الرئيسية شمال وشرق سوريا

هل فرض حظر جوي على شمال وشرق سوريا سيكون ممكناً؟

يطالب أبناء شمال وشرق سوريا، منذ أعوام، بضرورة فرض حظر جوي أمام الطائرات التركية التي تقتل الشعب السوري، إلا أن مجلس الأمن والقوى الدولية، وكعادتها، لم تصغِ لتلك المطالب.

ويُعد حظر الطيران أحد أشكال العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، والذي يتألف من 15 دولة، منها الأعضاء الدائمون وغير الدائمين، والدول دائمة العضوية هي خمسة دول وهي: (الصين، وفرنسا، والاتحاد الروسي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) ويتم الحظر بتصويت أغلبية الأعضاء، إذا لم تستخدم أي من الدول دائمة العضوية حق النقض (الفيتو).

فرض حالة حظر الطيران في السياق العسكري، يتم عبر تصميم منطقة حظر الطيران لمنع الطائرات من دخول المجال الجوي المحظور، لمنع الهجمات الجوية، ويتم ذلك عسكرياً أو باستخدام نظام مراقبة أو تنفيذ ضربات استباقية ضد الأنظمة الدفاعية في المنطقة، كما يمكن إسقاط الطائرات التي تدخل إلى المنطقة المحظورة أيضاً.

وفرض حالة حظر الطيران في ليبيا لم تكن الأولى، بل طُبّق لأول مرة بداية التسعينات من القرن الماضي بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، حيث شاركت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في فرض حظر جوي على إقليم كوردستان بذريعة منع نظام صدام حسين من شنّ هجمات كيميائية. وانتهى الحظر مع بداية الغزو الأميركي للعراق عام 2003. كما أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً مشابهاً في أيار 1992 بفرض حظر جوي في يوغسلافيا خلال حرب البوسنة والهرسك والتي استمرت من آذار/ مارس 1992 حتى نوفمبر 1995. واستعين بحظر الطيران في ليبيا بداية التسعينات بعد اتهام مواطنين ليبيين بالمشاركة في تفجير طائرة أميركية فيما عرف بقضية لوكربي.

وعقب اندلاع الأزمة السورية، وسيطرة الدولة التركية على العديد من المناطق السورية، بدءاً من جرابلس وإدلب وإعزاز والباب وصولاً إلى عفرين تل أبيض ورأس العين، طالبت مكونات وأحزاب سياسية وتنظيمات اجتماعية ومدنية بضرورة فرض حظر جوي على شمال وشرق سوريا، وأولى تلك المطالب كانت عقب شن القوات التركية هجوماً على مقر القيادة العامة لوحدات حماية الشعب والمرأة في قرية قره جوخ التابعة لمنطقة ديرك في 25 نيسان 2017، وأدى إلى فقدان عدد من أعضاء وقياديي الوحدات التي كانت تحارب عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في عمق مدينة الرقة، إلا أن المجتمع الدولي ومجلس الأمن لم يحركا ساكناً.

وطالب مرة ثانية أبناء شمال وشرق سوريا المجتمع الدولي ومجلس الأمن بضرورة فرض حظر الطيران عقب اتفاقية مقايضة تمت بين تركيا وروسيا التي فتحت الأجواء أمام تركيا لشن عدوان ضد عفرين في 20 كانون الثاني 2018، وللمرة الثالثة في 9 تشرين الأول عام 2019 أثناء شن القوات التركية هجمات ضد تل أبيض ورأس العين، وتتالت مطالب أبناء شمال وشرق سوريا دون تحرك دولي.

وبعد سيطرة الدولة التركية على تلك المناطق الآنفة الذكر، شن وبشكل مكثف هجمات عبر الطائرات المسيّرة والحربية ضد عموم سكان شمال وشرق سوريا، من الإداريين والسياسيين والوجهاء والوطنيين، وفقد على إثرها العشرات من أبناء المنطقة وقياديي وأعضاء قوات سوريا الديمقراطية لحياتهم، كأمثال يوسف كلو وحفيديه ونائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية فرهاد شبلي في منطقة كلار في إقليم كوردستان في 17 حزيران الفائت، والقيادية في قوات سوريا الديمقراطية مزكين كوباني التي فقدت حياتها جراء هجوم بطائرة مسيّرة تركية في الثاني من شهر تموز الجاري.

وفي 28 حزيران، طالبت 33 حزباً وقوة سياسية في شمال وشرق سوريا التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية والاتحاد الروسي بفرض حظر جوي على شمال وشرق سوريا وتم تسليم طلب رسمي بذلك لمكتب الأمم المتحدة في مدينة القامشلي؛ لمنع الانتهاكات التركية. عقب تهديدات أطلقها الرئيس التركي أردوغان في 27 حزيران الفائت، عشية انعقاد قمة حلف الشمال الأطلسي في العاصمة الإسبانية مدريد.

ووفق ميثاق الأمم المتحدة، فإن مطالب أبناء شمال وشرق سوريا محقة، حيث ينص الفصل السابع والمؤلف من 13 مادة وهي (39-40-41-42-43-44-45-46-47-48-49-50-51)، بأنه يجوز مجلس الأمن أن يتخذ عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة”، إذاً لماذا لا يتم فرض حظر جوي على شمال وشرق سوريا؟

القوى الدولية وحتى مجلس الأمن والأمم المتحدة تتبع ازدواجية في معاييرها، حيث تؤكد في مواثيقها أن الهدف الأساسي من تأسيس الأمم المتحدة منع الحروب، وحفظ حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة، إلا أنها لا تستجيب لمطالب شعب شمال وشرق سوريا، بل تتحرك وفق المصالح الدولية ضد المصالح الشعبية.

ويسلط  الكاتب والباحث السياسي حسين عمر  الضوء على ازدواجية وتأثير المصالح الدولية على القرارات الأممية والدولية، فيقول “يجب التذكير هنا أن لا وجود للتشابه بين المرحلة التي فرضت فيها الحظر الجوي على إقليم كوردستان وبين منطقة شمال وشرق سوريا، هناك كانت القوى العالمية متفاهمة على دعم الشعب العراقي ضد نظام صدام حسين، وكانت المعارضة العراقية بكل توجهاتها العربية والكوردية طالبت بتطبيق الحظر لوجود أغلب كوادرها في كوردستان، ولوجود اتفاق لندن بين كافة أطياف المعارضة لمحاربة النظام والاتفاق على أن يكون العراق القادم اتحاد فيدرالي، كما أن روسيا حينها كانت تحاول كسب رضى أميركا والغرب والصين، ولم تكن في وارد المعارضة، وكذلك أغلبية الدول العربية ساندت المعارضة العراقية وكانت هناك دولة وهي فرنسا تبنّت تقديم المشروع إلى مجلس الأمن وهو ما لن تقوم به بخصوص شمال وشرق سوريا، لأسباب كثيرة أولها إنها تعلم بأن المشروع سيصطدم بالفيتو الروسي والصيني على حد سواء هذا من الناحية القانونية”.

وتابع “لكن من الناحية العملياتية تستطيع كل من روسيا وأميركا بسبب وجودهما العسكري على الأراضي السورية فرض حظر على أي طائرة تقترب من المنطقة، وهما تقومان بذلك في المناطق التي تهمهم، وخاصة أميركا التي تمنع الطائرات العسكرية السورية من الاقتراب من مناطق وجودها وخلاف ذلك تغض الطرف عن قتل المدنيين وترهيبهم بواسطة المسيّرات التركية دون أن تمنع، وروسيا أيضاً تفعل الفعل الأميركي وذلك لتطابق مصالحهما في العلاقة مع تركيا. لهذا لا أعتقد أن أي حظر جوي سيتم فرضه حتى لو تم إبادة سكان شمال شرق سوريا”.

مشاركة المقال عبر