رايتس ووتش: الحكومة السورية لم تكشف عن دور القيـ ـادات في أحـ ـداث الساحل

أفادت كل من “هيومن رايتس ووتش”، و”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، و”الأرشيف السوري” في تقرير صدر اليوم إن الحكومة السورية الانتقالية وعدت بالمحاسبة على أعمال العنف التي وقعت في ثلاث محافظات في مارس/آذار 2025، لكنها لم تقدم سوى قدر ضئيل من الشفافية بشأن ما إذا كان تحقيقها قد تناول دور كبار القادة العسكريين أو المدنيين، أو ما هي الخطوات التي ستتخذها لمحاسبة الذين يتمتعون بسلطة القيادة.

يوثق التقرير الصادر في51صفحة، بعنوان “‘أنت علوي؟’ الاستهداف القائم على الهوية خلال المرحلة الانتقالية في سوريا”، الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها القوات الحكومية، والجماعات المسلحة الموالية للحكومة، والمتطوعون المسلحون، بما يشمل الإعدامات التعسفية، والتدمير المتعمد للممتلكات، وإساءة معاملة المحتجزين. تُظهر النتائج أن هذه الجرائم وقعت في إطار عملية عسكرية منسقة مركزيا بإشراف وزارة الدفاع، التي واصل مسؤولوها تنسيق نشر القوات حتى بعد أن أصبحت عمليات القتل الجماعية معروفة للجمهور.

قالت هبة زيادين، باحثة أولى في شؤون سوريا في هيومن رايتس ووتش: “اعتراف الحكومة بالفظائع هو خطوة إلى الأمام، لكنه لا يرقى إلى تحقيق العدالة حيال المسؤولين رفيعي المستوى الذين مكّنوا هذه الجرائم أو لم يوقفوها. عدم محاسبة القادة والمسؤولين الذين نشروا القوات المنتهِكة أو وجّهوها يفتح الباب أمام المزيد من الأعمال الانتقامية والفظائع في سوريا”.

اندلعت أعمال العنف في مارس/آذار بموجة منسقة من الهجمات شنها بدءا من 6 مارس/آذار مسلحون وصفتهم الحكومة بأنهم موالون للنظام السابق بقيادة بشار الأسد. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن 200 عنصر تابعين للحكومة الانتقالية. ردت القوات الحكومية بعمليات تمشيط أمنية في أنحاء المنطقة، ارتُكبت خلالها انتهاكات وجرائم واسعة النطاق على أساس الهوية، استهدفت بشكل أساسي العلويين الذين يُنظر إليهم على أنهم موالون للنظام السابق.

التقرير الذي استند إلى أكثر من 100 مقابلة مع ضحايا وشهود ومقاتلين وصحفيين، بالإضافة إلى مواد سمعية-بصرية وصور أقمار صناعية تم التحقق منها، وثّق انتهاكات واسعة النطاق في أكثر من 24 بلدة وقرية وحي بين 6 مارس/آذار وحتى 10 مارس/آذار على الأقل. شملت هذه الانتهاكات الإعدامات التعسفية، ومداهمة المنازل، والنهب، والحرق، والانتهاكات على أساس الهوية.

رغم أن المنظمات الثلاث لم تجد أوامر مباشرة بارتكاب الفظائع، إلا أنها أكدت أن وزارة الدفاع في الحكومة الجديدة لعبت دورا مركزيا في حشد الوحدات وتنسيق انتشارها. حشدت السلطات عشرات آلاف المقاتلين من مختلف أنحاء البلاد، وخصصت لهم مناطق عمليات مشتركة. قال مقاتلون إنهم تلقوا أوامر عبر قنوات مرتبطة بالوزارة بتأدية مهام شملت تسليم المسؤولية عن المناطق التي أصبحت “آمنة” إلى قوات الأمن العام (الشرطة).

قال مقاتلون لـ هيومن رايتس ووتش إن القيادة العسكرية واصلت تنسيق القوات ونشرها حتى بعد أن علمت السلطات، أو كان ينبغي أن تعلم، بوقوع القتل والفظائع.

قال بسّام الأحمد، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لـ سوريون من أجل الحقيقة والعدالة: “ليس من الضروري وجود أمر يحمل توقيعا لمحاسبة كبار المسؤولين وقادة الفصائل. كان لدى مسؤولي وزارة الدفاع القدرة على حشد عشرات آلاف المقاتلين، وتحديد مناطق الانتشار الجغرافي وتوزيعها، وإبقاء العمليات مستمرة في عشرات البلدات لأيام. السؤال لا يتمحور فقط حول من أصدر الأوامر، أو ما إذا كان قد أصدرها، بل لماذا لم يتمكن أي شخص مسؤول من وقف القتل والنهب الواسع النطاق. هذا تقصير في القيادة وضعف في الإرادة”.

في 22 يوليو/تموز، قدمت “اللجنة الوطنية السورية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل” ملخصا لتقريرها النهائي في مؤتمر صحفي في دمشق، صرّحت فيه أن ما لا يقل عن 1,426 شخصا قُتلوا، وأن السلطات أحالت 298 مشتبها بهم إلى القضاء. تؤكد نتائج التحقيق وقوع فظائع جماعية ضد المدنيين، ما يمثل تحولا عن أجواء الإنكار والإفلات من العقاب الذي سادت في ظل حكومة الأسد، لكن التحقيق لم يتطرق إلى أوجه التقاعس المؤسسية الأعمق، بما في ذلك دور كبار المسؤولين في تمكين الانتهاكات الواسعة أو عدم منعها.

صوّرت اللجنة الهجمات على أنها أعمال ثأرية شخصية، لكن نتائجها هي نفسها، ونتائج التحقيق المشترك المعروض في هذا التقرير، تكشف عن حملة أوسع من العقاب الجماعي استهدفت المجتمعات العلوية. تُظهر العديد من الفيديوهات والأدلة التي راجعها الباحثون وتحققوا منها أن الضحايا غالبا ما تم استجوابهم بشأن هويتهم قبل قتلهم، وأن الجماعات المسلحة استخدمت عبارات مسيئة ضد العلويين خلال المداهمات.

قالت إحدى سكان قرية برابشبو في جنوب اللاذقية إنها وزوجها بقيا في المنزل مع أطفالهما الثلاثة في 8 مارس/آذار بعد أن طمأنهم مسؤولون محليون وقوات الأمن العام بأن المدنيين الذين يبقون في منازلهم لن يتعرضوا للأذى. في تلك الليلة، دخل مسلحون منزلهم، وسألوهم عما إذا كانوا علويين، وعندما علموا أنهم كذلك، أخذوا زوجها إلى الخارج وأطلقوا النار عليه عند عتبة الباب. قالت: “لم يسألوه عن عمله أو أي شيء، فقط أطلقوا النار عليه”.

اعترف بعض المقاتلين المرتبطين بالوزارة بأن الأشخاص أُعدِموا فقط بسبب هويتهم المتصوَّرة. قال عضو في فصيل سابق في “الجيش الوطني السوري” إنه خلال المداهمات من منزل إلى منزل، “قُتل الناس فقط لأنهم علويون”.

أشارت هيومن رايتس ووتش، وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، والأرشيف السوري إلى اعتراف اللجنة نفسها بأن قوات الأمن ارتكبت انتهاكات قبل مارس/آذار. وجد التحقيق المشترك للمنظمات أن أنماط الاحتجاز التعسفي، ومداهمات المنازل، والاستهداف على أساس الهوية في المجتمعات العلوية كانت قد بدأت قبل أسابيع في حمص وريف حماة. استمرت الانتهاكات مستمرة منذ ذلك الحين، وشملت تلك التي وقعت في محافظة السويداء الجنوبية في يوليو/تموز، حيث أفاد السكان المحليون الدروز بوقوع إعدامات تعسفية، ونهب، وتدمير للممتلكات خلال العمليات الأمنية الأخيرة التي نفذتها وحدات من وزارتَيْ الدفاع والداخلية.

قالت المنظمات إن تواصل اللجنة مع المجتمع المدني والجهات الدولية، بالإضافة إلى التزامها المعلن بتحقيق العدالة، يشكّل تطورا إيجابيا. توصياتها بشأن الإصلاحات المؤسسية وتدابير العدالة الانتقالية والتعويضات ودمج الجماعات المسلحة في هياكل شفافة وخاضعة للمساءلة هي مقترحات بنّاءة تتطلب متابعة عاجلة.

مع ذلك، تعتمد مصداقية هذه الجهود على الخطوات المقبلة، بما في ذلك الشفافية العلنية والمساءلة الجادة على جميع المستويات.

قالت المنظمات الثلاث إن على السلطات السورية نشر تقريرها الكامل عن التحقيق، وحماية هويات الشهود، وضمان الإجراءات القانونية الواجبة للمتهمين. عليها أيضا ضمان أن الإجراءات القضائية لا تقتصر على الجرائم الفردية، بل تشمل أيضا المسؤولية المؤسسية.

على السلطات أيضا السماح بوصول آليات المساءلة الدولية، بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة، وتنفيذ إصلاحات أمنية تشمل التحقق من خلفيات المقاتلين، وطرد المقاتلين المتورطين في الانتهاكات، وتطبيق هياكل قيادة ومدونات سلوك واضحة.

قالت جلنار أحمد، مديرة برنامج الأرشيف السوري: “الأمر لا يتعلق بما حصل في أسبوع واحد في مارس/آذار، بل هو مؤشر على نمط أوسع يحتاج إلى معالجة هيكلية وشفافة”.

المصدر: هيومن رايتس ووتش

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى