سوريا

قراءات حول الأهداف التركية من تمكين “جبـ*ـهة النـ*ـصرة” في الشمال السوري

تستمر القراءات المختلفة بخصوص الاقتتال بين الفصائل المسلحة الموالية لتركيا في المناطق الخاضعة لنفوذ القوات التركية في الشمال السوري والتي أفضت مؤخراً إلى سيطرة عناصر هيئة تحرير الشام (جبهة النصر سابقاً) على مدينة عفرين ومحيطها. أكد عليها مراقبون أن الدولة التركية عبر استخباراتها تقف وراء سيطرة الهيئة على المدينة وربطت ذلك بأهداف عديدة أبرزها التمهيد للتقارب مع دمشق، في ظل ما تعانيه تركيا من ظروف اقتصادية سيئة وازدياد السخط الشعبي من سياساته وفقدانه لشعبيته واتحاد الأحزاب المعارضة ضده.

وأجمع المراقبون أن على أردوغان يقدم تنازلات كبيرة للحكومة السورية حتى ترضى بالتطبيع، وجاء على لسان مسؤولي الحكومة السورية أن التطبيع لا يمكن أن يتم إلا بخروج القوات التركية، ولكنهم في الوقت ذاته، أكدوا أن لا شروط مسبقة لديهم لإجراء أي حوار.

هذا الحوار جاء بعد فترة ليست طويلة عبر زيارة لرئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، إلى العاصمة السورية دمشق ولقاءه مدير مكتب الأمن الوطني في الحكومة السورية، لتبدأ تركيا بعد ذلك مخططاً جديداً في الشمال السوري الخاضع لسيطرتها، هذا المخطط بدأ بتسليم منطقة عفرين وعدد من نواحيها لهيئة تحرير الشام، وسحب تركيا للفصائل الموالية لها باتجاه إعزاز.

هذا المخطط كُشف بسرعة في ظل تحرك بعض فصائل الجيش الوطني المدعومة بدرجة أكبر من تركيا كونها تطبق سياستها بالحرف الواحد، رفقة هيئة تحرير الشام والسيطرة على المناطق التي انسحبت منها بقية الفصائل وخصوصاً الفيلق الثالث والجبهة الشامية.

فما يجري من تغيير في خارطة السيطرة في الشمال السوري، إنما يتم تحت أنظار القوات التركية الموجودة في المنطقة في مسعى لمساندة حلفائها في إطار التمهيد للمفاوضات المزمعة بين حكومتي دمشق وأنقرة والتي من المتوقع أن تنتج عن تسليم إدلب لحكومة دمشق وروسيا ويلزم ذلك نقل عناصر هيئة تحرير الشام إلى عفرين ومناطق جرابلس واعزاز ، بعد أن قامت الهيئة منذ فترة بفتح الطرق باتجاه المعابر التجارية مع قوات الحكومة السورية.

وهذه الخطوات الميدانية على الأرض قابلها خطوات داخل تركيا اتجاه الائتلاف السوري، إذ تحدثت مصادر من داخل الائتلاف بأن تركيا أخبرتهم بضرورة مغادرة تركيا وإيجاد بلد بديل للقيام بأنشطتها، ويرجح أن يكون البلد قطر أو السعودية.

ودفعت تركيا هيئة تحرير الشام إلى المنطقة لأسباب وأهداف عديدة:

يراها مراقبون أن تحرير الشام قادرة على تلبية المصالح التركية في الشمال السوري خلال المرحلة القادمة، بشكل أكبر من الفصائل المتناحرة”، لافتاً إلى أن صمت “الحكومة المؤقتة” و”الائتلاف المعارض” حول ما يجري، “يشي برغبة تركية واضحة في ما يحصل، فالمخططات التركية بحاجة إلى ذراع قوية أمنياً وعسكرياً لتنفيذها، وهو ما يتوفر في الهيئة، اعتبره مراقبون أيضاُ بأنه تأديب الجماعات الأخرى كفصيل الجبهة الشامية، التي قالت لا للاستدارة التركية نحو الحكومة السورية وقامت ببعض المظاهرات والاحتجاجات على الموقف التركي الجديد الذي يدعو إلى التفاوض مع دمشق، وبسبب عدم إطاعته الأوامر التركية بشكل أعمى، ومحاولاتها سابقاً الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية، حيث لدى “الجولاني” و”سيف أبو بكر” قائد فصيل “فرقة الحمزة”، و”محمد الجاسم/ أبو عمشة”، قائد فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه”، خطة واضحة تستهدف تفكيك “الفيلق/ الجبهة الشامية” بشكل كامل ، وسبق هذه الإجراءات عقد تركيا اجتماعاً مع تحرير الشام وفصائل مرتزقة أخرى تم فيها اتخاذ القرار بحل فصيل الجبهة الشامية بشكل كامل، والسيطرة على جميع نقاطها.

الهدف التركي الآخر هو لتعزيز موقف المجموعات التركمانية ضمن قوام الجيش الوطني وتحديداً العمشات والحمزات ومجموعات أخرى، وبالنهاية تركيا تريد أن تستوطن وتستقر هذه الفصائل والمستوطنين التركمان في هذه المنطقة، فيما تسعى هيئة تحرير الشام للحصول على حصة من عائدات المعابر، وتقديم نفسها بوصفها القوة الوحيدة المنضبِطة في الشمال السوري والقادرة على تقديم خدماتها لكل الأطراف، بما فيها تركيا والحكومة السورية، وهي تريد تقديم أوراق اعتمادها لديهما من أجل تسليمها المنطقة، بعد إلحاق الفصائل التركمانية ومجموعات السنة المرتبطة بالإخوان المسلمين مثل “فيلق الشام” و”أحرار الشام”، تحت ذريعة “الاندماج أو وحدة الصف”.

هدف تركيا المستتر هو إنشاء إقليم تركماني ضمن مناطق “الميثاق المللي” المزعومة، وضمه لها. ويمتد مشروعها في المرحلة الحالية من جبل التركمان وحتى راس العين، وتستخدم فيها “النصرة” لتأديب وتصفية الفصائل العربية السنية، وكذلك محاربة (قسد) ومحاولة السيطرة على المناطق الكوردية الأخرى مثل كوباني. ومن ثم تخطط للسيطرة على المنطقة الممتدة من “الدرباسية” حتى “ديرك”، مروراً بـ”شنكال” و”الموصل” و”كركوك”، وصولاً لـ”السليمانية”، حتى يكتمل تنفيذ مشروع “الميثاق الملّي”.

وأيضاً، هدف تركيا هو استكمال مخطط التغيير الديموغرافي بحق أبناء الشعب الكوردي والتضييق عليهم أكثر من قبل الهيئة التي كلفت بهذه المهمة، إذ أن تركيا التي تعتبر دولة احتلال وفق القوانين الدولية تتحمل مسؤولية ما يجري على يد الفصائل التي تدعمها، ولذلك فهي تريد التملص من هذه المسؤولية عبر وضع المنطقة تحت سيطرة الهيئة التي صنفتها تركيا نفسها بأنها إرهابية، وبذلك تريد خداع المجتمع الدولي بأن من أجرى التغيير الديموغرافي هو فصيل على لائحة الإرهاب لديها أيضاً.

تسعى تركيا في مخططها هذا، إلى حشر العديد من الفصائل الموالية لها في مساحة صغيرة، لإقناعهم بضرورة شن هجمات جديدة على شمال وشرق سوريا للسيطرة عليها، خصوصاً أن العديد من الفصائل عبرت وبشكل غير مباشر عن رفضها المشاركة في هجوم جديد على هذه المناطق في ظل سيطرة الحكومة السورية على مناطقهم، وإدراكهم أن محاربة الكورد لا يخدم عودتهم إلى ديارهم التي نزحوا منها.

وفي حديثه لموقع “المونيتور” الأمريكي، قال الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي (أكبر أحزاب الإدارة الذاتية) صالح مسلم، “تركيا بالتأكيد وراء تحرير الشام”.

وأعرب مسلم عن اعتقاده أن ذلك يهدف إلى إعداد “قوة أكثر فاعلية” لمواجهة “قسد”، وأضاف: “خطة تركيا تتضمن نشر تحرير الشام في منطقة درع الفرات بهدف الاستيلاء على مدينة منبج”.

ولا تزال تصر الأوساط السياسية والمتابعة للأزمة السورية، أنه لولا اتفاق الأطراف المتدخلة الرئيسية في الأزمة السورية لما كانت “تحرير الشام” تجرأت على الدخول في معركة للسيطرة على ريف حلب الشمالي، مشددين على أن المنطقة أصبحت أمام مرحلة يمكن أن تشهد تصعيداً عسكرياً بعد دخول تحرير الشام.

ومع دخول عناصر هيئة تحرير الشام مدينة عفرين، بدأت عناصرها في القيام بممارسة الانتهاكات بحق المدنيين الكُورد من عمليات اعتقالٍ وفرض قوانين لا تختلف عن قوانين تنظيم داعش.

مصادر محلية أكدت أن عناصر هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة الموالية لتركيا زادوا من جرائمهم وانتهاكاتهم بحق المدنيين، وذلك ضمن إطار المخطط التركي الهادف إلى إجراء واستكمال التغيير الديمغرافي في مدينة عفرين وتهجير من تبقى من سكانها الكُورد الأصليين والضغط عليهم سواء عبر ارتكاب جرائم القتل أو الاختطاف.

وبحسب مصادر محلية من المنطقة، فأن الهيئة وفور سيطرتها على عفرين، بدأت بحملة اعتقالات طالت عدداً من المواطنين الذين نقلتهم إلى سجونها في إدلب. ويبدو أن هذا التضييق هو جزء من المخطط التركي لدفع من تبقى من الكورد لترك أرضهم والهجرة منها، حتى يتسنى لتركيا تغيير ديموغرافية المنطقة ونقل اللاجئين المتواجدين إلى أراضيها، إلى هذه المنطقة.

ومن جانبها أعربت الخارجية الأمريكية في الـ24 من شهر تشرين الأول الجاري، عن قلقها من قدرة “الجماعات المتـ.ـطرفة والجـ.ـماعات الإرهـ*ـابية” على استخدام الأراضي السورية لتشكيل كقـ.ـاعدة لها، في ِإشارة لسيطرة هيـ..ـئة تحـ.ـرير الشـ*ـام على عفرين بريف حلب الشمالي.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، خلال مؤتمر صحفي عقده الليلة الفائتة، في رده على سؤال بخصوص سيطرة “تحـ..ـرير الشام” على عفرين: “إنه شيء نراقبه عن كثب، لكن لست في وضع يسمح لي بتقديم تقييم أكثر تحديثاً.”

ورداً على سؤال ما إذا كانت لدى واشنطن أدوات لإخراجهم من المدينة، قال برايس “هذا شيء ركزنا عليه مع الشركاء في المنطقة، لدينا مجموعة من الأدوات وسنواصل معايرة تلك الأدوات بشكل مناسب.”

وقبلها أعلنت السفارة الأمريكية في دمشق، عن قلقها إزاء ما يحدث في عفرين وسيطرة الهيئة عليها، مطالبة هيئة تحرير الشام “بإخراج قواتها على الفور”.

وعلى الرغم من أن تركيا وبعد التهديدات الأميركية لها، ادعت أن عناصر هيئة تحرير الشام انسحبوا إلى إدلب، ولكن في حقيقة الأمر، فأن عناصر الهيئة ارتدوا زي الجيش الوطني وبدأوا الآن بفرض شروط الهيئة على المواطنين وتحضير الأرضية من أجل نقل عوائل عناصر الهيئة خلال الفترة القادمة إلى عفرين.

في مرحلة لاحقة؛ سيجعل أردوغان من “الجولاني” وتنظيمه كبش الفداء، بعد أن ينفذ المهام الموكلة له على أحسن وجه؛ لأن هدف تركيا في النهاية هو فقط التركمان والشريط الحدودي كإقليم لهم وتحت الحماية التركية وستشن الفصائل التركمانية التابعة للمافيا والاستخبارات التركية، وبمساعدة القوات التركي هجوماً على الهيئة وتفكّكها، لتسوق تركيا للعالم كذبة بأن “التركمان” حاربوا الإرهاب “القاعدة” ويستحقون الدعم الدولي مثل (قسد).

مشاركة المقال عبر