بعد نصف عام من سـ ـقوط النـ ـظام.. آمال السوريين تصـ ـطدم بواقع أمنـ ـي هش واقتصاد متـ ـهالك

مع غياب المحاسبة المواطن السوري لا يأمن على حياته

بعد مرور أكثر من نصف عام على سقوط النظام البعثي في سوريا وتسلم هيئة تحرير الشام السلطة وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة، لا تزال آفاق الاستقرار الأمني والاقتصادي مبهمة وأحياناً كثيرة مظلمة أمام المواطن السوري، خاصة في المناطق التي تديرها الحكومة الانتقالية.

صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة بإشراف واضح ومباشر من قوى دولية وإقليمية وما تلاه من تهافت محلي ودولي على سوريا ودعم مباشر ومبطن للسلطة الجديدة، منح السوريين لفترة مؤقتة شعوراً بإمكانية تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وبالتالي إزالة شبح وعبء الحرب عن كاهل المواطن السوري.

تطلع السوريون إلى قدرة السلطة الجديدة على تجاوز التحديات الأمنية وفرض سلطة الدولة، ووقف مظاهر الفوضى والانفلات الأمني، وبناء مؤسسات أمنية فعّالة قادرة على الحفاظ على الاستقرار. ومن جهة أخرى رسم خطة فعالة من أجل إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، واستعادة دورة الحياة الاقتصادية، وخلق فرص العمل، وجذب الاستثمارات، والتقليل من مُعدّلات الفقر والبطالة. طبعاً دون إغفال ملاحقة ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات خلال المرحلة السابقة، وإرساء قواعد العدالة الانتقالية، ومعالجة القضايا التي أسهمت في نشوء الصراع، وعلى رأسها التهميش والتمييز وغياب العدالة.

تطلعات وآمال كبيرة اصطدمت بواقع هش

مما لا شك فيه أن إرساء الأمن والاستقرار هو من أهم عوائل تحقيق نهضة اقتصادية وسياسية وإدارية واجتماعية في أي بلد. وهذا ما تطلع إليه السوريون بعد سقوط نظام البعث. إلا أن عبارة “إن الأوضاع الأمنية باتت أكثر سوء” ليست من قبيل الاتهام الباطل. فقد شهدت البلاد انفلاتاً أمنياً كبيراً عزلت سلطات الدولة عن ضبطه، حيث تفشت مظاهر الانتقام والقتل على الهوية القومية أو الانتماء الطائفي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى حالة من التصالح والوئام بين أطياف المجتمع.

حالات القتل لم تقتصر على حالات معزولة بهدف الانتقام، بل تحولت خلال فترة قصيرة إلى حملات إبادة لأسباب طائفية، طالت العلويين في الساحل السوري، والدروز وكذلك المسيحيين.

مع غياب المحاسبة المواطن السوري لا يأمن على حياته

ورغم الوعود المتكررة من السلطات الحاكمة في دمشق بمحاسبة مرتكبي الجرائم والحد منها، إلا جميع الوعود لم تطمئن الشارع السوري، خاصة مع ورود أخبار شبه يومية عن حالات قتل وإعدامات ميدانية في مختلف المحافظات. وكذلك الانفلات الأمني وظهور مجموعات غير منضبطة لا تلتزم بالقوانين وتتدخل في الحياة اليومية للمواطنين وتهدد السلم الأهلي.

الدلائل تشير إلى تورط القيادات العليا

في آخر تحقيق حول المجازر التي طالت العلويين في الساحل كشف تحقيق استقصائي أجرته وكالة “رويترز” عن تفاصيل مجازر دامية ارتُكبت بحق مدنيين من الطائفة العلوية في منطقة الساحل السوري، خلال الفترة من 7 إلى 9 آذار الماضي، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1479 شخصاً وفقدان العشرات، في 40 موقعاً مختلفاً، وسط انفلات أمني وعمليات قتل انتقامي ونهب.

وتتبّع التحقيق، الذي استند إلى مقابلات مع أكثر من 200 من عائلات الضحايا، و40 مسؤولاً أمنياً ومقاتلاً ومحققاً ووسيطاً حكومياً، سلسلة القيادة بدءاً من المنفذين المباشرين حتى شخصيات مقربة من قادة سوريا الجدد. كما جمع الصحفيون قوائم مكتوبة بخط اليد بأسماء الضحايا، وراجعوا مقاطع مصورة التُقطت بكاميرات مراقبة، إضافة إلى رسائل عبر تطبيق “تلغرام” أنشأها مسؤول بوزارة الدفاع لتنسيق الاستجابات الحكومية.

انهيار اقتصادي… تأخر الرواتب وفصل المئات من الموظفين

لم تسهم القرارات المتتالية سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي والقاضية برفع العقوبات عن سوريا، في انتعاش الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث لا تزال قيمة الليرة السوية في أدنى مستوياتها.

ورغم قرارات الحكومة برفع رواتب الموظفين إلى أن هذا القرار وحتى اذا تم تنفيذه لن يرفع دخل الموظف السوري إلى ما فوق خط الفقر، حيث لن تتجاوز قيمة أعلى راتب المائة دولار أمريكي، في وقت تشير تقارير إلى حاجة الأسرة السورية إلى نحو 500 دولار لتأمين سبل العيش. كمان أن هذا القرار سبقه إجراءات وقرارات أخرى أفضت إلى فصل المئات من الموظفين من وظائفهم في العديد من القطاعات الخدمية. مما وضع المزيد من المواطنين في مهب الجوع والبطالة.

عدم بدء مرحلة إعادة الإعمار يهدد بمزيد من البطالة

أعلنت العديد من الدول عن استعداده للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، الأمر الذي اعتبره السوريون فرصة لانتعاش سوق العمل والقضاء على البطالة. إلا أن الأوضاع الأمنية على الأرض بشكل خاص، لا تشجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية للدخول إلى السوق السورية. فمستقبل البلاد الأمني لا يزال غامضاً، خاصة مع وجود مجموعات متطرفة معادية للمصالح الغربية داخل مفاصل القوى الأمنية والعسكرية السورية. بالإضافة إلى استمرار حالات التمييز على أساس طائفي وعرقي، مما يقلل من فرص الانتقال السلس للعمالة السورية بين المحافظات خوفاً من حالات انتقام أو تطرف طائفي أو ديني.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى