مأسـ ـاة العلويين في سوريا بين فصول القتـ ـل ومحاولات تركيا لاستـ ـغلالها لمصالحها

الاستغلال التركي: محاولة لصناعة "طلب شعبي" بالحماية

في ظل التحولات العاصـ ـفة التي شهدتها الساحة السورية منذ الإطـ ـاحة بنـ ـظام بشـ ـار الأسـ ـد في كانون الأول 2024، دخل الساحل السوري – معـ ـقل الطـ ـائفة العلوية – مرحلة جديدة من الانتهـ ـاكات الـ ـد.مـ ـوية والاستهـ ـداف الطـ ـائـ ـفي المنظّم. فقد وثّقت تقارير دولية مستقلة، أبرزها تقرير وكالة “رويترز”، سلسلة من الجـ ـرائـ ـم المـ ـروّعـ ـة التي راح ضـ ـحـ ـيتها آلاف المدنيين من الطـ ـائفة العلوية، على يد فصـ ـائل مسلـ ـحة تابـ ـعة للسلـ ـطة الجديدة بقيادة “هيـ ـئة تحـ ـريـ ـر الـ ـشـ ـام”.

وفي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة واحدة من أعنف موجات القتل على الهوية، تعمل تركيا بشكل منهجي على استغلال هذه المعاناة، في محاولة للظهور كـ”حامٍ” للطائفة العلوية، عبر أدواتها السياسية والميدانية في الداخل السوري.

فصل دموي جديد: مجازر بحق العلويين في الساحل السوري

ووفق تقرير موسّع نشرته وكالة رويترز، قُتل ما لا يقل عن 1500 مدني علوي خلال ثلاثة أيام فقط (7 – 9 آذار 2025)، في أكثر من 40 موقعاً بريف اللاذقية، على يد فصائل مسلحة سنية، بعضها يحمل إرثاً أيديولوجياً متطرفاً، أبرزها: “هيئة تحرير الشام، الفرقة 400، لواء عثمان، فرقة السلطان سليمان شاه، فرقة الحمزة”.

جميع هذه الفصائل مرتبطة بجهاز الأمن العام الذي يخضع بدوره للسلطة المركزية الجديدة، وتربطها تقارير أممية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

شهادات ناجين تحدثت عن تطهير طائفي ممنهج، حيث كانت المجموعات المسلحة تسأل السكان عن طوائفهم، ليُقتل العديد على الهوية. تم توثيق جرائم تعذيب، حرق جثث، وبتر أطراف في مشهد وصفه أحد الشهود بأنه “أسوأ من أي شيء شهده الساحل منذ بدء الحرب السورية”.

استمرار القتل والخطف بعد المجازر

رغم وعود السلطة الانتقالية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، بمحاسبة الجناة، لم تُقدّم أي محاكمات علنية حتى الآن، وسط تسجيل 20 حالة قتل جديدة لمدنيين علويين خلال شهري أيار وحزيران فقط، في كل من محافظتي اللاذقية وحماة.

وفي ريف حمص، عُثر على جثتي رجل وزوجته من أبناء الطائفة العلوية، أعدما ميدانياً بعد اعتقالهما من قبل جهاز الأمن العام.

وفي ريف جبلة، تم استهداف شابين علويين برصاص مباشر أثناء عملهما في أرضهما الزراعية.

وهذه الجرائم ليست سوى ما جرى توثيقه، في حين أن أعداد القتلى في مناطق سلطة دمشق على الهوية الطائفية منذ بداية العام تخطى 800 قتيل.

الحرائق: سلاح إضافي ضد المدنيين

وتشهد مناطق الساحل لليوم الخامس على التوالي حرائق مفتعلة التهمت مئات الهكتارات من الغابات والمناطق الزراعية في ريف اللاذقية. وأكد شهود عيان أن عناصر من فصائل مسلحة قاموا بإشعال الحرائق باستخدام أسلحة ثقيلة (عيار 23 ملم). وبإطلاق النار على المدنيين الذين حاولوا إخماد النيران. ومنعوا فرق الإطفاء من الوصول إلى مناطق الحرائق.

وقد تبنى تنظيم “سرايا أنصار السنة” هذه العمليات، ما يضع علامات استفهام على دوافع هذه الاعتداءات التي تأتي ضمن مخطط تجريف طائفي وبيئي.

تهجير واستيلاء على ممتلكات العلويين في ريف حماة

وبعيداً عن العنف المباشر، تتعرض القرى العلوية في ريف حماة الشرقي لحملة تغيير ديموغرافي ممنهجة تحت غطاء “الاستثمار الزراعي”. حيث صادرت اللجنة الاقتصادية التابعة لسلطة دمشق مئات الدونمات من أراضي العلويين، وخصّت بها شركة “اكتفاء” المرتبطة بالمكتب الاقتصادي لمحافظة حماة.

وجرى تهجير السكان قسرياً وسط تهديدات مستمرة وتضييق يومي. قرى مثل معان، الطليسية، أم قلق، والزغبة باتت شبه خالية من سكانها الأصليين، في ظل غياب أي ضمانات قانونية أو إنسانية.

الاستغلال التركي: محاولة لصناعة “طلب شعبي” بالحماية

ووسط هذه المعاناة، كشفت مصادر خاصة لـ”فوكس بريس” عن تحركات تركية ممنهجة لاستغلال المأساة، حيث أوضحت المصادر أن رئيس بلدية رأس العين في الساحل السوري تسلم 300 علم تركي بهدف استخدامها في مظاهرات يتم التحضير لها في الساحل للمطالبة بتدخل تركي لحماية الطائفة العلوية.

وتعهد رئيس البلدية بحشد 10 آلاف شخص للمطالبة بـ”حماية تركية”، في محاولة لصناعة مشهد شعبي مؤيد لتدخل أنقرة.

وفي هذا السياق، أوضحت المصادر أن الدولة التركية تروّج لفكرة أن العلويين يطالبون بالحماية التركية، وذلك ضمن حملة تهدف إلى تصوير هذه الدعوات وكأنها مطالب شعبية صادرة من داخل المجتمع المحلي، وليس نتيجة تدخل خارجي مباشر.

وأكدت المصادر بأنه يتم التحضير لتنظيم مظاهرات في مدينة جبلة ومركز محافظة اللاذقية، تتضمن طلباً رمزياً موجهاً إلى الدولة التركية من أجل حماية الطائفة العلوية هناك.

وتهدف هذه الخطة، وفق ما أكدته المصادر، إلى خلق غطاء أخلاقي وشعبي لتدخل سياسي أو عسكري تركي محتمل، بذريعة “حماية الأقليات”، في مشهد يعيد إلى الأذهان سيناريوهات مشابهة في مناطق أخرى من النزاع السوري.

اليوم، تمر الطائفة العلوية بأحد أكثر فصولها التاريخية ظلمة، بين مطرقة القتل والتهجير، وسندان الاستغلال السياسي الخارجي. وبينما تغيب المحاسبة والشفافية من قبل سلطات دمشق الجديدة، تسعى قوى إقليمية، وعلى رأسها تركيا، إلى تحويل معاناة المدنيين إلى أدوات سياسية وأوراق تفاوض.

ومع تكرار مشاهد التهجير والإبادة، يصبح من الملحّ تحرك المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات المستمرة، ومساءلة الجهات المتورطة، وحماية المدنيين العلويين من أن يتحوّلوا إلى كبش فداء جديد في لعبة النفوذ المستعرة على الأرض السورية.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى