آراء وتحليلات

وثيقة التفاهم بين مسد وهيئة التنسيق مدخل لجسم معارضة جديد

أحمد خليل

أعلن مجلس سوريا الديمقراطية وهيئة التنسيق الوطنية، عن “وثيقة توافق” مؤلفة من عدة مبادئ يؤكدان فيها ضرورة حل الأزمة السورية بمشاركة القوى السياسية الوطنية الديمقراطية بما يفضي لتحول سوريا من المركزية إلى التعددية.

وتركز الوثيقة على وحدة الأراضي السورية، وضرورة صياغة دستور وطني، ورفض المشاريع الانفصالية والتقسيمية، وضرورة إيجاد حل للأزمة السورية عبر القوى الوطنية السورية، وتؤكد على أن الثروات السورية هي ملك للشعب السوري بأكمله، كما تشدد على ضرورة الدور الريادي للشبيبة في حاضر ومستقبل سوريا.

الوثيقة أشارت إلى السياسات “المدمرة” التي انتهجتها الحكومة السورية وأفرعها الأمنية وإيصالها البلاد إلى وضع مقلق ينذر بمصادرة مستقبلها وتفتيت وحدتها أرضاً وشعباً.

ولفتت أن حجم الدمار الهائل، وغياب مؤسسات الدولة والانهيار الاقتصادي وبوادر تمزق النسيج الوطني وفقدان مقومات الحياة الأساسية.. يتطلب تعبئة جميع طاقات سورية الوطن والشعب في مهمة تغيير وإنقاذ للانتقال من حالة الدولة الاستبدادية والأمنية إلى حالة الدولة الوطنية الديمقراطية.

وذكرت الوثيقة أن الاتفاق بين الطرفين جاء بعد عدة لقاءات من أجل “البحث عن كيفية حل الأزمة الموجودة في بنية النظام، والخروج من الأزمة الوطنية التي ترتبت عن الاستبداد وخياراته الأمنية والعسكرية وعن عدم اعتراف الحكومة السورية بحقيقتها وطبيعتها وأخطارها ورفضها لكل الدعوات الداخلية والخارجية للحل السياسي.

هذه الوثيقة، وصفتها الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية؛ أمينة عمر، بـ “التاريخية”، وأكدت أنهم سيواصلون الحوار من أجل حل الأزمة السورية. فيما أعرب الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية رياض درار عن أمله أن تشكّل الوثيقة منطلقاً للحوار بين القوى الوطنية. من جانبه، أشاد المنسق العام للهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي حسن عبد العظيم بالوثيقة، واعتبرها خطوة مهمة لحل الأزمة السورية.

ووثيقة التفاهم تسعى للتأسيس لبناء جبهة وطنية ديمقراطية سورية عريضة لقوى الثورة والمعارضة السورية تتبنى مشروع التغيير الوطني الديمقراطي والتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية، والذي يمثل الْيَوْم ضرورة ملحة لإخراج سورية من الكارثة التي تمر فيها.

فمجلس سوريا الديمقراطية ومنذ تأسيسه أعلن أن حل الأزمة في سوريا سياسي ولا يمكن حل الأزمة عسكرياً وفق النهج الذي تتبعه الحكومة السورية ولا حتى فصائل الجيش الحر والتي تحولت لاحقاً إلى جيش وطني، فكلا الطرفان ارتبط بجهات خارجية وأتى بجيوش تلك الدول إلى الأراضي السورية، وبات كل منهما يقتل السوريين تحت مسمى محاربة الطرف الآخر وذلك في مساع من الحكومة السورية البقاء في الحكم ومساع الجيش الوطني لإسقاط الأولى وتولي السلطة عوضاً عنها. فالحكومة السورية جاءت بالقوات الإيرانية والروسية إلى الأراضي السورية فيما جلب الجيش الوطني الجيش التركي، وباتت هذه الأطراف الثلاثة تتحدث باسم السوريين، في حين يتم تغييب السوريين الفاعلين على أرض الواقع.

وعلى الرغم من ادعاءات البلدان الثلاثة سعيها لحل الأزمة السورية إلا أن تطورات الأيام الأخيرة التي أعقبت الجولة العشرين من أستانا، كشفت زيف تلك الادعاءات، فالمجموعات المرتبطة بتركيا شنت قصفاً برياً واستخدمت الطائرات المسيرة ضد مواقع قوات الحكومة السورية والمدنيين، وردت قوات الحكومة السورية والطيران الروسي بقصف تلك الفصائل والمدنيين إذ ارتبكت القوات الروسية مجزرة بقصفها لسوق شعبي بالقرب من مدينة جسر الشغور بريف إدلب، وفي كلتا الحالتين كان الشعب السوري هو من يدفع الثمن.

هذان التطوران -وثيقة التفاهم والتصعيد العسكري بين الحكومة السورية والفصائل الموالية لتركيا- متضادان كلياً، ويشير إلى جملة من الأمور، أولها أن أطرافاً سورية تسعى لحل الأزمة سياسياً عبر الاتفاق معاً وتشكيل جسم معارض ذو ثقل يكتسب الدعم العربي والغربي في آن واحد، مقابل طرفين مرتبطين بالخارج يسعيان لتدمير ما تبقى من سوريا من خلال الحل العسكري الذي اثبت فشله.

وثيقة التفاهم بين مسد وهيئة التنسيق تؤسس لتشكيل جسم معارض واحد، عبر توسيع اللقاءات مع الأطراف السورية الأخرى، إذ سبق لمسد أن وقع وثيقة تفاهم مع حزب الإرادة الشعبية التي يقودها قدري جميل.

وسبق لمجلس سوريا الديمقراطية أن عقد العديد من الاجتماعات مع الأطراف السورية المختلفة وأرسل الدعوات للمعارضة الداخلية السورية غير المرتبطة بالخارج واجتمع عدة مرات في نواحي عين عيسى والرقة، خلال مؤتمرات، كما اجتمع المجلس مع المعارضين السوريين في الخارج خلال مؤتمر عقد في العاصمة النمساوية فيينا شارك فيها رياض درار.

والهدف من وثيقة التفاهم هو توحيد الجهود بين القوى العاملة والساعية إلى التغيير الديمقراطي سيما وأن هيئة التنسيق تشارك في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية ولديها مواقف مشابهة للإدارة الذاتية، حول الرؤية للحل السياسي السلمي وتجري المحاولات اليوم لتوحيد صف المعارضة في اتجاه مواجهة الاستبداد من جهة والحلول المقدمة على الساحة من جهة أخرى.

إن أحد أسباب معاناة الشعب السوري طيلة هذه السنوات، هو تشتت المعارضة السورية ووجود العديد من التشكيلات وحل بعضها وتغيير أسماء بعضها الآخر لتحل محل الأخرى، رغم أن الحل ليس بتغيير الأسماء، بل هو بالاجتماع حول وثيقة بنود تحدد المرتكزات التي يمكن العمل عليها ومواجهة الحكومة في دمشق بها، وإجبارها على قبول هذه المرتكزات من خلال اكتساب الحاضنة الشعبية التي هي أساس التغيير.

فوجود جسم معارض واحد من شأنه أن يكتسب الدعم العربي، خصوصاً أن الدول العربية التي ظلت بعيدة عن الأزمة السورية، أعادت مؤخراً الحكومة السورية إلى جامعة الدول العربية بعد 12 عاماً من الحظر، ومقاربة الجامعة العربية تقوم على أساس خطوة مقابل خطوة، وبالتالي وجود جسم معارض واحد سيقوي من موقف الدول العربية للضغط على الحكومة السورية، كما أن وجود هكذا جسم من شأنه أن يتلقى الدعم من الأمم المتحدة والغرب، وسيكون قادراً في الضغط على روسيا أيضاً لقبولها كطرف معارض يمثل السوريين جميعاً دون استثناء وبالتالي الضغط على الحكومة في دمشق للدخول في حوار جاد يفضي إلى نتائج يرغبها السوريون لتحقيق الحل المنشود.

وحالياً يستمر مجلس سوريا الديمقراطية من أجل إيقاظ الروح الوطنية والمساهمة في توسيع الإدراك بمفهوم الديمقراطية، ويسعى مع هيئة التنسيق إلى تحقيق أهداف ديمقراطية ويحاولان تجميع مختلف الأطراف السورية في مؤتمر واحد يخرج بنتائج مرضية.

وهناك العديد من الأطراف السورية التي تسعى لبناء جسم واحد للمعارضة السورية، يساهم في التغيير وإدارة السياسات، ولكن يبقى واجبا عليهم التحرك بأقصى سرعة للاتحاد في جسم واحد، من أجل مصلحة سوريا وشعبها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلاد التي تعرضت للدمار على مدار 12 عاماً من الحرب.

ليس بالضرورة أن تعبر المقالة عن رأي الموقع

 

مشاركة المقال عبر