عربية حليفة للولايات المتحدة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية، فيما تتخذ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مسارا مبهما في علاقتها بدمشق، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وعبّر وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد الأحد، في تصريحات لوسائل إعلام محلية عن تفاؤله بأن تبدأ حوارات أكثر عمقاً وأكثر فائدة، وأن تجري لقاءات سورية – عربية خلال الفترة القادمة.
وقال المقداد إن الأجواء الدولية خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير كانت في هذه المرة أقل عدائية، والكثير من الدول لم تتطرق إلى الموضوع السوري على الإطلاق.
وأسفرت انتخابات شهدتها سوريا في مايو الماضي عن تمديد رئاسة الأسد المستمرة منذ عقدين، لكن هذا لم يفعل شيئا لإخراجه من عزلته بين الدول الغربية. غير أن قادة عربا بدأوا يتقبلون حقيقة استمرار قبضته القوية على السلطة في بلاده.
وأدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان بما صاحبه من فوضى إلى تعزيز اعتقاد بين القادة العرب بأنهم بحاجة لرسم مسارهم بأنفسهم.
ومع توقع نهج تميل فيه واشنطن إلى الوقوف على الحياد لانشغالها الآن بالتحدي الذي تمثله الصين، أصبحت أولويات القادة العرب تحفز خطواتهم وعلى رأسها كيفية إصلاح اقتصادهم الذي كبلته سنوات الصراع وجائحة كوفيد – 19.
وتلوح في الأفق أيضا اعتبارات سياسية في عواصم عربية مثل القاهرة وعمّان وأبوظبي. ومن هذه الاعتبارات علاقاتها مع روسيا أقوى الدول الداعمة للأسد والتي تعمل على إعادة دمج سوريا وكذلك كيفية التصدي للنفوذ الذي تحقق لكل من إيران وتركيا في سوريا.
ودعم تركيا لفصيل من الإسلاميين في أنحاء المنطقة، في شمال سوريا يمثل مصدر قلق خاص للحكام العرب الذين يجمعهم مع دمشق موقف واحد من الجماعات الإسلامية.
وفي الوقت الذي بدأت تتنامى فيه العلامات على تقارب عربي مع دمشق، إذ أجرى الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن اتصالا بالأسد هذا الشهر للمرة الأولى منذ عشر سنوات، تظل السياسة الأميركية عاملا مربكا.
وتقول واشنطن إنه لا تغيير في سياستها تجاه سوريا والتي تقتضي تنفيذ انتقال سياسي نص عليه قرار أصدره مجلس الأمن الدولي. ولا تزال العقوبات الأميركية التي تستهدف دمشق، والتي تم تشديدها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، تمثل عقبة كبيرة أمام حركة التجارة.
ويرى محللون أن سوريا لا تمثل أولوية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن.
ويشيرون في هذا الصدد إلى تركيزه على التصدي للصين كما أن إدارته لم تطبق حتى الآن عقوبات بمقتضى ما يسمى قانون قيصر الذي بدأ سريانه العام الماضي بهدف زيادة الضغوط على الأسد.
وبعد أن كانت إدارة ترامب تحذر الدول العربية من التعامل مع دمشق بدأت هذه الدول تلح في التقارب معها من جديد.
وقال ديفيد ليش الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأميركية “حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بعودة اندماجها في المحيط العربي. ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما”.
وأدى الصراع، الذي بدأ قبل عقد من الزمان وتصاعد بعد أن كان في مهده انتفاضة شعبية على حكم الأسد خلال الربيع العربي، إلى مقتل مئات الآلاف ونزوح نصف سكان سوريا عن ديارهم وأرغم الملايين على اللجوء إلى دول مجاورة وأوروبا.
ولا يزال للمعارضة المناوئة للأسد موطئ قدم في الشمال بدعم من تركيا بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على الشرق والشمال الشرقي وتدعمها الولايات المتحدة.
ورغم أن الصراع لا يزال غير محسوم، فقد استعاد الأسد السيطرة على معظم الأراضي السورية بفضل روسيا وإيران اللتين كانتا أكثر التزاما ببقائه من التزام واشنطن بعزله، حتى عندما تم إطلاق أسلحة كيماوية على مناطق المعارضة.
وقاد الأردن مسيرة التحول في السياسة العربية في وقت يعاني فيه من ضعف اقتصادي واهتزاز في العلاقات مع السعودية.
وأعيد بالكامل فتح الحدود بين سوريا والأردن أمام حركة التجارة في الشهر الماضي وكانت عمّان هي القوة الدافعة وراء اتفاق لضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا بموافقة أميركية في ما يبدو.
وقال المحلل السياسي سميح المعايطة الوزير الأردني السابق لتلفزيون المملكة التابع للدولة “عندما يكسر الأردن الحواجز ويقيم علاقات وبهذه الوتيرة فإن دولا أخرى ستحذو حذوه”.
وكان المعبر الحدودي بين البلدين طريقا تقطعه المئات من الشاحنات كل يوم لنقل البضائع بين أوروبا وتركيا ومنطقة الخليج. وسيكون إحياء حركة التجارة دفعة اقتصادية للأردن وسوريا التي يعاني اقتصادها من أزمة عميقة. كما أن ذلك سيفيد لبنان الذي يعاني الآن من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.
وقال جيم جيفري المبعوث الأميركي الخاص السابق لسوريا في عهد ترامب لرويترز “أنا واثق تمام الثقة أن الأردنيين يشعرون بأن الولايات المتحدة لن تعاقبهم”.
وانعكس هذا الجو في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي حيث التقى وزيرا الخارجية المصري والسوري للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وفي معرض إكسبو 2020 دبي حيث بحث وزيرا الاقتصاد السوري والإماراتي تنشيط مجلس الأعمال بين البلدين.
وفي حين يسعى كثيرون من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لعلاقات جديدة مع دمشق لا تزال السعودية تبدي ترددا.
وقال جوشوا لانديس المتخصص في الشأن السوري بجامعة أوكلاهوما “الجهد الكبير هو جمع السعودية وسوريا في شكل ما من أشكال المصالحة. وأعتقد أن السعودية ستغير رأيها”.

مشاركة المقال عبر