اللامركزية السياسية.. السبيل الوحيد لتحقيق العدالة والديمقراطية
المكونات السورية ترى في هذا النموذج الحل الأمثل للأزمة السورية والتخلص من الاستبداد

مع استمرار الأزمة السورية واستمرار دمشق في التفرد بالحكم وإقصاء السوريين، تتصاعد المطالب باللامركزية كآلية لتحقيق العدالة السياسية وإدارة الموارد بشكل فعال. وفي قلب هذا النقاش، يبرز الاختلاف الجوهري بين المقترح الدمشقي للامركزية الإدارية ومطالب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا باللامركزية السياسية.
خلفية تاريخية للنظام المركزي واللامركزية
منذ عقود هيّمن النظام المركزي في دمشق على جميع مفاصل الدولة، ما أدى إلى تهميش المجتمعات المحلية، خصوصاً في مناطق شمال وشرق سوريا التي اعتبرت مناطق نائية رغم أنها سلة الغذاء ومصدر الطاقة في سوريا. وبعد الأزمة السورية، نشأت الإدارة الذاتية عام 2014 التي طورت نموذج حكم محلي ديمقراطي قائم على المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية، بعيداً عن المركزية التقليدية، لتلبية احتياجات السكان المتنوعة ثقافياً وعرقياً.
اللامركزية الإدارية: نموذج دمشق
وتروج حكومة دمشق المؤقتة لنموذج اللامركزية الإدارية الذي يمنح بعض الصلاحيات المحدودة للمجالس المحلية، مثل إدارة البلديات والخدمات العامة. وإشراف محدود على المشاريع التنموية والبنية التحتية. ودور استشاري في تخصيص الموارد، دون سلطة فعلية على الميزانية أو السياسات الأمنية.
ويؤكد محللون سياسيون أن هذا النموذج يحافظ على السيطرة المركزية بالكامل، ويحول دون اتخاذ أي قرارات سياسية أو اقتصادية مصيرية على المستوى المحلي، ما يجعل السكان يشعرون بأن مطالبهم غير ممثلة أو محترمة في ظل تحكم الحكومة المركزية بكل شيء.
اللامركزية السياسية: مطلب الإدارة الذاتية
وعلى الجانب الآخر، تصر الإدارة الذاتية على اللامركزية السياسية، والتي تمنح المجالس المحلية صلاحيات أوسع تشمل اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية مستقلة. وإدارة الأمن المحلي بالتنسيق مع السلطات المحلية. والحصول على حصة من الموارد المالية والاستثمارات بما يخدم أولويات السكان. وضمان تمثيل ديمقراطي لجميع المكونات العرقية والدينية.
وترى الإدارة الذاتية أن هذه الصلاحيات تمثل الحد الأدنى اللازم للحفاظ على المكاسب المحلية وتحقيق العدالة السياسية بعد سنوات من الصراع، كما أنها تضمن استقرار المنطقة وتنمية اقتصادية مستدامة وعدم تهميشها من قبل المركز.
مواقف القوى المحلية والدولية
وتعتبر الحكومة السورية المؤقتة منح صلاحيات واسعة للمجالس المحلية تهديداً لوحدة الدولة، وتصر على أن اللامركزية الإدارية كافية لتلبية الاحتياجات.
في حين تؤكد الإدارة الذاتية أن أي شكل من أشكال الحكم المحلي يجب أن يشمل السلطة السياسية والاقتصادية لضمان العدالة والمساواة بين المكونات.
فيما أبدى المجتمع الدولي مؤخراً تحولات في موقفه، حيث بدأت بعض الأطراف الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في دعم عودة الاستقرار عبر تعزيز الحكم المحلي الديمقراطي، ما يعطي الإدارة الذاتية دفعة في مطالبها.
آراء السكان المحليين
استطلاعات الرأي المحلي تظهر أن غالبية السكان في شمال وشرق سوريا يفضلون نموذج اللامركزية السياسية على النموذج الإداري، باعتبار أن الأخير لا يعكس طموحاتهم ولا يتيح لهم المشاركة في صنع القرار، بينما يضمن النموذج السياسي تمثيلاً أفضل للمكونات العرقية والدينية. وإمكانية إدارة الموارد المحلية بما يتناسب مع احتياجات السكان. وحماية الحقوق المكتسبة خلال سنوات الإدارة الذاتية.
كما بدأت الكثير من المكونات السورية الأخرى وخصوصاً تلك التي تعرضت للمجازر على يد قوات السلطة في دمشق، بما فيها العلويون والدروز، ترى في هذا النموذج الطريق الوحيد للاستقرار ومنع تكرار الاستبداد الذي عانى منه السوريون على مدار عقود.
لماذا يرفض السكان المقترح الدمشقي؟
ويرتبط رفض المقترح الإداري الدمشقي بعدة عوامل:
غياب القرار السياسي المحلي: لا يمنح المجالس المحلية القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية.
سيطرة المركز على الموارد: أي مشروع تنموي يبقى تحت إشراف وزارات دمشق، مما يعيق التنمية المحلية.
العدالة السياسية: غياب المشاركة الحقيقية في الحكم يزيد من الشعور بالتهميش والاستبعاد.
ويبقى الصراع حول اللامركزية الإدارية مقابل السياسية قضية جوهرية في مستقبل سوريا. بينما يسعى نموذج دمشق لإدارة محدودة تضمن السيطرة المركزية، يطالب سكان شمال وشرق سوريا بنموذج يضمن السلطة المحلية، العدالة السياسية، وتقرير المصير. ويشير كل تحليل إلى أن اللامركزية السياسية ليست رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لاستقرار سوريا، حماية التنوع، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.