على مدار يومي 3 و4 نيسان الجاري، عقدت برعاية روسية، اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا والحكومة السورية، وذلك في إطار تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. هذا الاجتماع الذي كان مقرراً له أن يعقد في منتصف آذار المنصرم ولكنه تأجل بسبب رفع دمشق لسقف التفاوض ومساعي موسكو للحصول على تنازلات أكبر من تركيا.
النظام التركي بحاجة إلى تطبيع العلاقات مع دمشق لأن أردوغان وحزبه مقبلان على انتخابات برلمانية ورئاسية وشعبيتهما وصلت إلى الحضيض خصوصاً بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة وموت عشرات الآلاف نتيجة عدم اتخاذ البلديات التي يديرها حزب أردوغان بمعايير السلامة والحماية من الزلازل رغم أن الحكومة تحصل على ضريبة من المواطنين بهذا الخصوص منذ 20 عاماً. كارثة الزلزال جاءت في وقت يعاني فيه الأتراك من تدهور في قيمة العملة التركية وأوضاع اقتصادية صعبة بسبب سياسات أردوغان.
والحكومة السورية أيضاً هي بحاجة للتطبيع ليس من أجل تحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين، فكلا الطرفان يعانيان من أزمة اقتصادية وتدهور في قيمة العملة، وآخر همهما هو وضع المواطنين، لكن الحكومة السورية تريد التطبيع من أجل الحصول على الشرعية التي فقدتها منذ انطلاق الثورة السورية منتصف آذار 2011.
ولكن رغم أن الطرفان يريدان تطبيع العلاقات، لكن الملفات الخلافية بينهما كبيرة جداً. ويعصب حلها بين ليلة وضحاها. فتركيا تحتل أجزاء من الأراضي السورية، وتقدم الدعم للائتلاف السوري والجيش الوطني وهيئة تحرير الشام ودمشق تريد منها مغادرة الأراضي السورية وعدم دعم هذه الأطراف وهذا ما لا تستطيع تركيا فعله، فأي انسحاب تركي من الأراضي السورية ستجعل من خسارة أردوغان وحزبه في الانتخابات مؤكدة.
وأيضاً، أطلق الرئيس التركي على مدار سنوات الأزمة السورية، تصريحات مناهضة لبشار الأسد، نعته فيها بالمجرم والقاتل والظالم وبأنه لن يجلس معه، بعد أن كان بشار الأسد قد فتح صفحة جديدة مع تركيا منذ توليه الحكم في سوريا عام 2000. فبشار الأسد يشعر بأنه تعرض للإهانة والمؤامرة من الشخص الذي مد له يده وشاركه في محاربة الشعب الكوردي وأعلنهم إرهابيين وانفصاليين في سبيل هذه الصداقة.
والخلاف الثالث هو مرتبط بإيران، فالحكومة السورية حليف وثيق لإيران، وتركيا حليف وثيق لإسرائيل وأذربيجان وتعادي إيران في ذات الوقت، ولا تستسيغ الحكومة السورية تطبيع العلاقات مع طرف يعادي إيران أكبر طرف دعمها في قمع الشعب السوري.
وأيضاً، تركيا جزء من حلف الناتو، والحكومة السورية تكن العداء لهذا الحلف، وهي تدرك تماماً، أن تركيا الآن ربما تكون قد ابتعدت عن حلف الناتو نظرياً، ولكنها تبقى جزءا منه، لأن دمشق عندما أرادت السيطرة على إدلب، لم تجد فقط تركيا تقف حجر عثرة في طريقها أمام تحقيق ذلك، بل وجدت حلف الناتو كله حجر عثرة.
كما أن دمشق تدرك تمام الإدراك إن تركيا عندما تدخل منطقة لا تخرج منها إلا بالقوة، وبالتالي فأن من المستبعد أن تخرج تركيا من سوريا بسهولة، لأن تركيا لها مخطط وهو الوصول إلى حدود الميثاق الملي الذي يضم حلب والحسكة والرقة ودير الزور، وهذه مناطق مهمة للحكومة السورية لأنها سلة الغذاء السوري.
هذه الخلافات تجعل تطبيع العلاقات بين الطرفين صعبة جداً، ولكن روسيا التي عادت الكورد في الجمهورية الحمراء، وخانت الكورد في جمهورية مهاباد وخانت الملا مصطفى بارزاني، وخانت زعيم حزب العمال الكوردستاني عبد الله أوجلان، تسعى لجمع بشار الأسد وأردوغان على طاولة واحدة وحول موضوع واحد وهو القضاء على الشعب الكوردي في سوريا والإدارة الذاتية التي يقودها الكورد إلى جانب بقية المكونات في شمال وشرق سوريا.
روسيا الساعية وراء مصالحها خصوصاً بعد أن تعمقت عزلتها وتعرض إلى سيل من العقوبات الغربية بعد تدخلها عسكرياً في أوكرانيا، تريد استخدام هذه النقطة المشتركة لجمع الطرفين، والتوصل لاتفاق بينهما علها تكون نقطة البداية لتطبيع العلاقات بينهما.
فمقاربة روسيا تقول بأن تركيا تتحجج بمحاربة قوات سوريا الديمقراطية في وجودها على الأراضي السورية وإذا تم التخلص من هذه القوات فأن تركيا حينها ستنسحب ويتحقق طلب دمشق بالانسحاب التركي، واذا انسحبت تركيا فأنها ستتخلى عملياً عن الفصائل التي تدعمها وتعود تلك المناطق لسيطرة الحكومة السورية.
كما ترى روسيا بأنها وكذلك حكومة دمشق غير قادرتان على محاربة الكورد والإدارة الذاتية بشكل علني وصريح، لأن الكورد حافظوا على مسافة واحدة من جميع الأطراف في الأزمة ولم يصبحوا جزءاً من الصراع الدائر بينهما على السلطة، وبالتالي ليست لديها حجة مقنعة للهجوم على المنطقة، كما أن وجود قوات التحالف الدولي يجعل من الصعب عليهما شن الهجمات، لذلك تريد تحقيق تحالف بين دمشق وأنقرة واستخدام الأخيرة كرأس حربة لشن الهجمات على الكورد وبالتالي تعميق الخلاف بين أمريكا وتركيا وإبعادهما عن بعضهما البعض وضرب حلف الناتو من الداخل والتخلص من الوجود الأمريكي في شرق سوريا.
روسيا تريد إعادة تفعيل اتفاقية أضنة بين دمشق وأنقرة وتعديل بنودها بما يتماشى مع مصالح أنقرة، والمعروف بأن هذه الاتفاقية وضعت عام 1998 أساساً لمحاربة الكورد، عبر وصفهم بالإرهابيين والانفصاليين رغم أنهم لم يسعوا يوماً إلى تشكيل دولة، بسبب التداخل السكاني بينهم وبين العرب والمسيحيين في المنطقة ذاتها.
إن الحكومة السورية والنظام التركي يعاديان الإدارة الذاتية لأن نظامها يحقق الديمقراطية والحرية لجميع الشعوب والأديان والمعتقدات، ولذلك يرى الطرفان في هذا النظام خطراً على ديكتاتوريتهما ويسعيان للقضاء عليها، ولذلك تسعى موسكو لتقريب وجهات النظر بينهما وجمعهما على هذا الهدف من أجل تحقيق مصالحهما. وإذا ما تمكنت روسيا من تحقيق ذلك، فهذا يعني أن بصيص الامل الوحيد المتبقي للسوريين في الحصول على حريتهم سيتم إطفاءه.