الأخبار سوريا

اللاجئون السوريون ما بين الابتزاز والاستغلال والحقيقة الساطعة التي يجب أن يراها الجميع

أحمد خليل

تحول اللاجئون السوريون إلى أداة استغلال وابتزاز من قبل الحكومة السورية والدول التي لجأوا إليها، وباتوا سلعة رخيصة في بازارات السياسة، أما الائتلاف الصامت على السياسة التركية تجاه اللاجئين السوريين فضل الصمت حيال ما يتعرض اللاجئون في كل مكان للتغطية على تبعيته لتركيا؛ ووحدها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بدأت تخطو الخطوات لحل أزمة اللاجئين السوريين التي تتفاقم يوماً بعد يوم.

أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في الـ ٢٧ من نيسان المنصرم، تشكيل لجنة لتأمين عودة السوريين العالقين في السودان، بهدف العمل والتنسيق لعودة المواطنين العالقين داخل حدود السودان كإجراء نحو تأمين الخروج الآمن لهم في ظل دخول المعارك بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي والتي دخلت شهرها الثاني.

وفي إطار جهودها لإجلاء السوريين، أعادت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، يوم أمس، أول دفعة من العالقين في السودان، على نفقتها، ضمت أكثر من 160 شخصاً بينهم أطفال ونساء، من مختلف مناطق شمال وشرق سوريا.

واستقبل العائدون من قبل عضو اللجنة المكلفة بإجلاء اللاجئين السوريين في السودان مصطفى بالي في مدينة القامشلي، بعد أن وصلوا إليها عبر مطار القامشلي الدولي، حيث قال بالي إن إجلاء هذه الدفعة استغرقت شهراً من التواصل المستمر مع العديد من الأطراف الدولية لتأمين إجلاء السوريين.

ويتواجد الآلاف من السوريين في السودان، حيث كان مئات السوريين يعيشون في السودان قبل الأزمة، وازدادت أعدادهم أضعافاً مع بداية الأزمة السورية وبدء الهجرة من سوريا، ومن بين هؤلاء ما يزال نحو 1700 شخص من أبناء شمال وشرق سوريا عالقين في السودان، واليوم فقد 3 من مدينة كوباني حياتهم في طريق هروبهم من السودان نحو مصر، بعد حادث سير.

وقالت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، عبر بيان إن عملية الإجلاء جاءت في إطار مسؤولياتها الإنسانية تجاه أهالي المنطقة وحرصاً على تأمين سلامة العالقين في السودان نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد هناك.

وأوضحت أنها مستمرة في عملها بخصوص إجلاء أكبر عدد ممكن من العالقين في السودان، وقالت إنه يجري تجهيز رحلة إجلاء أخرى في القريب العاجل.

عملية الإجلاء واستقبال اللاجئين السوريين جزء من مبادرة حل الأزمة التي طرحتها الإدارة الذاتية

هذا وكانت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، قد أعلنت في الـ 18 من نيسان الفائت، عن مبادرة لحل الأزمة السورية تتألف من تسعة بنود تتناول جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأحد بنود المبادرة نصت على استعداد الإدارة الذاتية لاستقبال اللاجئين السوريين في الخارج بمناطق الإدارة الذاتية وذلك بعد أن تحولوا إلى ورقة ابتزاز وتعرضوا لسياسات عنصرية من قبل غالبية تلك الدول.

وبعد ذلك بأيام خصوصاً مع استمرار السلطات اللبنانية سياستها العنصرية تجاه اللاجئين السوريين عبر مداهمة منازلهم ومقار عملهم والقبض عليهم وترحيلهم إلى الحدود السورية اللبنانية وتسليم بعضهم إلى قوات الحكومة السورية وما رافق ذلك من عمليات اعتقال ونقل إلى الخدمة الإلزامية، أعلنت الإدارة الذاتية استعدادها لاستقبال اللاجئين السوريين، ودعت السلطات اللبنانية والأمم المتحدة للتعاون معها في هذا السياق.

مبادرة الإدارة الذاتية في حل الأزمة السورية واستقبال اللاجئين السوريين لاقت الرضى من المعارضة الوطنية السورية وكذلك من العديد من الأطراف اللبنانية منها الجبهة المسيحية في لبنان والتي أكدت دعم الأطراف اللبنانية لهذه المبادرة لحل أزمة اللاجئين السوريين في البلاد.

وبالتزامن مع ذلك، تصاعدت حدة المعارك في السودان وبدأت الدول بإجلاء رعاياها لذلك أطلقت الإدارة الذاتية في الـ 27 من نيسان مبادرتها لإجلاء السوريين من السودان، في ظل تقاعس الحكومة السورية عن أداء واجباتها تجاه السوريين.

الحكومة السورية واللاجئين السوريين

على مدار سنوات الأزمة السورية التي بدأت عام 2011، سعت قوات الحكومة السورية وداعموها من حزب الله اللبناني وإيران، لإجراء عمليات تغيير ديموغرافي في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة عبر ترحيل وتهجير المسلمين السنّة ونقل العلويين وأبناء الطائفة الشيعية إلى تلك المناطق.

وتسببت سياسات الحكومة السورية هذه بهروب السوريين السنّة من مناطق سكنهم الأصلية، وهربوا من المعارك التي كانت محتدمة على الأراضي السورية إلى دول الجوار، حيث تم استغلالهم شر استغلال من قبل جميع الأطراف، بدءاً من المهربين الذين كانوا يقودون السوريين نحو الموت مقابل حصولهم على الأموال، وشبكات الاتجار بالأعضاء البشرية الذين استغلوا السوريين الهاربين من الموت واختطفوهم لبيع أعضاءهم الحيوية، وصولاً إلى الدول التي لجأوا إليها حيث تم استغلالهم من قبل أصحاب المعامل والشركات وأرباب العمل مقابل أجر زهيد، كما تم استغلالهم من قبل سلطات بعض الدول لتحقيق أطماعها في المنطقة عبر استخدام ورقة اللاجئين السوريين وتهديد أوروبا بهم.

السوريون في السودان لم يكونوا استثناءاً من الاستغلال، وعندما احتدمت المعارك في هذا البلد العربي، أطلق السوريون نداء استغاثة من أجل إعادتهم، وتواصل الكثير منهم مع السفارة السورية في الخرطوم، ولكن ندائهم لم يلقى أذاناً صاغية، فالحكومة السورية التي بذلت الجهود من أجل ترحيل السوريين بهدف تغيير التركية الديموغرافية وتحقيق تجانس سكاني في مناطق سيطرتها كيف لها أن تعيد هؤلاء وهي أساساً سعت لتهجيرهم.

ولم تتكلف الحكومة السورية عناء الحديث عن السوريين العالقين في السودان ولم تطلب من الأمم المتحدة أو الدول العربية التي كانت تنفتح عليها بعد زلزال السادس من شباط وترسل لها المساعدات بالأطنان، مساعدتها في إجلاء السوريين من السودان، ولذلك ظل السوريون عالقين هناك وقتل العشرات منهم في معارك الدائرة بين معسكري الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بعد أن كانوا هربوا من الموت في بلادهم.

والملفت للانتباه أن وكالة رويترز نشراً تقريراً عن استخدام الحكومة السورية للاجئين السوريين كورقة ابتزاز مع الدول العربية، ففي اجتماع عمان الذي شاركت فيه مصر والسعودية والأردن والعراق إلى جانب وزير الخارجية في الحكومة السورية فيصل المقداد، اشترط الأخير على العرب تقديم الأموال للحكومة السورية من أجل إعادة السوريين، بحسب رويترز.

فكيف لحكومة تقول إن تدير دولة أن تطلب الأموال من الدول لقاء إعادة مواطنيها وهي التي تتشدق بالمواطنة والعروبة والانتماء العربي وما إلى ذلك من شعارات شبع منها السوريون كبيرهم وصغيرهم دون أن يروا أياً منها على أرض الواقع، فالمواطنة لم تعد موجودة والعروبة والانتماء باتا الحضن الإيراني والروسي، ولو قتل السوريون المتواجدون في السودان جميعاً لما تحركت الحكومة السورية، بل ربما ستضحك في سرها بأنها استطاعت الخلاص من سوريين لا ترغب بعودتهم إلى مناطق الأصلية التي تم تهجيرهم منها.

اللاجئون السوريون والائتلاف السوري

وليس ببعيد؛ الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف السوري، هي الأخرى ما تزال تلتزم الصمت تجاه أوضاع اللاجئين السوريين في دول الجوار. فالائتلاف وحكومته قد ارتموا في حضن النظام التركي الذي يستغل اللاجئين السوريين أيما استغلال، فهم يتعرضون لسياسة عنصرية ممنهجة في تركيا.

يتم اغتصاب النساء السوريات في المخيمات، لا يدفع أرباب العمل أجور السوريين لأشهر وعندما يطالبون بها يتم طردهم من العمل وتسليمهم إلى السلطات التركية وتلفيق التهم لهم، أو يتم قتلهم بدم بارد، حتى وصل الأمر بالأتراك بأن يحرقوا العوائل السورية وهم أحياء في منازلهم بحجة أنهم يشاركونهم في لقمة العيش ويمنعونهم من العمل.

حوادث قتل السوريين في تركيا بدوافع عنصرية بلغت ذروتها، في ظل حديث رجب طيب أردوغان وحزبه وكذلك أحزاب المعارضة التركية عن إعادة السوريين إلى بلادهم، واستغلال اللاجئين السوريين كورقة في الدعاية الانتخابية، فمنهم من يقول بأنه سيتم إعادة السوريين قسراً ومنهم من يقول إنه سيعدهم على مدار عامين وحتى أردوغان نفسه يقول بأنه سيعيد السوريين من خلال التطبيع مع الحكومة السورية، أي أنه هو الآخر سيسلمهم للحكومة السورية التي لن تتوانى في التنكيل بهم مجرد أن تطأ أقدامهم الأراضي السورية.

كما استخدم أردوغان اللاجئين السوريين في ابتزاز أوروبا وحصل منها على مليارات الدولارات دون أن يقدم شيئاً لهم، بل أنه جعل السوريين مرتزقة أيضاً يقاتلون من أجل المصالح التركية في المنطقة.

والائتلاف السوري وحكومته المؤقتة التي لا تتجرأ في الحديث عن ما يتعرض له السوريون بل وتبرر في أغلب الأحيان الجرائم التي ترتكب بحق السوريين في تركيا، كيف لها أن تتحرك لمساعدة اللاجئين السوريين في الدول الأخرى أو أن تتحدث عن تلك الدول بسوء، فأي حديث منها على اللاجئين السوريين سيفتح أبواب جهنهم على صمتها تجاه ما يتعرض له السوريون في تركيا. لذلك قرر الائتلاف الصمت حيال معاناة اللاجئين السوريين وفضل مسؤولو الائتلاف وحكومته المؤقتة الرواتب التي يتقاضونها على حساب اللاجئين السوريين، فاللاجئون بالنسبة لهم تجارة مربحة تزيد من رصيدهم في البنوك، فمن يعيش في الرغيد لا يهمه كيف يعيش من هو موجود في الحضيض.

اللاجئون السوريون والدول العربية

والأمر في لبنان لا يختلف كثيراً عن الوضع في تركيا من حيث حملات المداهمة والسياسة العنصرية التي يتعرضون لها، أما دول الخليج العربي فهي لا تستقبل أياً كان، وأعداد اللاجئين السوريين ليست كبيرة في تلك الدول التي وضعت شروطاً قاسية لاستقبال اللاجئين السوريين رغم تشدق تلك الدول بدعم السوريين وهي التي كانت سبباً في عسكرة الثورة السورية أثناء انطلاقتها ومنحت الشرعية للحكومة السورية في استخدام الحديد والنار مع السوريين عبر هذه العسكرة.

ليس بالضرورة أن تعبر المقالة عن رأي الموقع

مشاركة المقال عبر