سوريا تحت قبـ ـضة هـ ـيئة تحـ ـرير الشـ ـام: مذ.بحـ ـة كنيسة مار إلياس وحلقات التـ ـرهيـ ـب الطـ ـائـ ـفي المستمرة

تدمير للحاضر وتشويه للمستقبل وضرب للسلم الأهلي

بعد نحو ستة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، تشهد الساحة السورية تحوّلًا جذريًا، حيث أحكمت هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع، سيطرتها على مراكز السلطة، معلنةً عن مرحلة جديدة تتسم بالعنف الممنهج، وحملة ترهيب موجهة ضد مكونات المجتمع السوري غير السنية، مكرسةً مشروعًا طائفيًا محكمًا، يشمل العلويين والدروز والمسيحيين وغيرهم.
تفجير كنيسة مار إلياس: الفصل الأحدث من مسلسل الترهيب
وشكّل الهجوم الدامي على كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، يوم الأحد، محطة فاصلة ضمن سلسلة جرائم مروعة.
ووفقًا لبيانات وزارة الصحة لدى السلطة المؤقتة، سقط 25 قتيلًا على الأقل، بينهم نساء وأطفال، إلى جانب 63 جريحًا، جراء تفجير انتحاري لنفسه بعد أن أطلق الرصاص على المصلين خلال قداس يوم الأحد في الكنيسة.

من استهدف الكنيسة؟
مصادر استخباراتية في حي الدويلعة كشفت أن منفذ الهجوم يدعى زياد أنور الإدلبي الملقب بـ”أبو البراء”، وهو عنصر رسمي ضمن هيئة تحرير الشام، وقد تلقى أوامره مباشرة من أنس خطاب، وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة التابعة للهيئة.
وتحدثت هذه المصادر عن تهديدات سابقة تلقتها الكنيسة قبل عشرة أيام عبر منشورات طائفية أمام أبوابها حملت عبارات مسيئة مثل “لقاؤنا قريب يا عباد الصليب”، دون أن تتحرك الجهات الأمنية لردعها أو منع وقوع الهجوم، بل على العكس، مهدّت الطريق لوقوع هذه الجريمة عبر تغاضيها عن التهديدات، مما يشير إلى تواطؤ مباشر أو على أقل تقدير، تغاضٍ متعمد عن ممارسات العناصر التابعة للهيئة.

ترهيب مكونات سورية على امتداد الجغرافيا
ليس الهجوم على كنيسة مار إلياس سوى جزء من سلسلة طويلة من الجرائم التي شهدتها سوريا تحت سلطة أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام التي استلمت مقاليد الحكم قبل ستة أشهر.
ففي الساحل السوري، شهد مطلع شهر آذار مذبحة مروعة راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص من مكون العلويين، على امتداد عدة أيام.
وبعدها، طال مكون الدروز ممارسات ترهيب واسعة، لعل أبرزها الجرائم التي شهدتها بلدة أشرفية صحنايا، حيث نفّذت عناصر تابعة للهيئة عمليات قتل جماعية وحملات اعتقال وتعذيب، مكرسةً صورة مروعة عن السلطة التي تحكم البلاد.
خطاب طائفي معلن وممارسات على الأرض
وتستند هذه الجرائم إلى خطاب ديني-طائفي معلن، طالما روّج له قادة الهيئة، وعلى رأسهم وزير الداخلية الحالي، أنس خطاب، الذي عُرِف بمواقفه العدائية الصريحة ضد مكونات الشعب السوري غير السنية، إذ أصدر سابقاً كتابًا تحت عنوان: «تحالف عباد الصليب ضد مواجهة مجاهدي الشام»، مما يشير إلى أيديولوجيا عميقة، تغذّيها السلطة، وتترجمها على الأرض عبر عمليات قتل جماعية وتفجيرات تستهدف مكونات سورية طالما شكّلت جزءًا أصيلًا من نسيجها الحضاري.
التبرير الإعلامي والتغطية على الجرائم
ويعزز سلوك هيئة تحرير الشام وحكومتها المؤقتة على الأرض، عبر بياناتها الإعلامية، القناعة بأن هذه الجرائم ليست عشوائية بل مُمَنهجة ومخطّط لها. ففي بيانها الأخير، حاولت وزارة الداخلية لدى الهيئة تقديم رواية مضللة، عبر وصف التفجير على كنيسة مار إلياس بـ«الإجرامي» (ليس إرهابيًا)، مشددة على ملاحقتها لخلايا “داعش” وتنفيذ مداهمات ضدها، دون التطرق إلى ارتباط المنفذ بـ«هيئة تحرير الشام» نفسها، مما يشير إلى محاولات متعمدة لصرف الأنظار عن الحقيقة، وحرف بوصلة الاتهام عن مراكز القرار داخل الهيئة.

السياق السياسي: المرحلة الانتقالية وترسيخ سلطة الأمر الواقع
وتمارس هيئة تحرير الشام سلطة أمر واقع، حيث تفرض على الأرض مزيجًا من العقاب الجمعي والتصفية على أساس طائفي، مما يشير إلى مشروع طويل الأمد لإخضاع مكونات الشعب السوري، وضرب إمكانية عودة مجتمع تعددي، متعدد الأطياف.
الصمت على هذه الجرائم، وعدم محاسبة مرتكبيها خصوصاً مع استمرار عمليات القتل الطائفية في المناطق العلوية، يشير بوضوح إلى تواطؤ السلطة، بل إلى اعتمادها هذه المنهجية كخيار سياسي لإحكام قبضتها على ما تبقى من سوريا.
حالياً، تمر سوريا بمرحلة مفصلية، حيث تتحوّل ممارسات الترهيب الطائفي على أيدي هيئة تحرير الشام من جرائم معزولة إلى استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تفكيك مكونات المجتمع وضرب تنوّعه الحضاري. مذبحة كنيسة مار إلياس، وكذلك مذبحة الساحل، وجرائم الترهيب في مناطق الدروز، ليست مجرد محطات مؤلمة بل مؤشرات على مرحلة طويلة من الصراع على الهوية، يتم تغذيتها بخطاب عقائدي مقيت، وتنفيذها على الأرض بأدوات السلطة التي تقودها هيئة تحرير الشام.
ويبقى السؤال المحوري؛ إلى متى سيستمر مسلسل الدم على الأرض السورية؟ ومتى سيحظى الشعب السوري، بكل مكوناته، بفرصة الخلاص من سلطة الأمر الواقع، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم على ما اقترفته أيديهم من تدمير للحاضر، وتشويه للمستقبل، وضرب للسلم الأهلي؟

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى