الأخبار سوريا

امتحانات الشهادة لدى الحكومة السورية إرهـ ـاب للطلبة وكابـ ـوس لذويهم

ما تزال امتحانات شهادة الثانوية لدى الحكومة السورية تشكل إرهـ ـاباً تمارسه وزارة التربية على الطلبة وكابـ ـوساً ومصدر قلق بالنسبة لذويهم. لأن 23 يوماً كفيل بتحديد مستقبل إنسان، إما أن يحصل على الفرع الذي يريد أو يقضي بقية حياته في حسرة عدم دراسته الفرع الذي يرغب فيه بالجامعة.

وهذا ينطبق على عامة الشعب أما أولاد المسؤولين والضباط والأغنياء فبالتأكيد هم بعيدون كل البعد عن هذه الأوضاع، لأنهم إما يحصلون على أعلى العلامات بواسطة فيتامين “واو- واسطة” أو يدرسون في الجامعات الخاصة التي لا تحتاج سوى حصول الطالب على علامات النجاح، وفي النهاية يتولى هؤلاء إدارة شؤون البلاد والعباد لتكون النتيجة سوريا التي نراها اليوم وما تعيشه من أزمات متراكمة تحتاج سنوات وسنوات لحلها.

وانطلقت في الـ 7 من حزيران الجاري امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) بفرعيها العلمي والأدبي، والثانوية المهنية (الصناعية والتجارية والنسوية)، في أجواء ل عليها التوتر والقلق في محيط المراكز الامتحانية، وتمتد لتطغى على أسر نحو 256 ألفاً و924 طالباً وطالبة، يخوضون امتحاناتهم في ألفين و332 مركزاً امتحانياً في جميع المحافظات السورية، بحسب أرقام وزارة التربية لدى الحكومة السورية.

ويشهد هذا الوقت حالة تأهب شديد لدى أهالي الطلاب؛ لأن النتيجة تحدد مستقبل الطالب والطالبة، فإما النجاح بمعدل عالٍ يعزز فرص اختيار الفرع الدراسي الجامعي، أو الحصول على معدل ضعيف يجعل خياراته تتراوح بين القبول بالأمر الواقع وإعادة السنة الدراسية، والرسوب والدخول في دوامة الإحباط.

هذا الوضع يشكل إرهاباً ممارساً على الطالب بحد ذاته من قبل وزارة التربية، لأن الطالب أو الطالبة في هذا العمر بحاجة إلى دفعه للأمام وليس وضع العراقيل أمامه وحصر حياته المتبقية في شهادة لا تنفع لدى الحكومة ذاتها التي توظف الأفراد ليس بحسب اختصاصهم بل حسب الواسطة التي يملكونها، والحال هذه، فما الفائدة من هذا الإرهاب الممارس على الطلبة.

وفي جديد هذا الإرهاب، أعلن الدكتور بشار حلاوة مدير عام مشفى أباظة في محافظة القنيطرة وفاة الطالب (م .س )، من أبناء محافظة ريف دمشق المتاخمة لمحافظة القنيطرة، في قسم العناية رغم المحاولات الحثيثة للكادر الطبي من أجل إنعاشه.

هذا الطالب اليافع فقد حياته لأنه حاول الانتحار بعدما أقدم على لف قطعة قماشية حول منطقة العنق، نتيجة معاناته النفسية كونه طالباً ثانوياً يقدم الامتحانات التي تؤثر على حالته النفسية شأنه شأن بقية طلبة هذه الشهادة.

وخلال سنوات الحرب، بات التعليم والحصول على الشهادة الثانوية، إحدى سبل الخلاص، لا سيما الذكور الذين يعيشون ضغط ملاحقة الحكومة لهم بالخدمة العسكرية الإلزامية؛ إذ يمكن للطالب تأجيل الالتحاق بالتجنيد حتى إتمام الدراسة. كما يمكن أن يستفيد الطالب أو الطالبة من الشهادة الجامعية، بالحصول على منح دراسية في الخارج تتيح لهم الهجرة- وهذه أغلبها مخصصة لأولاد المسؤولين والضباط، إلا أن إلحاح الأهالي على الأبناء للدراسة وتحصيل معدلات عالية، غالباً مرده تعزيز فرص الالتحاق بالجامعات الحكومية بعد ارتفاع تكاليف التعليم في الجامعات والمعاهد الخاصة، بما يفوق قدرة غالبية السوريين.

وقد تضاعف الرهاب الامتحاني لدى الطلاب في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، لتكبدهم عناء السفر مئات الكيلومترات للوصول إلى المراكز الامتحانية والوقوف على الحواجز، ناهيك بتكاليف النقل الباهظة.

وكشفت مصادر طبية في حلب، مع بدء الامتحانات، عن وجود أكثر من 800 حالة مرضية، يسيطر على أصحابها الخوف والتوتر النفسي، غالبيتهم من الطلاب الوافدين من المناطق خارج سيطرة الحكومة. ومن هذه الحالات الرجفان وألم البطن والصداع.

وسجلت في دمشق وفاة طالب البكالوريا أحمد المصري، قبل الامتحان بأيام، نتيجة توقف قلبه بشكل مفاجئ. وحسب إفادات عائلته وأساتذته وأصدقائه، لا يعاني أحمد من أي أعراض مرضية، فقد كان شديد الاهتمام بالدراسة هاجسه الحصول على الدرجة التامة، ما تسبب له بالقلق، مع أن أحد المقربين منه استبعد العلاقة بين القلق من الامتحان وتوقف القلب المفاجئ.

وغالباً ما تضغط العوائل على أولادها من أجل الحصول على علامات عالية، وفي هذا الجو المشحون يعيش الطالب وأفراد عائلته طيلة أشهر حتى تنتهي الامتحانات، فالمنزل يكون في حالة استنفار، لا يخرج أفراد الأسرة لزيارة أحد ولا يستقبلون أحداً من الزائرين.

رهاب الامتحانات يصيب عموم البلاد بسبب إصرار الحكومة على قطع الاتصالات والإنترنت خلال أوقات الامتحانات، للحد من تسرب الأسئلة أو عمليات الغش، وقد وجّه وزير التربية قبل الامتحانات الأخيرة، نصيحة للطلاب: «أنصح الطلاب بعدم التفكير بالغش لوجود جهاز مراقبة جيد جداً».

وتشهد العملية التعليمية في سوريا مساراً شاقاً منذ عام 2011، بسبب القصف والدمار واللجوء والنزوح، والتردي الاقتصادي الذي عمقته كارثة الزلزال في 6 شباط الماضي، ما أدى إلى ارتفاع نسب التسرب من المدارس، وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لعام 2021، عدد الأطفال المحرومين من التعليم في سوريا بأكثر من مليوني طفل.

مشاركة المقال عبر