عفرين.. مع اقتراب موسم جني الزيتون فصـ ـائل الجيـ ـش الوطني تستعد لنـ ـهب السكان
نهب وتدمير في عفرين دون رادع قانوني أو أخلاقي

مع اقتراب موسم جني الزيتون في عفرين هذا العام، عادت الفصـ ـائل المسـ ـلحة المـ ـوالـ ـية لتركيا، والمعروفة باسم “الجيـ ـش الوطني”، لتفعيل ما يسمى المكاتب الاقتصادية، في خطوة اعتبرها ناشطون حقوقيون استمراراً للنهـ ـب المنهـ ـجي لأرزاق الأهالي ومصـ ـادرة ممتلكاتهم الزراعية دون وجه حق.
ومنذ سيطرة تركيا وفصائل الجيش الوطني الموالية لها على منطقة عفرين في آذار 2018، لم تتوقف تلك الفصائل عن ممارسة هذه الأنشطة، التي تشمل الاستيلاء على محصول الزيتون وفرض الإتاوات على المزارعين، إضافة إلى السيطرة على ممتلكات المهجرين ورفض الاعتراف بالوكالات القانونية التي تثبت حقوقهم.
المحامي والناشط الحقوقي إبراهيم شيخو أكد أن الفصائل المسلحة أعادت تفعيل مكاتبها الاقتصادية في مناطق بلبلة، راجو، ماباتا، شيه وجنديرس، وأنها تفرض إتاوات على المزارعين وأصحاب الأراضي خلال موسم الزيتون.
وأضاف أن المكاتب الاقتصادية للفصائل تزعم أنها ستعيد الممتلكات إلى أصحابها، لكن الواقع يختلف، إذ تُمارس ضغوطاً على الأهالي لدفع مبالغ مالية مقابل استلام ممتلكاتهم، وهو ما وصفه شيخو بـ”الإرهاب الاقتصادي”.
ويبدأ موسم الزيتون عادة من منتصف تشرين الأول حتى نهاية كانون الأول، حيث يتم جمع المحصول وتعبئته في أكياس بسعة 100 كيلوغرام، ثم يُرسل إلى المعاصر لاستخراج الزيت، ويعبأ الزيت في صفائح سعة 17 كيلوغراماً.
مصادر محلية أكدت أن الفصائل المسلحة تستولي على جزء من المحصول أو تفرض إتاوات غير قانونية على مالكيه، خاصة فيما يتعلق بأراضي المهجرين.
إحصائيات توثق الدمار البيئي في عفرين تشير إلى أن المنطقة كانت قبل سيطرة تركيا عليها تضم نحو 18 مليون شجرة زيتون، تشكل أكثر من 70% من دخل الأهالي. ومنذ 2018، تم قطع أكثر من 500 ألف شجرة زيتون، بعضها يزيد عمره عن 100 عام. هذا بالإضافة إلى حرائق متعمدة أحرقت نحو 4 آلاف شجرة زيتون في مناطق مثل راجو وبلبله خلال شهري تموز وآب من العام الماضي، وحُرق أكثر من 150 هكتاراً من الغابات في 2020، و150 هكتاراً أخرى في 2024. كما تم قلع أكثر من 20 ألف شجرة زيتون من جذورها لبناء طرق وقواعد عسكرية تركية.
وكانت الأراضي الزراعية في عفرين تقدر بنحو 33 ألف هكتار قبل سيطرة تركيا، تعرض منها حوالي 12 ألف هكتار للتخريب والحرق خلال عامي 2018 و2019، أي نحو ثلث المساحة الزراعية.
وبالنسبة للغابات، من بين 39,500 هكتار من الغابات التي كانت موجودة، تأثرت أكثر من 65% من تلك المساحة بشكل مباشر نتيجة القطع والحرق والبناء العسكري.
تأثيرات هذا الدمار البيئي والاقتصادي كبيرة على السكان المحليين. مزارعو الزيتون، الذين يعتمدون على المحصول كمصدر رئيسي للدخل، يجدون أنفسهم مضطرين لدفع إتاوات غير قانونية، مع احتمال فقدان جزء كبير من محصولهم بسبب استيلاء الفصائل. الأراضي الزراعية المدمرة والغابات المحروقة أدت إلى تدهور الأراضي الخصبة وتقليل الإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ.
وتتبع الفصائل المسلحة أسلوباً موحداً في فرض الإتاوات على المزارعين، وإجبار وكلاء المهجرين على تسليم المحصول مقابل السماح لهم بجمعه، وهو ما ينتهك حقوق الملكية ويخلق وضعاً اقتصادياً صعباً للغاية للسكان الأصليين. وبحسب تقارير الحقوقيين، هذه الممارسات الاقتصادية لا تقل خطورة عن الخطف والاعتقال، بل تُعتبر شكلاً من أشكال الإرهاب الاقتصادي المنهجي.
كما أن الفصائل تستهدف أشجار الزيتون بشكل متعمد لأغراض تجارية وعسكرية. يتم قطع آلاف الأشجار لبيع الأخشاب أو استخدامها في صناعة الفحم، أو لإقامة مستوطنات وقواعد عسكرية جديدة، في حين تُترك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المهملة لتدهور بيئي إضافي. الأشجار الأخرى مثل السماق، الكرز، وورق العنب لم تسلم من السرقة، حيث تُنهب محاصيلها أيضاً.
هذا الدمار البيئي يُستخدم كأداة ضغط سياسية للسيطرة على السكان الكورد، حيث تهدف تركيا وفصائلها المسلحة إلى تقليل الموارد الطبيعية للسكان المحليين وإجبارهم على النزوح. بالإضافة إلى الاستيلاء على الأراضي الزراعية، تعرض الغطاء النباتي الطبيعي في عفرين لتدمير واسع النطاق، بما في ذلك حرائق الغابات التي أدت إلى فقدان عشرات آلاف الأشجار.
الناشط إبراهيم شيخو أشار إلى أن ضعف الأمن العام في المنطقة ساهم بشكل مباشر في عودة الفصائل المسلحة إلى ممارسة أنشطتها الاقتصادية السابقة، دون أي رادع قانوني. الفصائل الموالية لتركيا، بالرغم من إعلانها حل قواتها والانضمام إلى الجيش السوري الجديد، ما تزال تفرض سيطرتها على الزراعة والاقتصاد المحلي، مع تهديد مباشر لأي شخص يحاول الاعتراض.
إحصائيات منظمة حقوق الإنسان في عفرين تشير إلى أن ما تم توثيقه من الانتهاكات ضد الأشجار والمحاصيل يمثل أقل من 30% من التجاوزات الفعلية، ما يعني أن الحجم الفعلي للدمار البيئي أكبر بكثير من الأرقام الرسمية الموثقة. هذه الانتهاكات تهدد الأمن الغذائي للمنطقة وتؤثر على الاقتصاد المحلي بشكل مباشر، إذ يعتمد أكثر من 70% من سكان عفرين على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش، لا سيما محصول الزيتون الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد الزراعي.
وتُظهر معطيات السنوات الماضية أن عفرين تواجه تهديداً مزدوجاً: تدمير بيئي واسع النطاق واستنزاف اقتصادي منهجي من قبل الفصائل المسلحة التركية الموالية، خصوصاً مع اقتراب موسم الزيتون الذي يمثل المصدر الرئيسي للدخل لسكان المنطقة. واستمرار هذه الممارسات يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في عفرين، ويعمق الأزمة الإنسانية للمهجرين والأهالي الذين ما زالوا يعيشون تحت وطأة التهديد والاستغلال الاقتصادي المستمر.