حجز مياه الفرات… تركيا تقطع شريان الحياة عن ملايين السوريين

يعود ملف نهر الفرات إلى الواجهة من جديد بعد أن أنذرت مؤسسات تابعة للإدارة الذاتية “بكارثة إنسانية” بحق ملايين السكان والثروة النباتية والحيوانية في المنطقة فضلا عن الطاقة. وذلك جراء استمرار حجز مياه الفرات من قبل السلطات التركية.
شريان الحياة بالنسبة لملايين السوريين
ينبع نهر الفرات من جنوب شرق تركيا، ويبلغ طوله 2,781 كيلومتر، بمساحة حوض تبلغ 444 ألف كيلومتر مربع، يقع 28 بالمئة منها في تركيا، و17,1 بالمئة في سوريا، و39,9 بالمئة في العراق. وتشكّل مياه هذا النهر نسبة 80-85 بالمئة من الموارد المائية لسوريا، ليكون بذلك عصب البلاد المائي، وأهم مزوِّد بمياه الشرب والري، لا سيما أنّ المساحات الأكبر من سوريا قليلة الهطولات المطرية، وفقيرة بالمياه الجوفية الصالحة للشرب. كما أنّ عوائد الزراعة كانت تشكل، في الحدود الدنيا، ما يزيد على 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهي تُعتبر المستهلك الأساسي للمياه، بنسبة 87 بالمئة من إجمالي استهلاك البلد وفق أرقام العام 2012. وتتركز الأراضي المروية بشكل أساسي في حوض الفرات.
تركيا تستخدم مياه الفرات كورقة سياسية في سوريا والعراق
ونقلت وسائل إعلام مقربة من الإدارة الذاتية أن أنّ كميات المياه المتدفقة عند الحدود السورية-التركية لا تتجاوز 200 متر مكعب في الثانية، بمعدل انخفاض يبلغ 60 بالمئة من كمية التدفّق المتفق عليها في البروتوكول الموقَّع بين سوريا وتركيا عام 1987، والذي يقضي بتدفق مقداره 500 متر مكعب من المياه في الثانية على الحدود المشتركة بين البلدين.
ويرى مراقبون وكذلك الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أن تركيا تستخدم ورقة مياه نهر الفرات كورقة سياسية لتنفيذ أجندات ومصالح خاصة بها في كل من سوريا والعراق.
وذكر مراقبون أن التراجع يعني «نقصاً حاداً» في المخزون المائي يتجاوز 4 مليارات متر مكعّب، ما ينذر بـ«خروج السد عن الخدمة في غضون أسابيع، ما سيؤدي إلى تدمير الزراعة، وتدهور إمدادات الكهرباء ومياه الشرب في المنطقة».
انخفاض إمدادات الطاقة الكهربائية
واعلنت هيئة الطاقة في إقليم الفرات والجزيرة التابعة للإدارة الذاتية في وقت سابق تخفيض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، بسبب الانخفاض “الهائل” في منسوب مياه نهر الفرات.
وأدّى تخفيض حصة البلاد من مياه الفرات إلى انقطاع كامل للتيار الكهربائي، بالإضافة إلى انخفاض الكميات المخصّصة لمحافظة الرقة.
وذكرت هيئة الطاقة أنه في حال استمرار انخفاض الوارد المائي وتوليد الطاقة بالوتيرة نفسها، فإن سد الفرات مهدد بالخروج عن الخدمة خلال فترة قريبة قد لا تتجاوز الشهر، رغم تقليل نسبة التوليد بـ 40% منذ بداية شهر نيسان الحالي.”
ولفت البيان إلى أن “الهيئة اضطرت إلى اتخاذ إجراءات صارمة لضبط كمية المياه المارّة من سد الفرات، بهدف الحفاظ على مياه البحيرة وإنقاذ الموسم الزراعي الشتوي والصيفي، واستمرار تأمين مياه الشرب لأكثر من 6 ملايين مواطن يقطنون ضفتي النهر، لتجنب كارثة مائية وغذائية وإنسانية.”
أضرار جسيمة على المزارعين
انخفاض الوارد المائي في سد الفرات ألحق أضرار جسيمة بالمزارعين في سوريا، وعلى الأمن الغذائي المتدهور أصلاً لسكان البلاد، فالمناطق الزراعية المعتمدة على نهر الفرات في شرق سوريا هي سلّة البلاد من المحاصيل الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح. كما أدى الانخفاض إلى زيادة نسب الملوحة والتلوث في مياه النهر، وحرمان مدن وقرى كثيرة من الساعات القليلة التي توفرها السدود من التيار الكهربائي، وذلك بعد انخفاض مستويات التخزين الاسمية في بُحيرتي سدَّي الفرات وتشرين، ووصولها – تقريباً – إلى ما يُعرف بـ«المنسوب الميت»، الذي يعني إيقاف عمل السدّين بشكل كامل، بغية الحفاظ على مياه الشرب بشكل أساسي، وتخصيص بعض الكميات لري الأراضي.
تداعيات بيئية وصحية
ويهدد الانخفاض المستمر لمياه الفرات جميع مناحي الحياة، كما أن حبس منسوب النهر منذ نحو أكثر من 30 شهراً يُنذر بكارثة إنسانية وبيئية.
وارتفعت نسبة الشوائب والبكتريا والجراثيم في مياه النهر، ما اضطر الكثير من المحطات لزيادة تعقيم المياه، بعد أن تسببت بحالات تسمم وانتشار مرض الكوليرا.