الشـ ـرع يصادق على نظام انتخابي مؤقت لمجلس الشعب مفـ ـصل على مقاس السلـ ـطة

تكرار لنهج حزب البعث وبشار الأسد

أصدر رئيس سلـ ـطة دمشق المؤقتة أحمد الشـ ـرع المرسوم رقم (143) لعام 2025، الذي يحدد النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، ويقـ ـضي بانتخاب ثلثي أعضاء المجلس البالغ عددهم 210 أعضاء. وعلى الرغم من أن القرار يُقدم على أنه خطوة نحو تنظيم العملية الانتخابية، إلا أنه يثير العديد من التسـ ـاؤلات حول مدى التمثيل الشعبي، وحيادية العملية، وشفافية الانتخابات.

تقييد صارم للحق بالترشح

وبحسب المرسوم، فأن الترشح يقتصر على أعضاء “الهيئة الناخبة”، وهو ما يحد من قدرة معظم المواطنين على المشاركة في العملية السياسية.

هذه القيود تؤدي إلى انتخابات أشبه بعملية داخلية محصورة ضمن دائرة صغيرة من النخب الموالية للسلطة.

كما يشترط المرسوم استبعاد من سبق لهم الترشح بعد عام 2011 إلا إذا أثبتوا “انشقاقهم”، وهو معيار غامض قابل للتفسير السياسي الانتقائي، ما يضعف مبدأ تكافؤ الفرص.

شروط الجنسية والإقامة وتاريخ التسجيل المدني

وتفرض المادة (21) أن يكون المرشح سورياً قبل أيار 2011، مع شرط الإقامة في الدائرة الانتخابية لمدة خمس سنوات متتالية قبل هذا التاريخ. هذا الإجراء يقصي فئات واسعة من المواطنين، بمن فيهم الشباب، والمهجرون داخلياً أو خارجياً، ونازحو الحرب، ما يقلص التمثيل الشعبي الحقيقي ويعزز مركزية القرار في أيدي أشخاص سيجري تحديدهم من قبل السلطة.

استبعاد أعضاء الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية

النظام يحظر على أي وزير أو محافظ أو نائبهم، أو أي عضو في القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية، المشاركة في الهيئة الناخبة. رغم أن الهدف المعلن هو الحفاظ على استقلالية مجلس الشعب عن النفوذ التنفيذي والعسكري، إلا أن هذا الاستبعاد يمنع مشاركة فئات من الكفاءات العملية والخبرات المؤسسية، ما قد يضعف كفاءة المجلس ويحد من تمثيل مؤسسات الدولة.

التفسير السياسي الواسع للانتماءات السابقة

ويحظر المرسوم على من كانوا داعمين للنظام السابق أو التنظيمات الإرهابية أو دعاة الانفصال أو الاستقواء بالخارج، الترشح للانتخابات.

ورغم أن الهدف المعلن هو حماية الدولة ووحدة الأراضي، إلا أن هذه البنود مفتوحة للتفسير السياسي، ما يتيح للسلطة استخدام القانون لاستبعاد معارضيها أو أي شخص يُنظر إليه على أنه غير موالٍ، وبالتالي يضعف الشفافية ويقوّض مصداقية المجلس.

متطلبات الكفاءة الأكاديمية

وتفرض إحدى مواد المرسوم حصول المرشح على شهادة جامعية أو الثانوية بحسب الفئة. هذا يشكل معياراً صارماً يقلل من إمكانية مشاركة أصحاب الخبرة العملية أو القيادية غير الأكاديمية، ما قد يؤدي إلى تركيز السلطة في أيدي “نخبة تعليمية” ضيقة، ويحد من التنوع الاجتماعي والمهني داخل المجلس.

انعكاسات على الشرعية السياسية والمجتمعية

معايير الانتخاب المحددة بشكل صارم، إضافة إلى قيود العمر والجنسية والانتماءات السياسية، تجعل مجلس الشعب القادم محدود الشرعية، ويزيد من الشعور بالإقصاء لدى فئات واسعة من المواطنين، خاصة الشباب والمهجرين والمعارضين للسلطة الحالية. كما أن التفسير الانتقائي لمعايير “الانشقاق” والانتماءات السابقة قد يؤدي إلى توجيه المجلس لخدمة مصالح النخب الموالية، على حساب مصالح المجتمع ككل.

تعيين 70 عضواً.. خطوات الشرع تركز السلطة في يديه

هذا وسيتم تعيين 70 عضواً من أصل 210 أعضاء في مجلس الشعب من قبل رئيس السلطة المؤقتة أحمد الشرع، في خطوة تؤكد السيطرة المباشرة للشرع على ثلث المجلس دون أي إشراك حقيقي للمواطنين أو مؤسسات انتخابية مستقلة.

أما بقية المقاعد وبحسب المرسوم الجديد الذي أقره الشرع، ستُملأ عبر انتخابات مقررة منتصف أيلول القادم، لكن هذه الانتخابات تبدو شكلية، إذ سيتم اختيار المرشحين المتبقين من أتباع السلطة أنفسهم أو من المحسوبين عليها، ما يحول العملية الانتخابية إلى مجرد استعراض شكلي دون تمثيل حقيقي للمجتمع السوري.

تكرار لنهج حزب البعث وبشار الأسد

الخطوة تذكّر بأسلوب نظام حزب البعث السابق، الذي كان يهيمن على كافة مفاصل الانتخابات عبر قوائم محددة مسبقاً، ويعين مناصرين من خارج الحزب لإضفاء صورة ديمقراطية وهمية.

ومنذ توليه السلطة في كانون الأول 2024، سلك أحمد الشرع نهجاً أحادياً لتوسيع نفوذ هيئة تحرير الشام على مؤسسات الدولة، تحت شعار ما يسمى بالشرعية الثورية، عبر مبايعة الجيش، وعقد حوارات وطنية ضمت فقط مناصريه، وإصدار دستور مؤقت في آذار ركز جميع السلطات في يده، متجاوزاً حتى الصلاحيات التي كان يمنحها الدستور السابق للرئيس بشار الأسد.

هذا النهج يعكس محاولات واضحة لتهميش المجتمع السوري المتنوع وإضعاف دور المؤسسات التشريعية المستقلة، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول مصداقية العملية الانتخابية في سوريا ومستقبل أي انتقال حقيقي للسلطة. كما يوضح أن السلطة المؤقتة تعمل على شرعنة استبداد مركزي جديد، تحت غطاء القانون والدستور المؤقت، مع ضمان استمرار هيمنة فئة ضيقة على مفاصل الدولة، بعيداً عن أي مراقبة شعبية أو دولية فعالة.

النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، على الرغم من وصفه بالإصلاح الانتخابي، يبدو شكلياً أكثر من كونه خطوة فعلية نحو انتخابات حرة وشاملة. القيود الصارمة على الترشح، ومتطلبات الجنسية والإقامة، والمعايير المفتوحة للتفسير السياسي، كلها عوامل تقلل من الشفافية والمشاركة الشعبية، وتؤدي إلى مجلس محدود الشرعية والتمثيل. في ظل هذا الواقع، يبدو أن الإصلاح الانتخابي المعلن لا يقدم أكثر من إعادة إنتاج هيكل السلطة السابق تحت مظلة قانونية رسمية، دون معالجة حقيقية لمطالب السوريين بالتمثيل والحقوق السياسية.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى