الرئيسية ثقافة وفن

علي بدرخان الكردي الذي غيّر وجه السينما المصرية

في السينما مبدعون يكرّسون حياتهم في سبيل تقديم فن راق تتناوله الأجيال باهتمام وتمحيص، والمخرج المصري ذو الأصل الكردي، علي بدرخان، واحد من هؤلاء المبدعين الذي يقدّمون أفكارا وأفلاما تجعل من حيواتهم ذاتها مادة غنية يمكن توثيقها في كتب أو أفلام أو أبحاث. وهو ما كان مع كتاب “الثائر” للناقدة السينمائية ميرفت عمر التي قدّمت فيه أطيافا من سيرة ومسيرة فنان قليل الإنتاج، لكنه عميق الأثر.

تمثّل مسيرة المخرج السينمائي المصري ذي الأصول الكردية علي بدرخان (من مواليد العام 1946) حالة متفرّدة في تاريخ السينما المصرية بما تحمله من خصوصية، فهو الشريك الفني الأهم لنجمة السينما المصرية والعربية الفنانة الراحلة سعاد حسني، حيث قدّم معها أفضل أفلامهما التي كانت علامات فارقة في تاريخ السينما المصرية عموما، بحسب تقرير لصحيفة العرب.

مشوار الطفولة والأحلام

يتشكّل لدى المخرج بدرخان ملمح خاص من خلال رصيده الفني الذي لم يتجاوز العشرة أفلام، لكن ذلك الرصيد القليل نسبيا وضعه بقوة في قائمة أفضل المخرجين في السينما العربية، حيث وجدت خمسة من أفلامه العشرة في قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

وأفلامه العشرة هي: “الرغبة” (2002)، “نزوة” (1996)، “الرجل الثالث” (1995)، “الراعي والنساء” (1991)، “الجوع” (1986)، “أهل القمة” (1981)، “شفيقة ومتولي” (1978)، “شيّلني وأشيّلك” (1977)، “الكرنك” (1975) و”الحب الذي كان” (1973).

وبدرخان الذي عاش حياة سينمائية شديدة الثراء، تقلب في العديد من مفاصلها وعمل في العديد من مهنها، حملت الدورة الأحدث لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط (الدورة السابعة والثلاثين) اسمه تكريما لمسيرته الفنية الطويلة. وبالمناسبة صدر عن المهرجان وباسم الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما كتاب حمل عنوان “الثائر” من تأليف الناقدة السينمائية ميرفت عمر قدّمت فيه أطيافا من حياة بدرخان الشخصية والمهنية مستعرضة جوانب عديدة من حياته. وكان الكتاب ضمن مجموعة من الكتب التي صدرت عن المهرجان وعددها ستة عشرة.

جاء في كتاب “الثائر” أنه كان بالقرب من معهد السينما في القاهرة منزل لمخرج سينمائي شهير هو أحمد بدرخان، والد علي، وهو الأمر الذي وفّر للطفل علي وعيا خاصا بالسينما، فكان يعيش عوالمها في بيته وهو يشاهد أقطاب الحياة السينمائية يتقاطرون إلى البيت الذي يعيش فيه لكي يتموا مع والده المخرج تفاصيل أعمالهم السينمائية القادمة. كما أن قرب بيته من المعهد جعله في تواصل دائم مع طلبة المعهد وأجوائه، الأمر الذي متّن علاقته بهذا الفن الذي شغف به وهو يافع.

واستعرضت ميرفت عمر في كتابها مفاصل من حياة بدرخان الابن وقدّمت على لسانه بعضا من الأحداث التي رافقت أو تلت تحقيق أفلام أو أحداث محدّدة، والتي جرت بينه وبين قامات فنية كبيرة، مثل تلك التي جمعته بنجيب محفوظ وصلاح جاهين وسعدالدين وهبة ويوسف شاهين وممدوح الليثي ورفيق الصبان وعاطف سالم وخيري بشارة ومحمد فاضل وأحمد زكي ونور الشريف وآخرين، وهو جانب وفّر للكتاب جانبا مشوّقا يرغبه القارئ عادة لمعرفة بعض تفاصيل حياة مشاهير الفن والأدب متتبّعا سيرة ومسيرة قامات فنية شكّلت عبر سنوات وعيه وفكره.

ولم تقف عمر في كتابها عند حدود المهني السينمائي، بل كتبت عن الصفة الثورية التي كان عليها علي بدرخان سواء تعلق الأمر بمفاهيمه الحياتية العادية أو المفاهيم الوطنية الكبرى التي تخصّ أحلامه وتطلعاته القومية كقضية التحرّر الوطني العالمي وفلسطين وغيرها.

فبدرخان كما تبيّن عمر في كتابها “إنسان ثائر بطبعه، يهتمّ بالتغيير وتحسين ظروف حياة الناس البسطاء خاصة المرأة، وهو كذلك ثائر بالمعنى العام للكلمة. وقد ترجم ذلك عندما ذهب ليتطوّع في أعمال عسكرية أثناء حرب أكتوبر رغم كونه غير مكلّف بخدمة العلم. وكذلك حين أقدم على تنفيذ فيلم عن القضية الكردية والقيادي فيها مصطفى البارزاني، وهو المشروع الذي لم يكتب له الخروج إلى النور رغم الجهود التي بذلت بشأنه عبر سنوات طوال”.

وحياة بدرخان الابن طويلة ومليئة بالأحداث التي تشكّل مادة يمكن من خلالها تأليف العديد من الكتب، وبسبب تنقله بالعمل بين مهن السينما إخراجا وتدريسا وإدارة نقابية وما واجهه في كل ذلك من حروب وتحالفات فنية مختلفة، وبالتالي أحداثا يومية كثيرة، أوجد مشكلة كبرى في تناول الأهم الذي يجب أن يكتب عنه.

وتقول عمر في ذلك “حاولت في كتابي توثيق كل ما يتعلق بمسيرة حياة علي بدرخان، كانت هناك ضرورة لإلقاء الضوء على المحطات الهامة والأكثر حساسية في حياته. فمسيرته مليئة بالأحداث التي تملأ كتبا كثيرة، فكل محطة من حياته تصنع كتابا وكان صعبا أن يضمها كتاب مخصّص لتكريم فنان في مهرجان، لذلك لجأت إلى الاجتزاء منها”.

وتضيف “مسيرة بدرخان تحتمل أن تكون فيلما سينمائيا، لأن فيها تشويقا وإثارة وتنقلات ومحطات بارزة.. وعندما أعددت الكتاب لاحظت أن له دورا مؤثرا في حياة طلابه المهنية، فلا تنتهي علاقته بطلابه بعد التخرّج، حيث يزوره طلابه بشكل دائم ويتواصل معهم شخصيا ومهنيا لأوقات طويلة، ويقدّم لهم العون في مشاريعهم السينمائية المختلفة”.

كذلك ذهبت مؤلفة الكتاب في تفصيل نادرا ما يظهر في كتب تراجم الأشخاص، وخصّصت له مساحة في الكتاب، فقدّمت فيه فصلا عن أصوله الكردية وكيف جاء جدّه وأسّس قبل ما يقارب المئة عام أول صحيفة كردية في القاهرة، مستعرضا الكتاب في هذا الجانب معلومات عن تلك الجذور التي يعتزّ بها علي بدرخان، وتحدّثت الكاتبة عن حلمه الفني بأن يصنع فيلما عن الملا مصطفى البارزاني، مبيّنة كفاحه الشاق لتحقيق هذا الفيلم الذي قابل لأجله مسؤولين في العراق، لكنه في النهاية لم ينفّذ.

وتضيف عمر “كان بدرخان مناضلا تجاه الإنسانية فهو مع أي شعب تحت الاحتلال أو مضطهد، وله صولات وجولات في دعم كل حركات التحرّر الوطني والشعبي في العالم وعمل الكثير عند اجتياح لبنان، وكان مهتما بشأن العديد من بلدان عالمنا العربي، ويتفاعل مع أحداث العراق وسوريا وفلسطين ولبنان وليبيا، وبالطبع الأحداث الأشدّ قربا في مصر”.

مكتشف النجوم

في كتابها “الثائر” تناولت الكاتبة ميرفت عمر سيرة حياة بدرخان الإبداعية بشكل أوجدت فيه مستويين في اللغة. فظهرت اللغة الأدبية البسيطة حينا إلى جانب العامية المصرية حينا آخر. وهذا ما أوجد في الكتاب أسلوبا سهلا يمكن فهمه من جميع الشرائح.

وتقول الكاتبة عن ذلك “اللغة تحمل روح الفنان أو الشخص، وعمدت مع علي بدرخان أن أعطيه الكلام على حريته حيث يظهر كما يريد، فظهرت اللغة البسيطة وأحيانا العامية. وهي لغة بعيدة عن الشكل الجاف، حيث يمكن فهمها دون أن نحتاج إلى قواميس. وكان هذا هدفا واضحا لي، لأن الكتاب موّجه للجميع.. لغتي كانت أدبية وهي الأقرب لي عندما أتحدّث أنا، لكن عندما يتحدّث هو فإن اللغة تذهب إلى البساطة والعامية”.

وتبرز أهمية تناول حياة مخرج سينمائي في قيمة علي بدرخان في كتاب من خلال ما يقدّمه للقارئ من معلومات تمكنّه من التعرّف على مكانته في حركة السينما المصرية، وكذلك الوجوه الفنية التي عمل معها أو قدّمها للوسط الفني كالفنان الراحل أحمد زكي، وكذلك شريكته في الفن والحياة سعاد حسني والتي ظهرت معه بشكل مختلف عن الآخرين.

وفي ذلك تقول ميرفت عمر لـ”العرب” إن “علاقته مع العديد من الشخصيات الفنية متفرّدة وهامة، منها علاقته بسعاد حسني الممثلة التي كان يقول عنها إنها ممثلة متميزة سهلة التشكيل ويمكن أن تقدّم الكثير من الأدوار، وهي فنانة تعيش شخصيتها بموضوعية وعمق”.

وسعاد حسني بالنسبة إليه هي الخيار الأول في أي عمل يقوم به، وهي كنجمة سينمائية عملت مع الكثير من المخرجين الآخرين، لكنها كانت في أعماله متميزة عن الأفلام التي عملتها مع غيره. كذلك كان لبدرخان دور وعلاقة خاصة في ارتباطه بالفنان أحمد زكي الذي راهن عليه بقوة في فيلم “الكرنك” الذي لم يعمل به لظرف إنتاجي، ولكنه قدّمه لاحقا في فيلم “شفيقة ومتولي” الذي جمع زكي بسعاد حسني، وحقّق نجاحا هائلا.

وتضيف عمر في كلمات “علي بدرخان قامة فنية كبيرة وغنية يمكن الحديث عنها كثيرا وعميقا وبعيدا”.

مشاركة المقال عبر