سوريا

المستوطنات تُنفّذ على مرأى من أعين المجتمع الدولي ووزير الداخلية التركي يُشرف على عملية “التغيير الديمغرافي”

تعتزم تركيا التخلص من اللاجئين السوريين بعد نحو عقد من استثمار ورقة اللجوء في معارك خارجية مع الشركاء الأوروبيين وبعد حملات يصفها مسؤولون أوروبيون بأنه ابتزاز تركي ممنهج سياسيا وماليا لتلك الورقة، ناهيك عن تلويحها مراراً وتكراراً بفرض ما تسميها بالمنطقة الآمنة التي هي من تأليف أردوغان، إلا أنها في حقيقة الأمر هي مناطق آمنة لإحتواء قيادات من تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل الأخرى الموالية لها، فضلاً عن أن هذه المناطق ستحدث تغييراً ديمغرافياً في التوزع السكاني لسوريا وإندلاع حرب أهلية فيما بين المكونات على اعتبار أن اللاجئين الذين سيتم توطينهم في هذه المناطق لا ينتمون إليها وإنما ينحدرون من محافظات سوريّة أخرى.

وجاء حديث وزير الداخلية سليمان صويلو في نهاية أيار المنصرم، ليؤكد مضي السلطات التركية في مشروعها الاستيطاني الذي تنوي تنفيذه في الشمال السوري، حيث أعلن صويلو أنه اعتباراً من الأول من تموز القادم، ستخفض نسبة الأجانب الذين يمكنهم الإقامة في الأحياء إلى 20 بالمائة بدلاً من 25 بالمائة، كما سيتم منع الأجانب من الإقامة في 1200 حي.

وأجرى صويلو قبل يومين، زيارة إلى مدينة تل أبيض/كري سبي الخاضعة لنفوذ السلطات التركية والتي تدار من قبل الفصائل الموالية لها، ليتفقد خلالها سير عمل بناء المستوطنات الغير شرعية التي أعلنت عنها السلطات التركي أواسط أيار/مايو الماضي في المدينة وتقوم بتنفيذه منظمة “أفاد” على مساحة 1200 دونم، لترحيل اللاجئين السوريين من تركيا قسراً وإسكانهم فيها تحت مسمى “العودة الطوعية”.

وأكد صويلو خلال زيارته لمدينة تل أبيض/كرسبي أن تركيا تخطط هذه المرة لبناء 240 ألف منزل في مدن جرابلس والباب ورأس العين وتل أبيض.

وتتبلور السياسة التركية ونواياها يوماً بعد يوم لقضم المزيد من الأراضي السورية وربط أجزاء كبيرة من هذه الجغرافيا بولايات تركيا بعد التغير الديمغرافي الذي شهدته الكثير من المناطق الشمالية، واستقدام التمويل القطري وغيره لتعزيز التوجه التتريكي وفرضه، ابتداء من العملة والخدمات التحتيّة، وصولاً إلى المدارس والجامعات التعليمية، وذلك لتحقيق عدة أهداف:

أولاً: تخفيف العبء عن الدولة التركية، وبصورة خاصّة “حزب العدالة والتنمية”، الَّذي مورست عليه ضغوط شعبية وسياسية من قبل المعارضة، نتيجة ما ترتّب عليه من تداعيات ملفّ اللاجئين، رغم أنَّ هؤلاء اللاجئين تمكّنوا في فترة ممتدة من 2012 إلى 2019 من إنعاش الاقتصاد التركي 5%، وفق إحصائيات رسمية تركية.

ثانياً: تريد السلطات التركية تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي، وذلك عبر نقل السوريين إلى أراضيهم والادعاء بأنه قام بحمايتهم خلال السنوات الماضية، فضلاً عن كسب ودّ الجانب الروسي في هذه المرحلة، بعد فترة المراوغة التي مارستها السلطات التركية في تطبيق اتفاق سوتشي، وبعد تلمّسه الاستعدادات لاستعادة إدلب من قبل قوات الحكومة السورية، والخشية التركية من التوصّل إلى تفاهمات بين “قسد” والحكومة السورية برعاية روسية.

ثالثاً: الحصول على مليارات الدولارات جراء سياساتها الاستغلالية، سواء من خلال تمويل عمليات النقل وتخفيف المخاوف الأوروبية من انتقال اللاجئين إلى أراضيهم، أو بناء المدن والبنى التحتية التي يتطلّبها إقامة هؤلاء، أو من حيث مصادرة ممتلكات اللاجئين في تركيا.

رابعاً: تسعى تركيا لتكريس نفوذها من خلال ملفّ اللاجئين عبر إطالة أمد وجودها، عن طريق تقديم نفسها على أنها الحامي لهؤلاء، والتوسع من خلال التغير الديمغرافي الذي تسعى له من خلال نشرهم، واستهداف المكون الكردي في الشمال الشرقي، ودمج عوائل الفصائل الموالية لها ومن جنسيات أجنبية مع السوريين في هذه المناطق.

خامساً: السعي لاقتطاع أجزاء واسعة من الجغرافيا الشمالية، من خلال دفع هؤلاء إلى المطالبة بإجراء استفتاء والانضمام إلى تركيا، كما حصل في شمال قبرص في العام 1974.

ومع حديث الرئيس التركي أردوغان شهر أيار المنصرم عن مشروعه بتوطين مليون لاجئ سوري مقيمين على الأراضي التركية في الشريط الحدودي الذي يسيطر عليه والمناطق الأخرى من شمال وشرق سوريا التي ينوي السيطرة عليها، بدأت حكومته فعلياً باتخاذ إجراءات ضد اللاجئين السوريين، إذ بدأت بتخييرهم بالاختيار فيما بين النقل إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية أو عفرين.

وفي الـ19 من شهر أيار المنصرم، علقت بلدية بولو التركية، لافتات طرقية تطالب فيه اللاجئين السوريين بمغادرة تركيا، حيث كتب في اللافتات بأن السوريين يزاحمون الأتراك في خبزهم وماءهم، وتدعوهم للعودة إلى سوريا.

وأثارت اللافتة جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي، واستغرب لاجئ سوري من أن تركيا التي سمحت بسقوط حلب تريد الآن تحريرها لكي تعيد اللاجئين إليها، فيما اعتبر آخر أن اللاجئين السوريين تحولوا إلى “ورقة ضغط مع اقتراب الانتخابات التركية، وإنها باتت مادة للمتاجرة،متهما إردوغان بـ”قبض الثمن” عن اللاجئين”.

وبدأت السلطات التركية فعلياً بملاحقة اللاجئين السوريين، خصوصاً الذين غيروا مناطق إقامتهم، والذين يراجعون السلطات من أجل تمديد إقامتهم، في مدن إسطنبول وغازي عنتاب وميرسين وأنقرة، وعملت على إيقاف منح الإقامة للاجئين الجدد ووضعهم في مخيمات من أجل تطبيق مشروعه في التغيير الديموغرافي بالمناطق السورية.

وفي تاريخ الـ15 من شهر حزيران الجاري اعتقلت السلطات التركية عشرات اللاجئين السوريين في مخيم الترحيل القسري بولاية “مرعش”، وقطعت عنهم الإنترنت، والطعام والماء، بهدف تجويعهم وإجبارهم بالتوقيع على كتاب ماتسمى بــ “العودة الطوعية” إلى بلدهم سوريا.

وأشارت المصادر أن الوضع في مخيمات مرعش التي اكتظّت بالمحتجزين تعسفيّاً، سيء للغاية ولم تسلم النساء ولا الأطفال تلك المخيّمات، علماً أنّ مدة الاحتجاز ربّما تصل إلى ستة أشهر والضغط عليهم لإرغامهم على العودة القسرية تسميها السلطات التركية العودة الطوعية. واي شخص يحاول الهرب يتم ضربه من الامن التركي.

وتجبر السلطات التركية اللاجئين على توقيع ورقة ما تسمى “العودة الطوعية”، ولكنها تخيّرهم فيما بين التوجه إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية أو عفرين، لتأكدها من أن اللاجئين لا يستطيعون العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية خشية الملاحقة الأمنية، وبالتالي تجبرهم على التوجه إلى عفرين من أجل استكمال مخططها لتغيير ديموغرافية عفرين.

وقد أدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في تركيا إلى زيادة حدة الغضب تجاه السوريين اللاجئين بشكل أساسي، حيث شهد العام الماضي هجمات عنيفة استهدفت السوريين ومنازلهم ومصالحهم التجارية في أنقرة، وتأتي موجة العداء تلك برغبة رسمية في تهيئة المناخ لعمليات ترحيل قسري وطوعي للاجئين السوريين بينما لا يرغب هؤلاء في العودة لمناطق ليست آمنة ومعظمهم لا ينحدرون منها أصلا.

وحثت منظمة حقوقية سورية، مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على ضرورة اتخاذ مواقف صارمة تجاه محاولات التغيير الديموغرافي القسرية في عموم سوريا، وذلك بعدما دشّن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الشهر الماضي مجمعاً سكنياً في ريف إدلب سيكون واحداً من آلاف المستوطنات السكنية التي تهدف تركيا لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري مقيم على أراضيها إليها.

وتشرف على تنفيذ هذه المستوطنات منظمات قطرية – فلسطينية – كويتية، بحجج ومسوغات تحت مسميات “إنسانية” بهدف ترسيخ التغيير الديموغرافي.

الترويج التركي حول عودة اللاجئين السوريين إلى بلداتهم، يطرح استفسارات هامة للغاية ويكشف التناقض حول تصريحات أردوغان، فإن كان السوريون يعودون إلى بلداتهم فما الداعي للمشاريع السكنيّة والمستوطنات التي تبنى على قدم وساق في مناطق بعيدة عن مدنهم..؟!

فبينما تعتبر مناطق كـ “عفرين” غالبية سكانها من الكورد والذين جرى تهجيرهم بفعل العملية العسكرية التركية مطلع عام 2018، إضافةً إلى أن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا ينحدرون من مدن دمشق وحمص وحماه والعديد من المحافظات السورية، إذاً فأي عملية إعادة للاجئين إلى مناطق غير مناطقهم يعتبر تغييرًا ديمغرافيًا وهو عكس ما تروج له حكومة أنقرة أنها تسعى لعودة السوريين لبلداتهم، فتركيا تريد تغيير هندسة المدن في الشمال السوري عبر توطين هؤلاء اللاجئين في رأس العين وتل أبيض بعد تهجير أهلها من منها خلال عمليات عسكرية سابقة ضدهم.

وكشفت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” التي تتخذ من مدينة ستراسبورغ الفرنسية مقرّاً لها في تقرير، عن دور منظماتٍ مدنية تركيّة وأخرى أجنبية في بناء تلك المستوطنات السكنية التي بنيت في منطقة عفرين.

وذكرت المنظمة السورية التي ترصد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، أسماء ثلاث منظماتٍ ساهمت في بناء المستوطنات التركية في أراضٍ هُجِر منها معظم سكانها الكرد بعد سيطرة أنقرة على عفرين وأغلب أريافها، وهي “كويت الرحمة” و”جمعية شام خير الإنسانية” و”جمعية الرحمة العالمية”.

هذا وكانت أكثر من (100) عائلة لاجئة سورية مرحّلة قسراً من تركيا، قد دخلت المعبر الحدودي مع سوريا في الـ17 من أيار/مايو الماضي، بحسب رصد من قبل مصادر في المعابر الحدودية.

مشاركة المقال عبر