من أسقـ ـط عصـ ـام بويـ ـضاني.. تصـ ـفية حسـ ـابات قديمة وصـ ـراع على النفـ ـوذ في دمشق

"جيش الإسلام"... قصة نفوذ انتهت بأوامر خارجية

كشفت مصادر أمـ ـنـ ـية من العاصمة دمشق، أن عمـ ـلية اعتـ ـقـ ـال عصـ ـام بويـ ـضاني، قـ ـائد فصـ ـيل “جيـ ـش الإسـ ـلام”، تمت بتـ ـحـ ـريـ ـض مباشر من رئيـ ـس “سلـ ـطة دمشق” وزعـ ـيـ ـم “هـ ـيـ ـئـ ـة تحـ ـريـ ـر الشـ ـام”، أحمـ ـد الشـ ـرع، وذلك في إطار سياسة ممنـ ـهجة لإقـ ـصـ ـاء آخر رموز النـ ـفـ ـوذ العربي في محيط العاصمة، وترسيخ سلـ ـطة مشـ ـروع تركي خالص يُعيد تشكيل سوريا الجديدة على مقاس أنقرة.

الشرع يطيح بخصمه القديم… بلا ضجيج

التفاصيل تكشفت حين طلب المترجم التركي الملقب بـ”أبو حسن”، بتاريخ 25 أيار/مايو الفائت، معلومات من شخص يُدعى “أبو ماهر” حول تحركات احتجاجية كانت قيد التخطيط في دمشق. ووفق المعلومات، فإن عناصر من “جيش الإسلام” وجهوا إنذاراً إلى سلطات دمشق يفيد بأنه في حال لم يتم إطلاق سراح عصام بويضاني، فسيتم تنفيذ اعتصام مفتوح في قلب العاصمة، إما أمام السفارة الإماراتية أو في ساحة الأمويين، خلال ثلاثة أيام.

هذا التحرك، فُسّر من قبل الأجهزة الأمنية في دمشق كـ”محاولة تحدٍ” لأحمد الشرع، الذي كان يرى في بويضاني تهديدًا كامناً داخل قلب سلطته الوليدة، نظراً لما يمثله الرجل من امتداد تنظيمي واجتماعي راسخ في محيط دمشق وريفها، وارتباطه التاريخي بدوائر القرار العربي التي حاولت أن تلعب دوراً في سوريا.

من هو عصام بويضاني؟

ويُعد عصام البويضاني، المعروف بلقب “أبو همام”، أحد الشخصيات البارزة التي قادت العمل العسكري في الغوطة الشرقية بعد مقتل زهران علوش قائد جيش الإسلام في غارة روسية نهاية عام 2015.

وقبل الثورة، كان بويضاني تاجراً ناجحًا يتقن الإنجليزية والكورية، وتنقل بين دول عدة لأهداف تجارية، ما أكسبه شبكة علاقات واسعة، استثمرها لاحقاً في إعادة تموضع “جيش الإسلام” ضمن الحراك السياسي والعسكري السوري.

بويضاني تحوّل لاحقاً إلى رجل التسويات مع نظام بشار الأسد، فكان من أوائل من وافقوا على مفاوضات أستانا وسوتشي، كما شارك بفعالية في تشكيل لجنة التفاوض. لكن هذا المسار أزعج حينها بعض القوى داخل “تحرير الشام” والدوائر التركية، خاصة حين بدأ البويضاني يخرج عن الحظيرة الخليجية ويتجه نحو مسار مستقل نسبياً.

تركيا تأمر بحل جيش الإسلام

في خطوة حاسمة، وبعد وصول أحمد الشرع إلى رئاسة “سلطة دمشق” أواخر العام الماضي، وبالتنسيق الكامل مع الاستخبارات التركية، تم إصدار قرار بحل فصيل “جيش الإسلام” نهائياً، ووقف جميع أشكال النشاط العسكري أو التنظيمي المرتبط به.

جاء القرار ضمن إعادة هيكلة شاملة للحقل العسكري في سوريا الجديدة، حيث لم تُبقِ أنقرة مكاناً لأي فصيل يحمل بصمة عربية مستقلة، خاصة من كان مدعوماً سابقًا من السعودية أو الإمارات. وتم اعتبار “جيش الإسلام” أحد آخر بقايا “المشروع العربي” في الثورة السورية، لذلك كان لا بد من إنهائه سياسيًا وتنظيميًا.

“جيش الإسلام”… قصة نفوذ انتهت بأوامر خارجية

وتأسس جيش الإسلام أواخر عام 2012 في الغوطة الشرقية، بقيادة زهران علوش ابن عالم الدين المقيم في السعودية عبد الله محمد علوش، بعد أن أطلق نظام بشار الأسد سراحه من السجن في منتصف عام 2011، وتلقى الفصيل منذ بداياته دعماً سخياً من السعودية والإمارات، وتمكّن من فرض نفوذه على قطاعات واسعة في دمشق وريفها.

وكان “جيش الإسلام” يمثل الواجهة السلفية المدخلية للثورة السورية، ما وضعه في صراع دموي مع جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام لاحقًا)، وأدى القتال بين الطرفين إلى مقتل أكثر من 700 عنصر، خاصة في مناطق مثل عربين، حزة، وعين ترما بريف دمشق.

ولاحقًا، ومع تغيّر التموضع الإقليمي، أصبح الفصيل أكثر براغماتية، لكنه ظل في نظر “تحرير الشام” وتركيا رمزاً لفكر منافس، ومشروع عربي لا يُناسب رؤية أنقرة لسوريا الجديدة.

خلافات فكرية وسياسية وميدانية

الصراع بين “جيش الإسلام” و”تحرير الشام” لم يكن فقط عسكرياً، بل حمل أبعاداً:

فكرية: جيش الإسلام يرى “تحرير الشام” امتداداً لفكر الخوارج، فيما وصفت الهيئة منظّري الجيش بأنهم “غلاة المرجئة” وضالّون.

سياسية: جيش الإسلام حاول التناغم مع السياسات الأميركية والخليجية، بينما ظلت الهيئة أداة تركية خالصة.

ميدانية: تنافس الطرفان على النفوذ في الغوطة وعلى السيطرة على أنفاق التهريب، ومراكز النفوذ المحلي.

إسقاط بويضاني… جزء من مشروع إقصاء النفوذ العربي

ويقرأ مراقبون اعتقال عصام بويضاني على أنه جزء من حملة منظمة تقودها أنقرة عبر أدواتها داخل سوريا، لإقصاء كافة التيارات التي لا تدين لها بالولاء الكامل. بعد حل جيش الإسلام، لم يعد أمام بويضاني منصة تنظيمية، لكن حضوره الرمزي والمجتمعي ظل مقلقاً للشرع وحلفائه الأتراك.

الرسالة التي أرادها الشرع واضحة: لا مكان لأي نفوذ خارج عن العباءة التركية في دمشق. وسوريا الجديدة، كما يُراد لها أن تكون، تُبنى على أنقاض التيارات العربية، وتُدار من غرفة عمليات واحدة تُمسك بكل الخيوط… في أنقرة.

 

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى