آراء وتحليلات الرئيسية

خــ ـطة تركية لتجميل فصـ ـائلها المسـ ـلحة وبيعها على طاولة مسار التطبيع

جابر سليمان

على مدى سنوات، ومنذ سيطرة الجيش لتركي على مناطق واسعة من شمال سوريا عبر فصائل مسلحة موالية لها، لم تظهر تركيا أية نية للتأسيس لحالة استقرار في المناطق التي تسيطر عليها، لذلك تركت تل المناطق وناسها تحت رحمة مجموعات وفصائل مسلحة متناحرة غير منضبطة وبمسميات إيديولوجية ومناطقية. الأمر خلف على مدى سنوات مناطق حرب واقتتال وتناحر، وظهرت المئات من الانتهاكات والجرائم ضد سكان تلك المناطق.

فما الذي دعا تركيا الآن إلى محاولة إعادة ترتيب وتأديب وتشذيب الفصائل الموالية لها، ومحاولة إعادة هيكلية تلك الفصائل.

بعد صولات وجولات تركيا للتطبيع مع الحكومة السورية، برعاية روسيا، واصطدام مساعي التطبيع بشروط متبادلة بين الطرفين، يضاف إليها الشروط الإيرانية، دخل مسار التطبيع مرحلة جمود، خاصة بعد أن رفضت إيران مواصلة دور الوساطة، بالإضافة إلى تراجع الدور الروسي في هذا المجال بسبب انشغالها بالحرب ضد أوكراني.

إلا أن مسار التطبيع بالنسبة لتركيا لا يزال من الأولويات، لجملة أسباب أهمها محاولة استمالة الأسد في محاولة لتحقيق أطماعها المعروفة في السيطرة على المنطقة في إطار مشروعها الأزلي المسمى “الميثاق المللي”. وكذلك محاولة إشراك حكومة الأسد في حربها ضد الإدارة الذاتية في شمال سوريا.

كان من المؤكد أن تركيا غير قادرة ولا نية لها للاستجابة للشروط السورية للتطبيع، وهي في نفس الوقت الشروط الإيرانية، والتي تتضمن انسحاب الجيش التركي من المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، والتخلي عن الفصائل المسلحة الموالية لها. لكنها لم تتخلى عن مسار التطبيع، كما بدا واضحاً حين طلب أردوغان من الرئيس المصري السيسي التوسط لدى بشار الأسد من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين، مما يعني أن تركيا ستعمل على خلق واقع جديد ربما يكون أكثر ملائمة للشروط السورية والإيرانية ومنسجماً مع التوجه الروسي أيضاً.

يجري الحديث عن خطة تركية لإعادة هيكلة «الجيش الوطني» الموالي لتركيا، والتي تشمل دمج بعض التشكيلات وتقليص عدد العناصر، وتمكين وزارة الدفاع التابعة لـ«الحكومة السورية المؤقتة» وحل المجلس الاستشاري ليحل مكانه مجلس عسكري أعلى يضم كبار الضباط، والاعتماد على الكلية الحربية التي تم تأسيسها مؤخراً لإعداد الضباط وصف الضباط لرفد «الجيش الوطني»، إضافة إلى تخفيض عدد الفصائل وتفكيك التشكيلات التي نشأت خلال السنتين الماضيتين في الشمال السوري، مثل «القوة المشتركة» و«القوة الموحدة» وغيرها.

بغض النظر عن باقي تفاصيل الخطة التركية، وما إذا كانت ستنجح أم لا، فإنها بالتأكيد لن تكون في سياق تحقيق الأمن والاستقرار في تلك المناطق، وإنما هي محاولة حثيثة لتثبيت النفوذ التركي. وإعادة ترتيب الأوراق لجولة جديدة من مباحثات التطبيع.

تسعى تركيا إلى تثبيت وجودها في الشمال السوري، وفرض القوى العسكرية والسياسية التابعة لها، كقوى رسمية تسيطر على المنطقة وتديرها، وبالتالي فإن أي عودة لقوات الحكومة السورية إلى تلك المناطق في حال نجح التطبيع سيكون صعباً بدون مشاركة القوات التابعة لتركيا. وهذا يعني طبعاً دمج تلك القوات والمؤسسات في الدولة السورية، وبهذا الشكل يصبح وكلاء تركيا جزءاً أساسياً وفاعلاً من الدولة السورية في تلك المناطق.

تركيا لن تتخلى عن أطماعها في المنطقة، لكنها بحاجة إلى التطبيع مع الأسد، ولتحقيق التطبيع لا بد لتركيا أن تنحسب بطريقة ما من المناطق التي تسيطر عليها، وستسلمها في النهاية لكل من روسيا وإيران والحكومة السورية، لكنها ستترك خلفها احتلال من نوع آخر. ستترك مجموعات مسلحة متهمة بالإرهاب، وستترك وأخرى تركمانية، ولكن بأسماء وأزياء جديدة ومنمقة مثل “الجيش الوطني” و”الشرطة”، مما يعني طبعاً التخلي عن باقي الفصائل التي تشكل عبئاً على تركيا أو أنها سوف ترسلهم كمرتزقة إلى مناطق أخرى للقتال لصالح تركيا.

ما يسمى بخطة “إعادة هيكلة” هي في الحقيقة خطة تجميل الفصائل المسلحة، وتقليم أظافرها وتأديبها وتشذيبها وتقديمها على طبق من ذهب على طاولة مسار التطبيع.

 

 

مشاركة المقال عبر