اجتماع استخـ ـباراتي فرنسي – تركي في الولايات المتحدة والملف الكوردي على الطاولة!

تركيا تتبع استراتيجية مزدوجة في تعاملها مع القضية الكوردية

كشفت مصادر مطلعة، أن اجتماعاً مهماً عُقد مؤخراً بين وفدي الاستخـ ـبارات الفرنسية والتركية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تركز النقاش على الملف السوري بشكل عام والقضية الكوردية بشكل خاص، مع إبراز الدور الفرنسي في الدفع نحو حل سياسي شامل ومستدام.

وبحسب المصادر، فقد أطلع الوفد الفرنسي وفد الاستخبارات التركية على أنّه بسبب الخلافات بين مصالح الدول وعراقيل التدخلات الخارجية في الأزمة السورية، هناك حاجة كبيرة لإيجاد حل لملف شمال وشرق سوريا.

وأكد وفد الاستخبارات الفرنسي لنظيره التركي، على أنّ هناك حاجة ماسة لإيجاد حلول سلمية للقضية الكوردية، وذلك لعدة أسباب تأثيرها إيجابي على تركيا نفسها، منها؛ أن السياسة الداخلية لتركيا ستصبح أقوى عندما يتمكن الكورد من الحصول على حقوقهم والحفاظ عليها وحمايتها، وهذا ما سيؤدي إلى تعزيز الاستقرار المجتمعي داخل تركيا، وتفادي احتمال اندلاع حرب أهلية. إلى جانب أن مشاركة الكورد في المجتمع والسياسة، ستجعل من الهوية الوطنية التركية أقوى، ويترتب على ذلك تعاون أكبر بين جميع المكونات داخل تركيا.

وأشارت الاستخبارات الفرنسية، وفق المصادر، إن حل القضية الكوردية في تركيا سيكون له فوائد اقتصادية على تركيا، خاصة أن المناطق ذات الغالبية الكوردية، تعاني من أزمات اقتصادية وهذا يفتح الباب أمام دفع المشاريع الاقتصادية قدماً. وفي الوقت نفسه، ستتمكن تركيا من التخلص من الإنفاق الاقتصادي المخصص للحرب مع حزب العمال الكردستاني (PKK).

كما أكد الوفد الفرنسي، إن اعتماد أنقرة على الحل العسكري للقضية الكوردية في سوريان يدفع الكورد إلى حماية أنفسهم بشتى الطرق والوسائل.

إلى ذلك، أوضح وفد الاستخبارات الفرنسي بأنه وجد نتيجة مراقبته للوضع في سوريا، بأن سكان شمال وشرق سوريا يثقون بأن الإدارة الذاتية هي الطريقة العملية الوحيدة لحل سياسي يضمن حقوق جميع الأطراف، وذلك وفق النظام اللامركزي، خصوصاً بعدما رأى الجميع ما جرى في الساحل السوري والسويداء.

وأكّد الفرنسيون وفق المصادر، أنّ النظام السياسي في شمال وشرق سوريا قادر على تلبية احتياجات جميع الأطراف، وأن النظام الديمقراطي يخفّف من التوترات والخلافات القومية والدينية على عكس ما تشده المناطق السورية الأخرى الخاضعة لسيطرة سلطة دمشق والتي تفتح الباب أمام تفجر الأوضاع وخسارة تركيا في سوريا.

كما نصحت الاستخبارات الفرنسية، المسؤولين الاتراك بإشراك عبد الله أوجلان في الحل السياسي في شمال وشرق سوريا، لأن مشاركته في أي ترتيبات سياسية لشمال وشرق سوريا لا يُعد خطوة رمزية فحسب، بل يمثل عنصراً جوهرياً لضمان استدامة الحل السياسي، ويمنح العملية مصداقية محلية ودولية.

إلى ذلك، أوضحت المصادر، أن الاجتماع بين الطرفين تطرق إلى ملف عودة داعش، وقال الوفد الفرنسي للاستخبارات التركية، أن أي هجوم تركي من شأنه إتاحة الفرصة أمام عناصر داعش لتنظيم صفوفهم وهذا ما لن يقبله التحالف الدولي والدول الأوروبية بشكل خاص بعدما زادت الهجمات مؤخراً في أراضيها.

استراتيجية مزدوجة

وتتبع تركيا استراتيجية مزدوجة في تعاملها مع القضية الكوردية. فهي من جهة تترك نافذة محدودة للحل مع الكورد، دون اتخاذ خطوات جدية تمنحهم حقوقاً كاملة، ما يترك الأمور على حافة التوتر والانهيار ويتيح لأنقرة استخدام الملف كورقة ضغط سياسي. ومن جهة أخرى، تطمح تركيا لتكون لاعباً قيادياً في إعادة تشكيل المنطقة ضمن ما يسمى “الشرق الأوسط الجديد”، حيث تسعى لضمان موقعها الاستراتيجي والسياسي، وبالتالي إذا ضمنت هذا الموقع فأنها ستتجه لمحاربة الكورد.

وتخشى تركيا أن يكون هناك دور للكورد في صياغة المستقبل الإقليمي، ولذلك هي لا ترغب في الدخول في قتال ضدهم الآن، ولكنها في الوقت ذاته تسعى إلى تقييد أي دور محتمل للكورد في التوازنات المستقبلية للشرق الأوسط، بما يحفظ مصالح أنقرة ويعزز قيادتها في أي ترتيبات إقليمية.

وتكشف المعطيات أن تركيا تدرك أهمية الحل السلمي، لكنها تمارس سياسة هجينة تجمع بين إبقاء نافذة محدودة للتفاوض مع الكورد، والاستمرار في فرض القيود العسكرية والسياسية عليهم، ما يعكس التناقض بين طموحها في أن تكون قوة إقليمية قيادية وبين الواقع الداخلي المتعلق بحقوق الكودر. وفي الوقت نفسه، يبرز الدور الفرنسي كمراقب دولي يؤكد على أن إشراك الكورد وعبد الله أوجلان في الحل السياسي السوري هو شرط أساسي لتحقيق استقرار مستدام في شمال وشرق سوريا، والحد من التوترات الداخلية والإقليمية، ومنع أي تصاعد جديد للأنشطة الإرهابية، بما في ذلك عودة داعش.

وتشير المداولات إلى أن استمرار تركيا في نهجها الحالي، القائم على إبقاء الكورد في موقع محدود وعدم منحهم دوراً فعلياً في السياسة الإقليمية، سيؤدي إلى استمرار حالة التوتر وعدم الاستقرار على المدى الطويل، وهو ما يهدد مساعي أنقرة لتعزيز نفوذها في صياغة المستقبل الإقليمي بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية. كما أن الاجتماعات الدولية، بما فيها اللقاء الفرنسي-التركي الأخير، تعكس إدراك القوى الدولية لحاجة أنقرة إلى التوصل لحل سياسي شامل مع الكورد لضمان الاستقرار الداخلي والإقليمي بعدما تيقنت أن الحل العسكري لا يحقق لها غايتها بل يهددها في ظل غموض مشرو الشرق الأوسط الجديد وعدم معرفة تركيا لدورها فيه في ظل صعود الدور الإسرائيلي في الشرق الأوسط وأفول الدور التركي الذي استمر على مدار القرن السابق.

وبناءً على ذلك، يبدو أن هناك فهماً دولياً متزايداً لأهمية منح الكورد حقوقهم ومشاركة أوجلان في الحل السياسي، وأن تجاهل هذه العناصر سيؤدي إلى استمرار التوترات في الشرق الأوسط. وفي المقابل، تحاول تركيا الحفاظ على خياراتها الاستراتيجية من خلال إبقاء نافذة محدودة للحل وعدم منح الكورد دوراً مؤثراً، مع التركيز على تعزيز موقعها القيادي في إعادة ترتيب الشرق الأوسط، وهو ما يعكس استراتيجية مزدوجة تهدف إلى الحفاظ على نفوذ أنقرة الداخلي والإقليمي في الوقت ذاته.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى