سوريا

كثرة العراقيل تعيق عودة هدير الآلات في مصانع حلب

تتعاظم التحديات أمام عودة وتيرة النشاط الصناعي في حلب يوماً بعد يوم بسبب قيود العقوبات الغربية التي لا تزال جاثمة على عودة الحياة الطبيعية بالمدينة، في ظل كثرة العراقيل التي تعيق عودة هدير آلات المنشآت على النحو الذي يطمح إليه أصحابها.
ويعكس استمرار تذمر أصحاب المصانع في مدينة حلب جراء تعطل نشاطهم أن محاولات الحكومة السورية لدعم قطاع الأعمال في المناطق الخاضعة لسيطرتها لم تحقق أهدافها بالنظر إلى حجم الصعوبات المحاصرة بقلة التمويلات أصلا.
ورغم أن الصناعيين بالعاصمة التجارية والصناعية للبلاد نفضوا الغبار عن نشاطهم الذي تضرر بفعل الحرب فإنهم مازالوا يواجهون كثرة العراقيل التي كانت بمثابة وضع العصي في العجلات فحالت دون دوران المعامل الراغبة في العمل بكل طاقتها الإنتاجية، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وقلة من المصانع نجت من الأضرار الهائلة التي خلفتها الحرب التي قسمت المدينة بين طرفي النزاع في 2012، بعدما كان إنتاجها يعد فخر الاقتصاد السوري وذائع الصيت في العالم العربي.
ويقول الصناعيون الذين عادوا إلى حلب قبل ست سنوات بعد انتهاء المعارك في المدينة إنهم أمام تحديات شاقة أبرزها نقص إمدادات الكهرباء وقلة العمال والعقوبات الدولية، إضافة إلى صعوبة التواصل مع الزبائن وتحويل الأموال والحصول على قطع الغيار.
وفي المدينة الصناعية بحي القاطرجي تبدو آثار الحرب والدمار واضحة المعالم حتى الآن ، فالمباني المدمرة والمتضررة شاهدة على ضراوة المعارك هناك وتروي حكايات مؤلمة لمن يريد أن يسمعها.
ورغم سوداوية المشهد وحجم الأضرار الكبير بات بعض أهالي المدينة أكثر إصرارا على إعادة دوران عجلة الحياة، فكان صوت الآلات أعلى من صوت الحرب، وتجسد ذلك في الحركة النشطة للناس والعمال، الذين يريدون أن يرسموا مشهدا جديدا لحلب.
واشتهر أهالي حلب قبل نشوب الحرب بحبهم للعمل والإنتاج، وكانت معظم المصانع متمركزة في المدينة وتعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع حتى في عطلة نهاية الأسبوع، الأمر الذي أكسب المدينة وأهلها سمة العاصمة التجارية والصناعية.
وعندما توقفت المعارك في مدينة حلب أواخر عام 2016 سارع الصناعيون، الذين بقوا في البلد وفي حلب تحديدا، إلى محاولة إعادة بعض الألق لتلك المدينة المنهكة بالحرب عبر عودة عمل المعامل ضمن الإمكانيات المتاحة.
ولم تكن مفاجِئة للمتابعين مشاهدةُ شيء جديد في المدينة ما بين مصانع عادت إلى العمل بعد ترميمها، وساحات هامة تم إصلاحها، وعودة الأسواق الأثرية الهامة في حلب القديمة إلى الحياة وبنفس الطراز المعماري.
ورغم كل هذه الإيجابية المتجذرة في نفوس أهالي حلب للخروج من تحت الأنقاض والبدء بالعمل إلا أن عقوبات “قيصر” كانت العقبة الأكبر أمام تلك الشريحة من الناس في حلب خصوصا وسوريا عموما.
ومع مرور الذكرى الحادية عشرة للحرب، ودخولها عاما جديدا، لا يزال الصناعيون في حلب يعانون من نقص الوقود والكهرباء وقطع غيار آلاتهم ، فضلاً عن عدم القدرة على التصدير أو الاستيراد نتيجة تلك العقوبات.
وقال أمين سر المنطقة الصناعية بالقاطرجي عبدالسلام مزيك لوكالة شينخوا إن “الصناعيين في حلب أسرعوا في إنفاق كل مدخراتهم لإعادة بناء مصانعهم والبدء من الصفر”.
لكنه أشار إلى أن العقوبات أثرت على الصناعيين بمن فيهم من يعملون في صناعة النسيج، حيث يجدون صعوبة في إيجاد قطع غيار للآلات والخيوط القطنية لإنتاجهم، ناهيك عن صعوبة تصدير منتجاتهم لعدم وجود معاملات بنكية من وإلى سوريا.
وأوضح مزيك أنه “بعد العقوبات تأثرنا بشكل كبير، من حيث الخيوط عانى مصنعو المنسوجات من تأمين الخيوط وقطع غيار النول”. وأكد أن حوالي 30 إلى 40 في المئة من هذه المصانع أغلقت.
وبحسب بيانات نشرتها وكالة الأنباء السورية عن غرفة صناعة حلب فقد ضمت المدينة قبل الحرب 35 ألف منشأة، لكن العدد تراجع في ذروة الحرب إلى 2500 منشأة، وبعد سيطرة القوات الحكومية على كامل المدينة عاد تقريبا نحو 19 ألف مصنع فقط إلى العمل.
وفي مصنع نسيج بالقاطرجي قال صالح مزيك مالك المعمل، وهو من أقارب عبدالسلام، إن الحظر الذي فرض على سوريا أثر على قدرته على تأمين خيوط القطن، مشيرا إلى أن قطع غيار آلات النسيج تكاد تكون غير موجودة وإذا تم تأمينها فهي باهظة الثمن.
وقال الرجل البالغ من العمر 53 عاما إنه يعمل بأقصى طاقته “لأنه يريد كسب لقمة عيشه والشعور بطعم الحياة”.
وتابع “بالنسبة إلى الصادرات فإن العراق فقط يستورد البعض من المنتجات، وكذلك لبنان، ولكن لا توجد صادرات مثل السابق، والوضع صعب وسبل العيش تتأثر بشكل كبير”.
وفي مصنع نسيج ثان بالمنطقة أكد عبدالمنعم الهاشمي أن مصنعه كان يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع قبل الحرب، مشيرا إلى أنه الآن لا ينتج سوى نصف إنتاجه المعتاد.
وقال “في الماضي كنا نعمل على مدار العام في الشتاء والصيف، ولكننا بالكاد نستطيع الآن أن نصنع نصف إنتاجنا المعتاد في موسم واحد بسبب العقوبات وارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للناس”.
وأشار إلى أن رفع العقوبات الأميركية أمر حاسم بالنسبة إلى الأعمال التجارية للعودة إلى أوقات ما قبل الحرب، ما سينعكس إيجابا على النشاط الاقتصادي بشكل عام.
ويتفق الصناعيون على أنه لكي يعود الإنتاج كما كان ثمة عدة عوامل يجب أن تتوفر، تشمل رفع العقوبات على الواردات والصادرات وتوفير الكهرباء على مدار اليوم، والحصول على وقود كاف في حالات الطوارئ لأن شبكة الكهرباء تتعرض أحيانا لبعض الأعطال.
وقبل الحرب كانت الحكومة تقدم دعما قويا للمصانع حيث تزودها بكل الوسائل اللازمة لمنتجات النسيج مثل الوقود وخيوط القطن وخيوط البوليستر، لكن اليوم الوضع اختلف كثيرا.

مشاركة المقال عبر