الرئيسية

المعارضة السورية.. هل من متعظ؟

رغم أن حقيقة تركيا بالنسبة للشعب السوري ظهرت باكراً منذ عام 2016، ولكن المعارضة السورية وضعت جميع بيضها في السلة التركية، وها هي الآن على وشك خسارة كل شيء إلا أن مسؤوليها المستفيدين من الأزمة ما زالوا يبيعون الأوهام للشعب السوري، فهل من متعظ؟

منذ بداية الازمة السورية عام 2011، نشطت تركيا كجزء من حلف الناتو والمحور الموالي له من الدول العربية، ضد الحكومة السورية، عبر افتتاح معسكرات لتدريب المسلحين على أراضيها وتوفير الدعم المادي واللوجستي وتقديم السلاح والذخيرة الذي كانت ترسله دول الخليج العربي وبشكل خاص قطر والسعودية، لهذه المجموعات.

ولم يتوقف التدخلي التركي عند هذا الحد، بل أنشأت تركيا مخيمات على الحدود، واستقبل مئات آلاف السوريين وهددتهم بهم أوروبا وابتزتها للحصول على الأموال من أجل تمويل تدخلها في سوريا.

أردوغان قال مراراً وتكراراً بأن بشار الأسد قاتل ومجرم وأن لا مستقبل له في سوريا، وصرح بأنه سيذهب إلى دمشق ويصلي في المسجد الأموي وعلى قبر صلاح الدين الأيوبي بعد إسقاط الحكومة السورية، ولذلك فعل ما بوسعه لتحقيق غاياته، وفتح خزائن السلاح التركية أمام الفصائل التي شكلها في سوريا وأطلق عليها أسماء سلاطين العثمانيين.

ولكن التدخل الروسي في أيلول عام 2015، قلب الطاولة على أردوغان خصوصاً بعد أن أسقط طائرة روسية داخل الحدود السورية، وحينها قطعت تركيا جميع العلاقات مع تركيا وفرضت عليها حصاراً واشترط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يعتذر أردوغان شخصياً عن وقوع هذا الحادث لقاء العفو عنه ولذلك شن حملة مسعورة على الفصائل الموالية من قبل تركيا التي أجبر رئيسها أردوغان على الاعتذار رسمياً من بوتين وبذلك فتح بوتين صفحة جديدة مع أردوغان وبدأ يستخدمه في الوصول إلى هدفه النهائي المتمثل بإبقاء الأسد في سدة الحكم بسوريا.

بناء على هذا التوافق، بدأ بوتين بفرض شروطه على أردوغان عبر الضغط عليه بالورقة الكوردية، ولذا بدأ الطرفان بعقد الصفقات على حساب المعارضة السورية سواء العسكرية أو السياسية، وبداية هذه الصفقات كانت جرابلس والباب وإعزاز مقابل حلب، فمدينة حلب كانت الفصائل تسيطر على أكثر من نصفها، ولكن بين ليلة وضحاها سقطت المدينة بأيدي قوات الحكومة السورية والمجموعات الإيرانية التي تدعمها عام 2016.

هذه كانت أول عملية بيع تركية للمعارضة السورية المسلحة، ولكن المستفيدين من قادة الفصائل العسكرية وأعضاء قيادة الائتلاف السوري الذي يتخذ من إسطنبول مقراً له والذين كانوا يجنون المال من وراء الدعم التركي المقدم لهم، ظلوا يطبلون ويزمرون لتركيا على أنها منقذ السوريين وقاموا بتصفية كل من يكشف حقيقة تركيا للسكان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وبذلك حولوا جميع مسلحي المعارضة إلى تابعين لتركيا يقاتلون على طلبها وينسحبون على طلبها.

لم يدم الامر طويلاً حتى اخترعت روسيا في بداية عام 2017 ما يسمى محور استانا الذي يضم إلى جانبها كل من إيران الداعمة للحكومة السورية وتركيا التي كانت داعمة للفصائل. المخطط الروسي تضمن إنشاء 4 مناطق لخفض التصعيد في سوريا كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة، وهنا أمرت تركيا الفصائل الموالية لها بتجميد القتال في هذه المناطق، وبالمقابل بدأت روسيا والحكومة السورية وإيران بالانفراد بهذه المناطق الواحدة تلو الأخرى، فمن ريفي حماة وحمص، إلى الغوطة الشرقية وريف دمشق التي كانت عصية على الحكومة السورية طيلة سنوات بسبب طبيعتها التي تساعد على القتال.

حصلت تركيا مقابل ذلك على مدينة عفرين التي كان يقطنها غالبية كوردية، تركيا خدعت السوريين وأوهمتهم أن إسقاط الحكومة السورية يمر بالسيطرة على المناطق الكوردية وطبل وزمر قادة المعارضة الائتلاف والفصائل المسلحة لهذا الطرح، ولكن ما حصل أن مزيد من تشريد السوريين من منازلهم وتهجيرهم إلى الشمال السوري، واستمر هذا المخطط مع الجنوب السوري أيضاً.

بالوصول إلى عام 2018 كانت الحكومة السورية قد سيطرت على 3 من أصل 4 مناطق خفض تصعيد، كما سيطرت على أجزاء من ريف إدلب بعد أن سيطرت تركيا على مدينتي رأس العين وتل أبيض عبر عقد الصفقات مجدداً مع روسيا.

الكل يتذكر كيف أن القوات الروسية قتلت 34 جندياً تركياً في ضربة جوية، ورغم أن تركيا حاولت خداع السوريين بعملية عسكرية ضد قوات الحكومة السورية إلا أنه ذهب راكعاً إلى فلاديمير بوتين الذي جعله ينتظر مع وزير دفاعه ووزير خارجيته في صالون الاستقبال لعدة دقائق قبل أن يسمح لهم بالدخول.

مقطع الفيديو الذي نشرته وسائل الإعلام الروسية الرسمية، أظهرت كيف أن أردوغان ذهب صاغراً إلى بوتين وكيف تم إذلاله مع الوفد المرافق له، وكيف أن بوتين هو الذي يفرض شروطه على أردوغان، ولكن رغم ذلك ظل المطبلون والمزمرون لأردوغان من أتباعه السوريين يبيعون الأوهام للسوريين بأنه يدعمهم ولن يتخلى عنهم إلى أن ظهرت الحقيقة على لسان أردوغان ذاته الذي أعلن عن رغبته في التطبيع مع الحكومة السورية.

وفي العلاقات بين الدول، فأن الدولة التي تريد تطبيع العلاقات هي الدولة الخاسرة أو المستفيدة والتي يجب عليها تقديم التنازلات للدولة الأخرى من أجل أن تحصل على ما تريد، وفي حالة حكومة دمشق وتركيا فالأخيرة هي التي طالبت بالتطبيع لأن أردوغان مقبل على انتخابات تحدد مصيره في ظل تهاوي شعبيته واتحاد المعارضة ضده واستخدامها لموضوع اللاجئين كورقة ضد أردوغان.

ورقة اللاجئين السوريين التي طالما استخدمها أردوغان لابتزاز أوروبا من أجل الحصول على الأموال، ارتدت عليه في الداخل التركي، حيث المزاج العام في تركيا يريد التخلص من اللاجئين السوريين وتستخدم المعارضة هذه الورقة ضد أردوغان الذي لا يرى طريقا أمامه لسحب هذه الورقة من المعارضة إلا بإعادتهم إلى سوريا.

ولإعادتهم يتوجب على أردوغان شن هجمات جديدة على مناطق أخرى في الشمال السوري وإعادة اللاجئين إليها بحكم أن المناطق التي يسيطر عليها، يكثر فيها الفساد والفلتان الأمني وعمليات الاختطاف والجرائم والانفجارات على الدوام، ولكن أردوغان ورغم تهديداته المستمرة طيلة العام المنصرم بشن هجمات برية جديدة في سوريا لم يحصل على موافقة روسية أو أمريكية أو حتى إيرانية، لذا وجد أن طريق الخلاص هو التطبيع مع دمشق وتسليم السوريين الذين فروا من الحكومة إلى الحكومة مجدداً لتنتقم منهم الأخيرة على ماجرى في سوريا منذ 11عاماً.

أردوغان المعروف عنه بأنه براغماتي ويستطيع الاستدارة 180 درجة بين ليلة وضحاها، مستعد كل الاستعداد للتخلي عن المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري من أجل الفوز في الانتخابات التركية، لأنه إن خسر ربما سيتجه إلى المحكمة وستفتح العديد من ملفات الفساد والتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية وهيئة تحرير الشام ضده، وسيقضي بقية عمره في السجن، وبطبيعة الحال فأن الوضع في الداخل التركي يهم أردوغان أكثر من السوريين الذين حولهم إلى مرتزقة يقاتلون بالمال من أجله في ليبيا وقره باغ ويقاتلون أبناء وطنهم الكورد من أجل مصالح تركيا.

تجارب الإخوان المسلمين في مصر وحركة حماس في فلسطين، ماثلة أمام الجميع، تخلى عنهم أردوغان دون أن يرف له جفن مقابل التطبيع مع مصر وإسرائيل، وها هو يفعل الشيء ذاته مع المعارضة السورية التي لا تزال تخدع السوريين وتبيع الوهم لهم بأن تركيا لن تتخلى عنهم، فهل من متعظ؟

مشاركة المقال عبر