سوريا

مسودة أميركية لاتفاق سوري ـ إسرائيلي: التخلي عن إيران و«حزب الله»… مقابل استعادة كامل الجولان

كشف كتاب فريد هوف «بلوغ المرتفعات» تفاصيل المحادثات السرية بين دمشق وتل أبيب بين 2009 و2011، وكانت الحكومة السورية قريبة جداً من توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل ولكن الأزمة التي اندلعت حالت دون ذلك.
بين أبريل (نيسان) 2009 ومنتصف مارس (آذار) 2011، كان الدبلوماسي والمبعوث الأميركي فريد هوف «يعيش الحلم». فكرة تحقيق سلام بين سوريا وإسرائيل، خطرت في ذهنه للمرة الأولى عندما كان يزور دمشق وهو في السادسة عشرة من عمره، باعتباره طالباً أميركياً زائراً. وبعد 45 عاماً، سنحت له فرصة تحويل الفكرة إلى «حقيقة». لكنها كغيرها من فرص السلام الضائعة، سرعان ما وصلت إلى «فشل يلاحقني بقية أيام حياتي».
قصة التحليق إلى قمة التفاؤل والانحدار إلى قعر الخيبة، بحسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط، يرويها هوف في كتابه الجديد «بلوغ المرتفعات: قصة محاولة سرية لعقد سلام سوري – إسرائيلي»، الذي صدر عن «المعهد الأميركي للسلام» في واشنطن.
وساطة هوف خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لم تقم على المقايضات السابقة «الأرض مقابل السلام»، أي أن تقوم إسرائيل بإعادة هضبة الجولان السورية المحتلة مقابل توقيع دمشق اتفاق سلام وإقامة علاقات طبيعية، لا على معادلة «السلام مقابل السلام»، كما اقترحت أفكار أخرى.
مقاربة هوف، قامت على مقايضة من نوع آخر: إعادة الأرض مقابل التموضع الاستراتيجي. ماذا يعني هذا؟ أن تعيد تل أبيب الجولان مقابل تخلي دمشق عن تحالفها وعلاقاتها العسكرية مع إيران و«حزب الله» و«حماس». هذا هو جوهر الحراك الأميركي السري بين 2009 و2011. وهذا ما فهمه أيضاً المبعوث الأميركي السابق دينس روس؛ إذ يقول إن «بلوغ المرتفعات» لم يقدم «صيغة الأرض مقابل السلام، وإنما قدمت صيغة الأرض مقابل إعادة الترتيب الاستراتيجي لسوريا، مع ابتعاد سوريا عن إيران و«حزب الله».
هوف، الخبير والمبعوث والعسكري، الذي عُرف بأنه بين أوائل من رسموا «خط 4 يونيو (حزيران) 1967» الذي كان محور جدل ومقترحات لإبرام الاتفاق السوري – الإسرائيلي، كثيراً ما يتساءل حالياً عما إذا كان الرئيس بشار الأسد بالفعل يريد صفقة «الجولان – التموضع الاستراتيجي»، خصوصاً أنه عزز تحالفه مع طهران و«حزب الله»، بعد احتجاجات 2011.
حالياً، سوريا مقسمة إلى ثلاث مناطق نفوذ. إيران باتت حاضرة في ثلثي سوريا، وروسيا أيضاً. وغارات إسرائيل تلاحق «مواقع طهران» بصمتٍ من موسكو. أميركا وتركيا حاضرتان عسكرياً فيما تبقى من البلاد. وهناك مبادرات سرية وعلنية كثيرة وخطوات «تطبيعية» مع دمشق، لفك الارتباط بين سوريا وإيران و«حزب الله». ولا شك أن محاولة هوف قبل أكثر من عقد، تشكل مرجعاً فيه الكثير من الدروس.
بعد انطلاق عملية السلام في مؤتمر مدريد 1991، جرت جولات عديدة من المفاوضات السورية – الإسرائيلية العلنية والسرية، السياسية والأمنية والعسكرية، في أميركا وأوروبا. وفي 1993، كانت هناك نقطة تحول قادها الرئيس الأميركي بيل كلنتون، لدى تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين بالانسحاب الكامل من الجولان مقابل علاقات سلمية وترتيبات أمنية. وعرفت تلك المبادرة بـ«وديعة رابين». وبعد جمود بسبب اتفاق أوسلو في 1993، جرت محاولات أميركية أخرى على المسار السوري، مع تغير الحكومات في تل أبيب. وكانت على وشك إنجاز اتفاق سلام في قمة الرئيسين حافظ الأسد وبيل كلنتون في 2000، لكن الخلاف على الخط النهائي للانسحاب من الجولان والوصول إلى بحرية طبريا في الهضبة السورية، حالا دون ذلك.
وبعد وصول الرئيس بشار الأسد، جرت محاولات أيضاً، كانت أبرزها خلال فترة العزلة الدولة على دمشق، الوساطة التركية بين عامي 2007 و2008. التي تعمقت في تحديد خط الرابع من يونيو، الذي كانت دمشق تريد الانسحاب الإسرائيلي إليه. كما تناولت تفاصيل الترتيبات الأمنية والعلاقات التطبيعية (دمشق كانت تسميها علاقات سلم عادية أو طبيعية)، إلى حد أن أنقرة اقترحت ترتيب لقاء مباشر سوري – إسرائيلي بين الأسد ورئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت. أيضاً، انهارت الاتصالات وشنّت إسرائيل الهجوم على غزة دون تشاور مع أنقرة.
على هذه الخلفية، جاء جهد هوف بالانضمام إلى الخارجية الأميركية في أبريل 2009، بعد فوز بنيامين نتانياهو (الذي كان فاوض الأسد الأب عبر الوسيط السري الأميركي رولاند لاودر بين 1996 و1999) وقيام أوباما بتكليف السيناتور جورج ميتشل قيادة فريق السلام في الشرق الأوسط.
في 2009، قام ميتشل وهوف بزيارة دمشق مرتين وتل أبيب أيضاً، لاختبار احتمال استئناف مفاوضات المسار السوري. وفي 2010، تواصلت رحلات هوف الدورية إلى سوريا وإسرائيل. مفتاح التحرك للوساطة الأميركية، تحول تدريجياً من الحصول على «الوديعة» إلى إقناع قادة إسرائيل بالفوائد الأمنية المحتملة من السلام مع سوريا بدلاً من صيغتهم «الأرض مقابل السلام».
في خضم ذلك، وفي مايو (أيار) 2010، اجتمع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، جون كيري، بالرئيس الأسد في دمشق، حيث ظهر من خلال وثيقة خطية «انفتاح الأسد على اتفاق سلام يلبي جميع المتطلبات الإسرائيلية في مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى خط 4 يونيو 1967».
في موازاة ذلك، نجح المبعوث الأميركي السابق دينيس روس في ترتيب عقد لقاءات له وهوف مع نتنياهو. في هذه اللقاءات، عرض الأميركيان مسودة وثيقة، قبل تقديمها إلى الأسد. وحسب قراءة هوف، فإنه «رغم الشكوك القوية حول وثيقة كيري والنوايا السورية، يتفق في نهاية المطاف على أن (ورقة المناقشة) التي صاغتها أميركا لمسودة معاهدة سلام إسرائيلية – سورية، من الممكن أن تشكل الأساس لوساطة السلام الأميركية».
هوف أُطلع ميتشل على لقاءاته مع نتنياهو وعلى مقاربة «ورقة المناقشة». وسافر ميتشل وهوف إلى دمشق في سبتمبر (أيلول) في محاولة للحصول على موافقة الأسد على إجراء من شأنه تجنب طريق «الوديعة» المسدود. و«وافق الأسد فوراً على منهجية الوساطة الجديدة»، حسب قول هوف. وكان هوف وروس كتبا «ورقة المناقشة»، وناقشا المسودة الأولى مع فريق صغير من الإسرائيليين يعينهم نتنياهو.
وعليه، يُنسى ما يعرف بـ«ما بعد الوديعة»: وجوب تسوية الجوانب الإقليمية لورقة المناقشة قبل كل أمر آخر، ثم تناول أي موضوع آخر تختاره إسرائيل. موقف إسرائيل، كان: وجوب تناول جميع عناصر ورقة المناقشة في آن واحد، بما في ذلك تراجع سوريا وضبط العلاقات الإقليمية التي تشكل تهديدا لأمن إسرائيل. سوريا توافق على أن بحر الجليل (بحيرة طبريا) بأكمله يمكن أن يكون تحت السيادة الإسرائيلية.
«هذا التنازل» الذي كان وراء انهيار قمة الأسد – كلنتون قبل عشر سنوات من ذلك، أي في العام 2000، «شجع الفريق الإسرائيلي على الانخراط بجدية في تحديد خط 4 حزيران 1967، على اعتباره حدوداً مستقبلية بين إسرائيل وسوريا. لكن الجزء الأعلى من نهر الأردن الذي يصب في بحر الجليل لا يزال موضع خلاف»، حسب هوف.
وفي بداية 2011، استمرت جهود بلورة ورقة المناقشة. وتنقل هوف بين دمشق وتل أبيب، مع مشاركة دينيس روس في المباحثات مع الفريق الإسرائيلي. وإذ أبلغ نتنياهو ضيفيه الأميركيين بـ«شكوكه المتزايدة في التزام الأسد الشخصي بوساطة السلام وبالسلام نفسه»، حسب وثائق الاجتماعات، فإنه «رحب بالفكرة الأميركية الخاصة بربط رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بتنفيذ دمشق لالتزامات معاهدة السلام».
هذا التفاؤل، شجع هوف في اجتماع مع نتنياهو وفريقه على «السعي لعقد اجتماع مباشر مع الأسد لتقييم التزام الرئيس الشخصي بإعادة توجيه الاستراتيجية السورية التي من شأنها تعزيز الأمن الإسرائيلي». هنا، وفي محادثات هاتفية مع نتنياهو ووزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم والأسد، أكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على النوايا الإسرائيلية وتمهد الطريق للقاء هوف مع الأسد.
قبل وصول هوف إلى دمشق في فبراير (شباط) 2011، أبلغ الأسد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين الزائرين، أن السلام مع إسرائيل لا بد أن يستند إلى «مراجع محددة» تغطي الأرض والأمن. عندها، قام روس وهوف بصوغ هذه «المراجع المحددة».
في 28 فبراير، وافق الأسد، في اجتماع مع هوف في دمشق، على «المراجع المحددة بشأن الأمن (التي تقضي بإنهاء الأنشطة والعلاقات السورية التي تشكل تهديدا للأمن الإسرائيلي)»، حسب المبعوث الأميركي. ويضيف، أن الرئيس السوري أكد أن «لبنان وإيران و(حزب الله) سوف يلتزمون بمعاهدة السلام بين سوريا وإسرائيل». كما أعرب عن ارتياحه لمفهوم رفع العقوبات الأميركية مع تنفيذ سوريا لالتزاماتها التعاهدية. خلال كل ذلك، بقي الانسحاب الإسرائيلي الكامل حتى خط 4 يونيو 1967 مطلباً أساسياً للأسد.
وفي 2 مارس، أطلع هوف نتنياهو وفريقه على اجتماع الأسد. وعبّر نتنياهو عن ارتياحه، وأعلن أن الوساطة وإمكانيات السلام «حقيقية». وتركزت الاجتماعات اللاحقة مع فريق نتنياهو على خصائص الأراضي ومذكرة الاتفاق. وبقي الاتفاق بشأن أعالي نهر الأردن بعيد المنال، لكن هذا لم يمنع هوف وروس من البدء بترتيب «محادثات تقارب» سورية – إسرائيلية في أوروبا الشرقية في أبريل.
قبل ذلك، اندلعت الاحتجاجات السورية في منتصف مارس. وفي 18 مارس، ردت قوات الأمن السورية بالعنف الشديد على المتظاهرين في درعا. كما ردت قوات الأمن بعنف على الاحتجاجات في دمشق. وقتها، علقت الوساطة «بسبب الفوضى الرسمية» في سوريا. سعى هوف إلى زيارة دمشق، لكنه مُنع الحصول من على إذن من البيت الأبيض كي يناقش مع الأسد الآثار المترتبة على الوساطة إثر العنف الحكومي السوري.
وفي 13 مارس، استقال ميتشل من منصبه كمبعوث خاص للسلام في الشرق الأوسط، وفي 19 من الشهر نفسه، قال أوباما، في خطاب لوزارة الخارجية، إن «الأسد يجب أن يقود انتقال سوريا إلى الديمقراطية أو يتنحى عن الحكم». وفي في 18 أغسطس (آب)، أعلن أوباما أن «الوقت قد حان لتنحي الأسد». أما هوف، فانتقل من فريق السلام في الشرق الأوسط إلى تقديم المشورة إلى وزير الخارجية ومكتب الشرق الأدنى بشأن تفاقم الأزمة السورية.
وفي أغسطس، رفض أوباما توصية من كبار مسؤولي الأمن القومي بأن تساعد الولايات المتحدة في تنظيم وتدريب وحدات عسكرية تابعة للمعارضة السورية. وتم إنهاء عمل «المجموعة الصغيرة» و«الاستعاضة عنها بجهد مشترك بين الوكالات لتحديد الاحتياجات السورية المحتملة بعد الأسد». كما أعلن أوباما أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا يشكل بالنسبة له «خطا أحمر». وفي سبتمبر، استقال هوف من وزارة الخارجية الأميركية.
وتطورت الأمور في سوريا وانحدرت لسنوات مؤلمة وطويلة. وفي 25 مارس 2019، أصدر الرئيس دونالد ترمب إعلاناً يعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان: الجزء الرئيسي من الأراضي موضوع النزاع خلال وساطة السلام بين عامي 2009 و2011، والمسألة المحورية في الجهود الدبلوماسية السابقة التي بذلتها تركيا في عامي 2007 و2008، والولايات المتحدة بين عامي 1993 و2000.
يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الإعلان قد رفع مرتفعات الجولان والمناطق المتاخمة المتنازع عليها من جهة الغرب من طاولة محادثات السلام المستقبلية بين إسرائيل وسوريا.

مشاركة المقال عبر