انفـ ـجـ ـارات إدلب.. تصـ ـفـ ـيات داخلية بين الفـ ـصـ ـائل وتعقـ ـيدات النفـ ـوذ الإقليمي
تركيا تسعى لإعادة ضبط القيادة في هيئة تحرير الشام بما يضمن مصالحها

شهدت أطراف مدينة إدلب شمال غرب سوريا اليوم الخميس سلسلة انفـ ـجـ ـارات عنـ ـيفة وقـ ـعت في مستودع للـ ـذخـ ـيرة تابع لـ لـ ـواء أبـ ـو بـ ـكر التـ ـابع لهيـ ـئة تحـ ـرير الشـ ـام، ما أسفـ ـر عن مقـ ـتل ستة أشخاص بينهم مدنيان وإصـ ـابة ثمانية آخرين بينهم ثلاثة مدنيين، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان.
سلطات دمشق اعترفت بوقوع الانفـ ـجـ ـار ولكنها ادعت بأنه وقع في “مستودع لبقايا مخلفات الحرب”، فيما أكد المرصد أن الموقع كان مقرّاً لمسلحين أجانب ويضم ذخائر متنوعة، مع سماع دوي انفجارات متتالية وتصاعد دخان كثيف من موقع الانفجار ما يفند ادعاءات السلطة ويؤكد ما نشره المرصد السوري بأنه مستودع ذخيرة وليس مستودعا لبقايا مخلفات الحرب.
تصفيات داخلية وليست هجمات خارجية
وتشير المعطيات إلى أن هذه الانفجارات ليست نتيجة هجوم خارجي، بل تأتي نتيجة خلافات وصراعات داخلية ضمن هيئة تحرير الشام وبينها وبين الفصائل المنضوية في صفوفها وخصوصاً في إدلب التي تعتبر معقل هيئة تحرير الشام والفصائل المتشددة.
فالاستهداف المباشر لمستودع تابع للواء أبو بكر، أحد التشكيلات العسكرية لهيئة تحرير الشام، يعزز فرضية التصفية الداخلية واستهداف قيادات ومقرات مرتبطة بالتيارات الأكثر اعتدالًا أو المعارضة لهيمنة الجولاني والتيارات المتشددة داخل الهيئة.
هذا السياق ينسجم مع سلسلة حوادث مماثلة شهدتها المنطقة خلال الأشهر الماضية، أبرزها انفجار مستودع الحزب التركستاني الإسلامي في معرة مصرين بتاريخ 24 تموز/يوليو، والذي أسفر عن سقوط 12 قتيلاً وأكثر من 120 جريحاً، ما يعكس نمطاً متكرراً للتصفية الداخلية بين الفصائل.
الجهة المنفذة: جماعة حراس الدين
وبحسب مصادر ميدانية من إدلب، يُرجَّح أن تكون جماعة حراس الدين هي الجهة المنفذة للانفجار، كرد فعل على تسليم أحد قادتها للتحالف الدولي من قبل هيئة تحرير الشام قبل فترة.
ويأتي هذا التفجير في إطار التصعيد المتبادل بين الفصائل، حيث تستغل الجماعات المتشددة أي ضعف أو خلاف داخلي داخل الهيئة لفرض نفوذها أو الانتقام من تصرفات القيادة.
انقسامات داخل هيئة تحرير الشام
وتشهد هيئة تحرير الشام انقسامات واضحة بين التيارات المتشددة بقيادة الجولاني، والتيارات الأكثر اعتدالًا أو المرتبطة بفصائل محلية وإقليمية.
وهذه الانقسامات تجلّت في صراع النفوذ بين القيادات المتشددة والوسطية داخل الهيئة، والتوتر حول سياسات التسليم للتحالف الدولي والاشتباك مع فصائل أخرى، والتفجيرات المستمرة لمقرات الفصائل المرتبطة بالتيارات المعارضة أو الأجنحة الأكثر اعتدالًا.
وهذه الصراعات تجعل الهيئة عرضة لتصفية قياداتها الداخلية وتؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في إدلب، مع تبعات خطيرة على المدنيين والأمن المحلي.
تركيا تسعى لإعادة ترتيب النفوذ
ولا يمكن إغفال دور تركيا في كل ما يجري بسوريا، حيث تعلب دوراً مركزياً في الشمال السوري وخصوصاً إدلب، وتسعى إلى إعادة ضبط القيادة في هيئة تحرير الشام بما يضمن مصالحها على الحدود السورية.
وتشير التحليلات المحلية إلى أن أنقرة تعمل على وضع مخططات لإزاحة الجولاني (أحمد الشرع) والقيادات المتشددة داخل الهيئة عبر دعم قيادات بديلة محسوبة على تركيا، مثل أسعد الشيباني أو شخصيات من الإخوان المسلمين.
كما تسعى لتقليص قدرة الفصائل المتشددة على فرض سيطرتها على المنطقة، على حساب زيادة قدرة الفصائل الموالية لها ضمن الجيش الوطني التي أعلنت اندماجها في وزارة الدفاع بقيادة هيئة تحرير الشام ولكنها لا تزال تتحفظ بنفوذها في الشمال السوري إلى جانب حلب وحماة ودير الزور عبر تعيين قيادات تلك الفصائل (أبو عمشة، سيف بولاد، وأبو حاتم شقرا) على رأس قوات سلطة دمشق في المحافظات الثلاث بما يسمح لتركيا فرض سيطرتها على أكبر مساحة من سوريا.
تداعيات هذه السياسات تعكس صراعاً إقليمياً داخلياً، حيث تتقاطع مصالح تركيا مع حسابات الفصائل المسلحة، ما يؤدي إلى تفجيرات وتصفيات متكررة داخل إدلب.
الأبعاد الإنسانية والأمنية
الانفجارات المتكررة في إدلب تفرض مخاطر كبيرة على المدنيين والبنية التحتية الحيوية. فقد أدت الحوادث السابقة وعشرات الانفجارات إلى مقتل وإصابة المئات من السكان وإلحاق أضرار مادية كبيرة بممتلكاتهم دون أن يتم تعويضهم.
وتوضح انفجارات إدلب الأخيرة أن المشهد العسكري والسياسي في شمال غرب سوريا لا يزال متشابكاً ومعقداً، ويشهد تصفية مستمرة داخل هيئة تحرير الشام وبين الفصائل التي تتعدد أسماءها وولاءاتها، مع تصعيد للتوتر بين التيارات المتشددة والوسطية داخل هيئة تحرير الشام. في الوقت نفسه، تلعب القوى الإقليمية، وتركيا تحديداً، دوراً مباشراً في ضرب الاستقرار بسوريا عبر مساعيها لفرض قيادات محسوبة على مصالحها، ما يزيد من عدم الاستقرار ويعمّق الأزمة الإنسانية في المنطقة.