آراء وتحليلات الرئيسية

في مآلات الثورة السورية… هل سينجو السوريين من سياسات التتريك والتطرف

حسين عبد الرزاق

بعد اثنا عشرة عاماً من الحراك الشعبي في سوريا، وما خلفه التدخل الخارجي والاقتتال الداخلي من كوارث بحق الشعب السوري، يبدو أن السؤال الملح الآن هو حول ما إذا كان الشعب السوري سينجو من هذه المجزرة. وفي حال نجا منها، فهل سينجو من مجازر التغيير الديمغرافي والتتريك التي ارتكبتها السلطات التركية على شعوب سوريا؟. وأيضاً هل سينجو من الصراعات والتطرف الديني والتعصب والفتنة التي خلفتها الفصائل التي تأتمر بدورها بالأمر التركي؟

لطالما استخدمت تركيا ومن قبلها الدولة العثمانية، سياسة “التتريك” في كل المناطق التي سيطرت عليها، بهدف توسيع نفوذ الإمبراطورية العثمانية خارج حدود الدولة التركية، ومحاولة التأثير على الحقوق المدنية والثقافية للعرب والكرد وغير المسلمين في البلدان التي تسيطر عليها.

بعد فشل تيار الإسلام السياسي، التركي القطري، في أعقاب ” الربيع العربي”، عملت تركيا على  توسيع تواجدها العسكري في عدد من الدول العربية كسوريا وليبيا والصومال، في محاولة جديدة لاستعادة جذورها العثمانية. وكانت الأزمة السورية فرصة كبيرة لتركيا لتنفيذ سياساتها وأطماعها، حيث تبدو اليوم المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل السورية المسلحة التابعة لها، في شمال سوريا هي الأكثر خضوعاً لسياسات التتريك والتغيير الديموغرافي الخطيرة.
بعد سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها على مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض في شمال سوريا، عملت على تهجير مئات الآلاف من السكان الأصليين في تلك المناطق، من مدنهم وقراهم وبلداتهم ودمرت المنازل والمستشفيات والبنى التحتية، كما عملت على جلب سكان جُدد من مناطق أخرى لتوطينهم بغية تحقيق أهداف سياسية بحتة، الغاية منها تغيير هوية المنطقة بشتى الوسائل وإجراء تغيير ديموغرافي وتعزيز عمليات التتريك، حيث باتت هذه المناطق تشهد توطيناً مُتصاعداً لعائلات من الغوطة الشرقية بريف دمشق ومناطق سورية أخرى كانت خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة الموالية لأنقرة، على حساب السكان الأصليين.
وسبق أن اتهمت جهات حقوقية ومنظمات أممية، القوات التركية والفصائل التابعة لها، بالقيام بالتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي في عدّة مناطق بسورية.

كما تعمل السلطات التركية على إدخال نظام جديد لبطاقة الهوية الشخصية، تحجب من خلاله بيانات السجل المدني الأصلية المتعلقة بأصول العائلات. ما يجعل من المستحيل التمييز بين السكان الأصليين والنازحين واللاجئين الذين تم توطينهم في المنطقة. وهذه التطورات تشكل خطرا على إمكانية عودة السكان الأصليين إلى بيوتهم وقراهم، ويجعل أي تسوية في المنطقة مستقبلا أمرا صعبا.

يقول الكاتب التركي جتين غورر إنّ “الخرائط التي تُعرض مؤخرًا في وسائل إعلام حزب العدالة والتنمية تكشف أن تركيا تمددت خارج حدودها التي كان تم ترسيمها بموجب معاهدة لوزان، وأنها توسعت بحيث تضم حلب والموصل بل وجزءًا من أراضي اليونان وبلغاريا.
ووفقًا لهذه الخرائط فإن هدف تركيا الرئيسي والأساسي ليس إقامة “منطقة آمنة مؤقتة” في روجافا، بالعكس إنه الاستيلاء على جزء معين من الأراضي السورية، وضمّه إليها. وهذا لا يقتصر على الإدارة فحسب، إذ من الوارد احتلال المنطقة من الناحية الاقتصادية والثقافية أيضًا”.

وتجري أكبر خطط التتريك عبر بوابة التعليم، وذلك من خلال فرض اللغة والتاريخ التركيين على الطلبة السوريين بكل ما يحمله ذلك من عملية تزوير للعديد من الحقائق والوقائع التاريخية والثقافية والعلمية على حدّ سواء من وجهة نظر تركية عثمانية بحتة.
يضاف إلى هذه التغييرات الديموغرافية، ما تقوم به القوات التركية والفصائل الموالية لها من اعتداء متواصل على المشهد الديني والثقافي في المنطقة، وتدمير أو إلحاق ضرر كبير بالرموز الثقافية والدينية الكردية ومزارات العلويين والايزيديين، والمواقع التاريخية والأثرية. وهو ما يهدد بنسف حالة التعايش السلمي بين المكونات القومية والدينية. وليس هذا فحسب بل يخلق حالة من الصراع والتطرف الديني والتعصب والفتنة بين هذه الشعوب، مما قد يعود بسوريا وشعبها عقوداً طويلة إلى الوراء.

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

 

مشاركة المقال عبر