آراء وتحليلات الرئيسية

التدخل التركي في سوريا كان أسوأ ما حصل للشعب السوري

حسين صالح

كان يمكن لثورة الشعب السوري أن تشكل منعطفاً تاريخياً في تاريخ هذا الشعب، وتنتهي بولادة فجر جديد للحرية والديمقراطية. لولا أن المصالح الإقليمية والدولية كانت أقوى بكثير من أحلام الشعب. ألتفت المصالح على الشعب وسلبت منه ثورته، وظهر أشباه الثوار الذي نقلوا مسار الثورة إلى مصالح دول إقليمية وعالمية.

بالنظر إلى واقع الحال في سوريا بعد اثنا عشر عاماً من عمر الثورة التي تحولت إلى أزمة، يرى بوضوح أن قوى خارجية هي التي تتحكم بمسار الأزمة سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، فالشعب أصبح خارج المعادلة بشكل كامل، كما أن حكومة البلاد لا تتحكم بأي من قراراتها، بل تتحكم بها القوى المتدخلة في الأزمة. وخاصة تركيا التي لم تكتفي بالتدخل من بعيد، بل أنها عملياً تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي السورية ولا يبدوا أنها تنوي الخروج منها قريباً.

لم يكن التدخل التركي في مسارات الأزمة السورية منذ البداية غريباً، أو خارج سياق السياسة التركية الخارجية تجاه جيرانها واتجاه دول المنطقة. فتركيا لم تخفي يوماً أطماعها في السيطرة على دول الجوار وانتهاز أي فرصة لتحقيق هذه الأطماع التي تجسد في المحصلة حلم تركيا باستعادة حدود الإمبراطورية العثمانية البائدة. كما أن هذا التدخل شكل فرصة لمواجهة الأزمة الداخلية الحادة في تركيا.

ساهمت تركيا بشكل كبير ومباشر في سلب الشعب السوري ثورته، من خلال التدخل المباشر في التظاهرات السلمية، وتسليح جماعات سلفية متطرفة بهدف تحويل الحراك السلمي إلى حراك عسكري، وهو ما تم فعلاً، ولم تمضي أشهر حتى سالت الدماء في ميادين التظاهرات والاحتجاجات السلمية. وتشكلت العشرات من المجموعات المسلحة المرتبطة بشكل مباشر بتركيا وبدول إقليمية أخرى، ومن خلال التحكم بتلك المجموعات تحكمت تركيا بمسار الأحداث في سوريا.

عدا عن تحول الأراضي التركية إلى معسكرات تدريب المجموعات المسلحة المعارضة، فإن تركيا فتحت حدودها أمام تدفق ملايين اللاجئين السورين الفارين من الحرب، وأنشأت عشرات المخيمات، واستخدمت هؤلاء اللاجئين ورقة ضغط على الدول الغربية وحصلت منهم على أموال طائلة بحجة إيواء اللاجئين السوريين، وكذلك الحصول على تنازلات كبيرة في قضايا دولية وإقليمية. لكنها بعد أن حصلت على مبتغاها تعمل الآن على إعادة أولئك اللاجئين قسراً إلى مناطق تسيطر عليها وتسكنهم في منازل تم طرد سكانها منها. كما أن حرس الحدود لا يتوانى عن قتل وضرب وتعذيب كل سوري يقترب من الحدود.

لم تتوانى تركيا عندما تطلبت مصالحها ذلك، من إدارة ظهرها للمعارضة وللفصائل المسلحة في خدمة صفقات سياسية معينة مع الحكومة السورية أو مع أية أطراف أخرى، كما حدث عندما أجربت تركيا المسلحين على التخلي عن مساحة واسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها في ريف دمشق وحمص وغيرها، وتحويلهم إلى الشمال السوري لخدمة لأجندات واستراتيجيات تركية معينة، أهمها القضاء الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

تمكنت تركيا من حصر وجود جماعاتها المسلحة في مساحات جغرافية معينة لتتحكم بهم وتسيرهم وفق مصالحها سواء داخل سوريا أو خارجها. فقد استخدمتهم في عملياتها العسكرية التي سيطرت فيها على مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض. بالإضافة إلى تحول هذه الفصائل المسلحة إلى مرتزقة قيد الطلب ترسلهم تركيا تارة إلى ليبيا وتارة إلى أربيجان أو النجير والصومال وغيرها من البلدان.

التدخل التركي في سوريا كان أسوأ ما حصل للشعب السوري الذي لا يزال يدفع ثمن هذا التدخل وتحويل مسار الحراك إلى فوضى تسليح واقتتال، ولا تزال المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية ساحة للاقتتال الداخلي بين الفصائل نفسها وبؤرة للفوضى والسلب والنهب. عدا عن سياسات التتريك الممنهج التي تمارسها تركيا في تلك المناطق.

 

 

مشاركة المقال عبر