تصـ ـاعد أعمـ ـال العنـ ـف في سوريا: جـ ـرائم طـ ـابعـ ـها انـ ـتقـ ـامي وطـ ـائـ ـفي

مستقبل غامض وسط غياب الاستقرار

شهدت سوريا خلال الفترة الأخيرة موجـ ـة متصـ ـاعدة من أعمـ ـال العنـ ـف والاغتـ ـيـ ـالات، اتخـ ـذت في كثير من الحالات طابـ ـعاً طـ ـائـ ـفياً وانتـ ـقامـ ـياً، في ظل حـ ـالة من الفـ ـوضـ ـى الأمـ ـنـ ـية أعقـ ـبـ ـت سقـ ـوط النـ ـظام السابق في ديسمبر/كانون الأول 2024. وقد أفـ ـضت هذه الفـ ـوضـ ـى إلى تزايد الجـ ـرائـ ـم الفردية والمـ ـنـ ـظـ ـمة، وسط عجـ ـز الأجـ ـهـ ـزة الأمـ ـنـ ـية الحالية عن ضبـ ـط الأوضـ ـاع واحتـ ـواء حـ ـالة الانـ ـفـ ـلات.

جريمة قتل في كناكر والقاتل من وزارة الدفاع

ففي بلدة كناكر بريف دمشق، قُتل شاب من أبناء قرية شقحب بعد تعرضه لإطلاق نار مباشر من قبل عنصر تابع لوزارة الدفاع، عقب خلاف نشب بين الطرفين بسبب دراجة نارية. وبحسب شهود عيان، فقد أقدم العنصر على استخدام سلاحه الشخصي وأطلق النار على الضحية بشكل مباشر، ما أدى إلى وفاته على الفور.

الحادثة أثارت استياء واسعاً في أوساط الأهالي، خصوصاً في ظل تفشي السلاح بين المدنيين والعناصر العسكرية، وغياب المساءلة القانونية، ما يغذي دوامة العنف الشخصي.

اغتيال شاب في ريف اللاذقية على يد مسلحين مجهولين

وفي حادثة منفصلة، أقدم مسلحان مجهولان يستقلان دراجة نارية على اغتيال شاب من أبناء قرية الميدان التابعة لناحية معاف في ريف اللاذقية الشمالي، حيث فتحا النار عليه أثناء مروره بأحد الطرق الفرعية في المنطقة، قبل أن يلوذا بالفرار إلى جهة مجهولة.

وما تزال هوية الفاعلين مجهولة حتى اللحظة، في ظل تنامي الخوف الشعبي من تكرار هذه الحوادث، التي تعكس حالة الانفلات الأمني المتزايدة، والتي غالباً ما تسجَّل ضد مجهولين.

حملات أمنية واقتحامات مسلحة في مدينة حمص

وفي مدينة حمص، تصاعدت حدة التوتر الأمني مع تنفيذ قوى أمنية ومجموعات مسلحة، يعتقد أنها مرتبطة بفصائل موالية للسلطة، حملات دهم واقتحام طالت مناطق وأحياء مدنية.

ففي ساعات متأخرة من ليلة الإثنين–الثلاثاء، شهدت أحياء المهاجرين وبيت الطويل وشارع محمد تلو اقتحامات مفاجئة لمنازل مدنيين، تخللها إطلاق نار وعبارات طائفية. وأفادت المصادر بإصابة امرأة بطلق ناري طائش أثناء محاولة توقيف أحد المطلوبين.

كما أوردت شهادات محلية سماع عبارات مثل “بدنا نهجركن” و”بدنا نطلعكن من حمص”، خلال عمليات الاعتقال في حي الأرمن، حيث اعتُقل عدد من المدنيين في شارع حنا بن ماسويه وسط إطلاق نار كثيف، قبل أن يتضح لاحقاً أن الشخص المستهدف لم يكن موجوداً في المكان.

وفي حادثة أخرى، توجهت قوات الأمن العام إلى حي المهاجرين بحثاً عن مطلوب، وأطلقت النار على باب أحد المنازل، مما أسفر عن إصابة فتاة بجروح متفاوتة.

حملة اعتقالات في قرية الثابتية ذات الغالبية الطائفية

وفي ريف حمص الشرقي، نفذت قوى الأمن العام حملة دهم واسعة في قرية الثابتية، التي تُعرف بتركيبتها السكانية المنتمية للطائفتين العلوية والشيعية. وأسفرت الحملة عن اعتقال 16 شخصاً، رغم أنهم كانوا قد أجروا تسوية أمنية في وقت سابق مع السلطات. وتم اقتيادهم إلى جهة مجهولة، وسط غياب تام للمعلومات حول التهم الموجهة إليهم.

وتشير مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الاعتقالات جاءت بشكل مفاجئ، دون أوامر قضائية واضحة، ما زاد من منسوب القلق بين أهالي القرية.

تصاعد نمط الاغتيالات والجرائم الطائفية

وبحسب بيانات موثقة، فإن البلاد شهدت منذ مطلع العام 2025 وحتى منتصف مايو/أيار الجاري، مقتل 648 شخصاً في سياق عمليات تصفية وانتقام واغتيالات متفرقة، بينهم 619 رجلاً، و20 امرأة، و9 أطفال، في عدد من المحافظات السورية، دون أن يتم الإعلان عن الجهات المسؤولة في معظم الحالات.

ويرى مراقبون أن هذا التصاعد الخطير في نمط الجرائم والاعتداءات المسلحة يعود إلى الإرث الثقيل من القمع والتحريض الذي شهدته سوريا خلال سنوات الأزمة والذي أسهم في نشر ثقافة العنف والكراهية، واستخدام السلاح لتسوية الخلافات بدل اللجوء إلى القانون أو الحوار.

مستقبل غامض وسط غياب الاستقرار

وفي ظل هذا الواقع المأزوم، تزداد المخاوف من انزلاق البلاد إلى موجة جديدة من العنف المنظم والفوضى الأمنية، مع ازدياد حدة الخطابات الطائفية، وتنامي مظاهر الانقسام المجتمعي، وغياب أي حلول سياسية شاملة قد تساهم في إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى