سوريا

بعد 4 سنوات من السيطرة التركية … تتريك وتغيير ديموغرافية عفرين عبر المنظمات والجمعيات

يصادف يوم غد الـ 18 من آذار/مارس، الذكرى الرابعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها على منطقة، خلال 4 أعوام، عملت تركيا خلالها على تتريك المنطقة وتغيير ديموغرافيتها عبر العديد من المنظمات والجمعيات التي تتستر بشعار إنساني، لكنها تعمل لغايات سياسية وتخدم الأجندات التركية في المنطقة.
يكاد لا يمر يوم وإلا نسمع فيه عن اعتقال واختطاف الفصائل الموالية لتركيا والشرطة العسكرية التي دربتها تركيا، المواطنين في عفرين والزج بهم في السجون، وإطلاق سراح بعضهم بعد دفع مبالغ مالية طائلة، علاوة على استمرار عمليات تدمير الطبيعة وقطع الأشجار وبيعها كحطب أو تجريف المواقع والتلال الأثرية بحثاً عن اللقى والآثار من أجل بيعها وتهريبها إلى تركيا لطمس هوية المنطقة وتاريخها.
ووثقت منظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا، اختطاف أكثر من 8063 مدني خلال أربع أعوام من السيطرة التركية، وفقدان أكثر من 655 مدنياً لحياتهم، 90 منهم فقدوا حياتهم تحت العذيب، وجرح أكثر من 696 نتيجة القصف التركي. وانخفض نسبة الكرد في عفرين الآن إلى أقل من 15% بعدما كانوا يشكلون أكثر من 95 % من مجموع السكان قبل بدء الهجمات التركية في 18 كانون الثاني عام 2018.
ودمرت القوات التركية والفصائل الموالية لها حتى الآن أكثر من 60 موقعاً أثرياً ومزاراً ودور عبادة منهم (معبد عين دارة المصنف على لائحة منظمة اليونيسكو، النبي هوري المصنف على لائحة منظمة اليونيسكو، مزار شيخ حميد، مزار بافلون وقرة، ومزار قرية سينكا، مزار الشيخ حنان قرب، ومزار سارة قيزة – خلنيرة، ومزار عبد الرحمن، ومزار قرية إيسكا، مدرج النبي هوري، تل ديرصوان، وعرب شيخو، وتل عبيدان، كهف دودري – شيراوا… وغيرها الكثير).
وقامت تركيا بتغيير كل المعالم التي تشير إلى كوردية عفرين، فقطعت أشجار الزيتون ودمرت الآثار والمزارات الدينية، وفرضت اللغة والعملة التركية على المواطنين، كما أصدرت بطاقات شخصية لهم، وربطت كل شيء في عفرين بتركيا.
وتفعل تركيا كل هذه الجرائم ليس بشكل مباشر بل عبر طريق أذرعها، فعمليات الاختطاف والاعتقال والقتل وتدمير الطبيعة والمواقع الأثرية تتم عبر الفصائل التي دربتها وتمولها، وخير مثال على ذلك جرائم المدعو أبو عمشة التي تطرقت الفصائل الموالية لتركيا نفسها وشيوخها إليها، ولكن ذلك لم يغير الحقيقة بالإبقاء على أبو عمشة في منصبه بأوامر من الاستخبارات التركية رغم قرار مشايخهم بنفي أبو عمشة وعدم تسليمه أي مهمة لا في الوقت الحالي ولا مستقبل في المناطق التي تسيطر عليها تركيا.
أما الذراع التركي الثاني في تطبيق سياساتها وجرائمها في عفرين فهي الجمعيات والمنظمات التي تقول إنها تعمل لغايات إنسانية ولكنها في حقيقة الأمر تعمل لغايات سياسية تحت اسم المساعدات الإنسانية.
فعلى أنقاض المباني التي دمرتها الطائرات والمدافع والدبابات التركية، في عفرين، تَعمل تلك المنظمات والجمعيات على تشييد مبان ووحدات استيطانية لإيواء المستوطنين، لتغيير التركيبة الديموغرافية في هذه المنطقة ذات الغالبية الكوردية.
ومن بين القرى الاستيطانية التي تم إنشاءها تحت مسمى “مشاريع خيرية” قرية “كويت الرحمة” التي تقع بين بلدتي قيبار والخالدية بناحية شيراوا بريف عفرين، وتم بناء القرية من قِبل جمعية “شام الخيرية”، وهي جمعية كويتية فلسطينية، بمشاركة بعض المنظمات التركية العاملة في الشمال السوري.
كما تعمل جمعية خيرية وبدعم جمعية “الأيادي البيضاء” الكويتية على بناء قرية استيطانية (بسمة)، في منطقة شادير بريف شيراوا جبل ليلون، بريف عفرين. لتوطين عائلات محسوبة على الفصائل الموالية لتركيا وخاصة التركمان.
ووفقَ “المرصد السوري” فقد تم توطين أكثر من 270 ألف نسمة من عوائل عناصر الفصائل الموالية لأنقرة، والمهجرين والنازحين من أرياف دمشق وحماة وحمص وإدلب وغرب حلب في إطار صفقات بين تركيا وروسيا، ضمن منازل وممتلكات أهالي منطقة عفرين، وفي مخيمات أنشئت قرب مدينة عفرين، قرية محمدية- جنديرس، قرية آفراز- معبطلي، بلدة راجو، بلدة بلبل، قرية كفرجنة، قرية ديرصوان، ومناطق أخرى في المحافظة.
ومؤخراً باشرت القوات التركية والفصائل بالعمل على بناء /7/ قرى استيطانية بغية توطين القادمين من باقي المحافظات فيها في إطار التغيير الديمغرافي، بالاعتماد على منظمات تابعة لها، وعبر مؤسسة “إدارة الكوارث والطوارئ التركية- AFAD”، ودول خليجية، وهي تقع في (جنوبي قرية “شاديرِه”- شيروا، جبل “شيخ محمد” شمالي بلدة كفرصفرة- جنديرس، جبل “شوتي- – طريق جبل قازقلي شمالي بلدة كفرصفرة- جنديرس، موقع “ليجه” بين قريتي “قرمتلق و جقلا تحتاني”- شيه/شيخ الحديد، قرب المستوصف في بلدة شيه/شيخ الحديد، موقعٍ جبلي قرب قرية “حج حسنا”- جنديرس، قرب قرية “خالتا”- شيروا)، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبالتزامن مع بناء الوحدات الاستيطانية، تعمل بعض الجمعيات على افتتاح مدارس شرعية ومدارس أخرى من أجل نشر الفكر التركي بين السوريين عموماً وأبناء عفرين خصوصاً، وفي سياق بناء المستوطنات وافتتاح المدارس لتغيير ديموغرافية عفرين وتتريكها، بدأت ما تسمى “جمعية التمييز الإنسانية الكويتية ومنظمة الوطن” بتشييد مدارس منها “مدرسة علي عبد الله في ناحية موباتا”. ويشرف على هذه المدرسة المدعو باسم محمد حسن مدير المدرسة.
وجمعية التمييز الإنسانية، هي جمعية كويتية تأسست سنة 2016 وهي مسجلة رسمياً في وزارة الشئون الاجتماعية الكويتية.
أما منظمة وطن، فهي تأسست رسمياً في تركيا عام 2012 ويتولى إدارتها سوريون وأتراك، ولكن يعود عملها إلى ما قبل ذلك وتحديداً عام 2006، ما يجعلها منظمة تركية تم إدخال بعض السوريين التابعين لتركيا لإدارتها من أجل إضفاء الشرعية لعمليات التتريك الحاصلة في عفرين.
وفي ذات السياق، تستعد جمعية “الأيادي البيضاء” لفتح مدرسة باسم الإمام الخطيب في ناحية جنديرس بمدينة عفرين.
وتسمى مدارس الإمام الخطيب أيضاً باسم “ثانوية إمام خطيب”، وهي مؤسسة رسمية للتعليم الثانوي في تركيا (والتعليم الإعدادي) تعمل على تخريج أئمة وموظفين حكوميين للعمل في المساجد والإدارات الدينية، وهي امتداد للتعليم الديني في دولة الخلافة العثمانية.
وتعمل مدارس إمام خطيب تحت “الإدارة العامة للتربية الدينية” (بالتركية: Din Eğitimi Genel Müdürlüğü)‏ التابعة “لوزارة التربية الوطنية” (بالتركية: Milli Eğitim Bakanlığı)‏ في تركيا، وتُعتبر مدارس إمام خطيب من الناحية الرسمية “مدارس مهنية”، ولكن نتائج بعض البحوث كشفت أن النظرة السائدة في المجتمع التركي لها هي “أنها مؤسسات تعليمية مُدعمة بالثقافة الدينية” وليست “مدارس مهنية”.
وجمعية الأيادي البيضاء أيضاً تم تشكيلها من قبل تركيا وإدخال بعض السوريين إلى إدارتها للتغطية على الأهداف التركية، فهذه الجمعية حصلت على الترخيص للعمل في تركيا وإنشاء مكتب في مدينة اسطنبـول بتاريخ 27/02/2013، تحت اسم BEYAZ ELLER YARDIMLAŞMA DERNEĞI، وفي 24/09/2014 حصلت على ترخيص لمكتب أنطاكيا، المعني بتفيذ السياسات التركية في مناطق الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركيا وفصائلها.
وتعمل هذه الجمعية حالياً على بناء مساجد في عفرين وخصوصاً في القرى الإيزيدية في عفرين، وذلك بهدف طرد الإيزيديين ونقل مستوطنين إلى قراهم، ويتم العمل على هذا المخطط تحت اسم “مشروع نور الهدى لبناء المساجد”.
وتنفذ هذه الجمعية السياسات التركية عبر الدعم الذي تحصل عليه من جمعيات كويتية، وافتتحت مدرسة في قرية شوربة في ناحية معبطلي بالتعاون مع جميعة القلوب البيضاء حول العالم من دولة مصر العربية، وكذلك افتتحت مدرسة شرعية في منطقة جنديرس بريف عفرين، إلى جانب قرية بسمة الاستيطانية في قرية شاديريه بريف عفرين.
وأيضاً، هناك منظمات تم إنشاءها في الداخل السوري، ويتم استغلالها من قبل تركيا لتنفيذ سياساتها، ومنها منظمة الأمين، التي افتتحت في تشرين الثاني المنصرم، مدرسة باسم “الشهيد محمد أمين” في ناحية راجو.
وتقول المنظمة أنها سمت نفسها على اسم الشاب “أمين حرصوني” الذي قتل برصاص قوات الحكومة السورية في مدينة أريحا جنوبي إدلب، ولكن هذه المنظمة تنشط في عفرين وليس في المدينة التي ينحدر منها الشاب وقتل فيها عام 2012. وبالتالي فأن هذه المنظمة أيضاً تعمل على خدمة السياسات التركية في منطقة عفرين.
وعلى الرغم من الفقر المدقع وانتشار المئات من مخيمات النازحين في إدلب والبكاء دوماً على الأطفال والنساء هناك، إلا أن المنظمات العاملة في الشمال السوري الذي تسيطر عليه تركيا وفصائلها، تعمل على قدم وساق لتغيير ديموغرافية عفرين وتهجير سكانها وتوطين آخرين مكانهم، في حين يبقى النازحون السوريون في إدلب والذين يقدر عددهم بحوالي 3 مليون حسب إحصاءاتهم بعيدين عن الخدمات ويعيشون في فقر مدقع.

مشاركة المقال عبر