سوريا

لماذا تتعنت الحكومة السورية في الحوار مع الإدارة الذاتية؟

تستمر الأزمة السورية منذ عقد من الزمان، ورغم كل الدمار الذي حل بالبلاد، ما تزال الحكومة السورية تتعنت في الحوار مع الإدارة الذاتية التي تعتبر القوة الوازنة في سوريا التي حافظت على وحدة البلاد وحمت سكان شمال وشرق سوريا من تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من المجموعات التي تدين بالولاء للخارج، فما هي أسباب هذا التعنت وماذا تريده الحكومة السورية؟
منذ أن شهدت المنطقة ثورات الربيع العربي، خرج السوريون مطالبين بحقوقهم المشروعة من حكومة لا تتخذ إلا من الفكر الأمني والاستخباراتي والترهيب والاعتقال، وسيلة لها لإسكات كل من يفكر خارج منظومته الفكرية. ومع تدخل القوى الخارجية في الثورة السورية، تحولت هذه الثورة إلى أزمة بفعل تدفق السلاح والمال من الخارج، فأصبحت حرباً تستهدف البشر والحجر والطبيعة، وهذا ما فتح الباب أمام العديد من التنظيمات المسلحة لدخول سوريا وتحويلها إلى ساحة صراع بين المشاريع الإقليمية.
فمن جهة تدخلت تركيا ودول الخليج دعماً للإسلام السياسي وشكلت مجموعات مسلحة، ومن جهة تدخلت إيران بمجموعاتها المسلحة وروسيا بجيشها وطائراتها، وبات الشعب السوري يدفع ثمن هذه التدخلات من روحه، حيث تسببت الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو 10 أعوام بمقتل 500 ألف شخص ونزوح 6 ملايين داخلياً ومثلهم إلى دول الجوار والاتحاد الأوروبي.
ومع استمرار الأزمة تشكلت جماعات المافيا وتجار الحروب واستغلوا المواطنين فيما تبقى لهم من لقمة الطعام، فازداد الوضع سوءاً، وأكثر هذه المناطق تدهوراً في الأوضاع المعيشية هي مناطق سيطرة الحكومة السورية.
ومن المعروف بأن شمال وشرق سوريا هي سلة الغذاء بالنسبة لسوريا وفيها تتركز مصادر الطاقة والمياه، ورغم أن الإدارة الذاتية ومنذ نشأتها في عام 2014 وكذلك قوات سوريا الديمقراطية التي تأسست في خريف عام 2015، وكذلك مجلس سوريا الديمقراطية، أكدوا دوماً بأن حل الأزمة السورية يكون في دمشق وليس في الخارج، إلا أن الحكومة السورية تتعنت في الحوار وترفض إجراء حوار جاد رغم التدخل الروسي في الأمر.
ورغم إجراء عدة لقاءات بين الطرفين إلا أنها لم ترقى إلى مستوى الحوار الجاد، فالحكومة السورية تريد تسليم المنطقة لها دون أية شروط، وهذا ما يرفضه ليس فقط الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، بل شعوب المنطقة قاطبة والدليل على ذلك المظاهرات التي تشهدها مناطق مختلفة من الرقة ودير الزور والطبقة ومنبج والتي ترفض الحكومة السورية وداعمها الروسي في المنطقة.
ومؤخراً أجرت قوات الحكومة السورية بدعم روسي مصالحات في الجنوب السوري وسيطرت على محافظة درعا بشكل كامل، والآن انتقلت إلى دير الزور وهي كانت مناطق خاضعة لسيطرتها منذ عام 2018، ولكن احتفظ فيها العديد من المعارضين بأسلحتهم.
والآن بعد سيطرة الحكومة السورية على هذه المناطق نرى حركة الهجرة المكثفة منها نتيجة التضييق الذي تمارسه الحكومة ضدهم واستمرار القبضة الأمنية وفرض الإتاوات على المواطنين وتشليحهم أموالهم دون وجه حق.
وتريد الحكومة السورية تطبيق هذا النموذج (المصالحات) على مناطق شمال وشرق سوريا أيضاً، دون أن تدرك بأن شعبها يستحيل أن يعود إلى ما قبل عام 2011.
وتسعى الحكومة السورية لاستغلال التهديدات التركية بشن هجمات جديدة على مناطق شمال وشرق سوريا، للحصول على مكاسب في هذا السياق، لذلك أكدت القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية في بيان لها مؤخراً بعد اجتماع مجلسها العسكري، إن الحكومة السورية ليست مستعدة لأي تسوية سياسية.
وأضافت: “السلطة في دمشق ليست جاهزة لأي تسوية سياسية في سوريا بل تستغل التهديدات التركية على الأراضي السورية وحالة الاقتصاد المتردي للشعب السوري التي تسببت بها السلطة ذاتها نتيجة سلوكها لمصلحة تمدد قواتها وتوسيع دائرة نفوذها والعودة بسوريا إلى ما قبل عام ٢٠١١”.
وأكدت أن “إصرار السلطة الحاكمة في دمشق على حل الأزمة السورية من خلال منطقها لإجراء مصالحات تخلو من أي معايير وطنية أو واقعية، وعلى شعبنا إدراك هذه الحقيقة والتصدي لهذه السياسة الاستبدادية”.
وكشفت إلهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية بأنهم رفضوا عرضاً روسياً بدخول قوات الحكومة السورية إلى كوباني، كما عبر وجهاء العشائر العربية في شمال وشرق سوريا عن موقفهم الرافض بتسليم أية منطقة للحكومة السورية دون حل بينها وبين مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية.
ولا تتوقف سياسة الحكومة السورية على ذلك، بل تتهم الإدارة الذاتية بالانفصال، رغم أن الإدارة الذاتية نفت مراراً وتكراراً هذه الاتهامات، ولم يرد ذكر الانفصال في أي وثيقة وأو خلال أي اجتماع تعقده. ليس هذا فحسب، بل تصف الإدارة الذاتية بالعمالة أيضاً.
وتحاول الحكومة السورية خلق شرخ بين الإدارة الذاتية والكورد عبر الادعاء بأنها مع الحقوق المشروعة للكورد ولكنها في ذات الوقت تعادي الإدارة الذاتية التي اختارها ليس فقط الشعب الكوردي بل العربي والسرياني الآشوري والتركماني الذي يعيش معه في نفس الجغرافية، لأن هذه الإدارة أثبتت لهم نجاحها وتمتع الجميع بحقوقهم عكس عقود من الزمن تحت سلطة حزب البعث.
وهذه الاتهامات التي تطلقها الحكومة السورية هي تشويه للحقيقة وتسد الطريق أمام الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، فلولا ذهنية الحكومة السورية وإقصاءها للغير لما اندلعت الأزمة في سوريا ولما تواجدت القوات الروسية والإيرانية والأميركية على أراضيها.
المسؤول الوحيد عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية والاجتماعية والسياسية في سوريا هي الحكومة السورية، فإذا استمرت الحكومة بذهنيتها هذه فأنها تكرس التقسيم وتقطع الطريق أمام استعادة الأراضي التي سيطرت عليها تركيا وهذا يجعل منها لواء اسكندرون وجولان محتل آخر.
بدون الحوار الجاد بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية، فأن الازمة السورية لن تحل ولن يتحسن الوضع المعيشي للسوريين، لأن القوى الخارجية تبحث عن مصالحها فقط ولن تبحث عن مصالح سوريا التي أصبحت مستعمرة روسية وإيرانية تتقاسمان خيراتها في وقت يموت فيه السوريون من الجوع.
تكاد سوريا تعيش ظروفاً مماثلة لما عاشته فرنسا إبان ثورتها التي انطلقت في 1789 وانتهت في 9 تشرين الثاني 1799 بالإطاحة بالحكم الملكي، بسبب ارتفاع أسعار الخبز مع تدهور الظروف المناخية وسوء الانتاج، فسوريا أيضاً تعاني من نقص وشح في المواد الغذائية مع ظروف مناخية متقلبة وبات 90 % من السوريين يعيشون تحت خطر الفقر.
إن تعنت الحكومة السورية بالحوار وعدم حل الأزمة، سيفتح الباب أمام ثورة جياع في مناطق سيطرتها وسيهز عرشها من الجذور، ويجب على الحكومة السورية أن تتذكر جيداً المقولة التاريخية التي تقول “يمكنك أن تتحكم في الجماهير الغاضبة لكنك لن تسيطر على الجماهير الجائعة”. على الحكومة السورية أن تستقي الدروس من الثورة الفرنسية التي أطاحت بالملكية.

مشاركة المقال عبر