الأخبار تركيا سوريا شمال وشرق سوريا

جولة جديدة من مسلسل آستانا وصفـ ـقات جديدة تلوح في الأفق تعـ ـمق الأزمـ ـة السورية

تستعد أطراف أستانا (روسيا وتركيا وإيران) لعقد الجولة الـ 21 من سلسلة اجتماعات آستانا حول سوريا يومي الـ 24 والـ 25 من كانون الثاني الجاري، وكعادتها تناقش هذه الأطراف مصالحها في سوريا على حسـ ـاب مصالح الشعب السوري، في وقت تشارك فيه الحكومة السورية كشاهد للتوقيع على الاتفاقات التي أضـ ـرت بعموم الشعب السوري وعـ ـمقـ ـت الأزمـ ـة السورية أكثر فأكثر.

تعقد الأطراف المتدخلة في الأزمة السورية بجيشها على الأراضي السورية، والتي ترى فيها الأطراف السورية المختلفة احتلالاً (روسيا وإيران وتركيا)، يومي 24 و25 كانون الثاني الجاري، جولة جديدة من سلسلة آستانا هي الـ 21 لها، بعد أن تعثر عقد هذه الجولة كما اتفقت عليه هذه الأطراف في الجولة الـ 20 والتي كانت مقررة في النصف الثاني من عام 2023.

والمعروف أن سلسلة آستانا بدأت بين هذه الأطراف الثلاثة في 30 كانون الثاني من عام 2017، وعقدت حتى الآن 20 جولة منها كان آخرها في 20 و21 حزيران عام 2023.

وكانت هذه السلسلة نقطة تحول نحو سيطرة الحكومة السورية على ما فقدته من أراضي لصالح فصائل المعارضة التي تحولت بعد هذا المسار إلى مجموعة من المرتزقة تتحكم تركيا بهم، وسرعان ما بدأت الاتفاقيات بين تركيا وروسيا، ففي 30 كانون الثاني 2017 تم نقل المسلحين من منطقة وادي بردى في الريف الشمالي الغربي لدمشق، ومنطقة نبع الفيجة إلى إدلب وسيطرت الحكومة السورية على هذه المناطق بشكل كامل.

وكانت الجولة الرابعة من هذه السلسلة التي عقدت يومي 4 – 5 أيار 2017 نقطة التحول الأكبر في الأزمة السورية، حيث توصلت كل من روسيا وتركيا وإيران إلى اتفاق ما يسمى “خفض التصعيد” تم بموجبها تشكيل 4 مناطق خفض تصعيد والذي بدأ معه مسلسل الصفقات وإعادة المناطق لسيطرة الحكومة السورية مقابل السماح للجيش التركي بالسيطرة على الأراضي السورية وإجراء التغيير الديمغرافي فيها على حساب شعوب المنطقة وخاصة الشعب الكوردي.

وبموجب هذا الاتفاق، جرت تسوية في بلدة “خان الشيح” جنوب دمشق والقرى المحيطة بها وعادت لسيطرة الحكومة السورية مرة أخرى.

وفي الغوطة الشرقية التي لم تتمكن قوات الحكومة السورية من الدخول إليها عبر العمليات العسكرية، تم تسليمها للحكومة في 14‏ نيسان ‏2018 بشكل كامل بعد صفقة تركية روسية سمحت من خلالها الأخيرة للأولى بالسيطرة على عفرين في آذار 2018.

وبذلك باتت قوات الحكومة السورية تسيطر على ما يزيد عن 60 % من مساحة سوريا بعد أن كانت نسبة سيطرتها على الأراضي وصلت إلى أقل من 20 % أثناء التدخل الروسي نهاية عام 2015.

فيما باتت تركيا تسيطر على أجزاء من سوريا تمتد من جرابلس إلى إدلب مروراً بعفرين، تعرض فيها السكان الأصليون وخصوصاً الكورد إلى تهجير ممنهج.

كما سيطرت قوات الحكومة السورية بعد جولة آستانا التي عقدت في كانون الأول من عام 2019 أي بعد السماح لتركيا بالسيطرة على رأس العين وتل أبيض، على أكثر من 250 قرية وبلدة في ريفي إدلب وحماة واللاذقية.

وفي الجولة الـ 20 لسلسلة آستانا التي عقدت يومي 20 و 21 حزيران عام 2023، اتفقت هذه الأطراف على دفع علاقات التطبيع بين الحكومة السورية والنظام التركي قدماً وذلك بالتنسيق بين وزراع الدفاع وجهاز الاستخبارات للأطراف الأربعة (روسيا، إيران، تركيا والحكومة السورية).

كما اتفقت هذه الأطراف على تجميد العمليات في جبهة إدلب والتركيز على شمال وشرق سوريا واستهدافها بشكل متوافق بين الحكومة السورية وتركيا، حيث أشار البيان الختامي لهذه الجولة عزم هذه الأطراف على محاربة الإدارة الذاتية معتبرين إياها مقوضة لوحدة الأراضي السورية ومهددة للأمن القومي للدول المجاورة.

وبناء على هذا الاتفاق، شنت تركيا منذ ذلك الحين 3 هجمات جوية على شمال وشرق سوريا وقعت في تشرين الأول وكانون الأول من عام 2023 وكانون الثاني من عام 2024، استهدفت بشكل أساسي البنى التحتية والمؤسسات الخدمية من محطات نفط وكهرباء ومياه، مشافي، مدارس، معامل، ومطاحن، وأيضاً أرسلت الحكومة السورية وإيران المسلحين المرتبطين بهما إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات في نهاية آب وبداية أيلول 2023 لشن الهجمات في ريف دير الزور في مساعي لخلق فتنة بين قوات سوريا الديمقراطية والمكون العربي في المنطقة ولكنها بائت بالفشل.

والجولة الجديدة التي ستعقد يومي 24 و 25 كانون الثاني الجاري، لا يتوقع أن تكون مختلفة عن الجولة الأخيرة، فالحكومة السورية التي تواصل علاقاتها الأمنية مع تركيا رغم الخلاف بينهما، ظلت صامتة حيال الهجمات التركية على المنشآت الوطنية في شمال وشرق سوريا، وهو ما يؤكد بما لا شك فيه إنها متواطئة في هذه الهجمات، لأن الحكومة السورية التي لا تزال عضواً في الأمم المتحدة، لم تصدر أي بيان مندد بالهجمات التركية كما أنها لم ترفع أي دعوة ضد تركيا في المحافل الدولية خصوصاً أنها كانت تستطيع الاستفادة من القانون الدولي الذي يعتبر استهداف المنشآت التي تقدم الخدمات للمواطنين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

فالحكومة السورية تريد مواصلة التطبيع مع تركيا وإبداء موقف حسن نية في هذا الموضوع عبر التغاضي عن الهجمات التركية التي تستهدف شمال وشرق سوريا، وتريد عقد صفقات معها مقابل ذلك، منها تسليمها مناطق جديدة خاضعة لسيطرة الجيش الوطني، خصوصاً أن الحكومة السورية أرسلت نهاية العام الماضي تعزيزات عسكرية كبيرة إلى ريف حلب، وحينها كان يجري مناقشة تسليم معبر باب السلامة في إعزاز والذي يربط حلب السورية بمدينة كلس ومن ثم غازي عنتاب التركية، للحكومة السورية مقابل السماح لتركيا بالسيطرة على مناطق جديدة من شمال وشرق سوريا.

وبهذه الطريقة ستضمن الحكومة السورية السيطرة على أراضي جديدة في غرب الفرات وفتح الطريق أمام تركيا لشن هجمات على مناطق جديدة من شمال وشرق سوريا، وفي ذات الوقت ستستمر إيران والمجموعات الموالية لها، باستهداف القواعد الأمريكية في شمال وشرق سوريا، من أجل دفعها للانسحاب من أجل السيطرة على ريف دير الزور.

أما روسيا التي تخوض حرباً ضد أوكرانيا، فهي تستفيد من هذه الاتفاقات عبر عقد صفقات جديدة مع تركيا تساعدها على الالتفاف على العقوبات الأمريكية والأوروبية التي فرضت عليها على خلفية هجومها على أوكرانيا، كما ستكون مستفيدة من استهداف الحكومة السورية وإيران للقواعد الأمريكية وإخراجها من المنطقة، وبالتالي فهي ستبقى صامتة حيال هذه الصفقات وستحصل على حصتها وستسعى بشتى الوسائل لإجبار الإدارة الذاتية على الخضوع للحكومة السورية لأن هدفها الأساس في سوريا هو إبقاء الحكومة السورية في السلطة من أجل ضمان وجودها في القواعد الجوية والموانئ السورية بعد أن تحلم على مدار عقود بوجود قواعد لها في المياه الدفئة (البحر المتوسط).

ومن شأن هذه الصفقات أن تعمق الأزمة السورية أكثر وأكثر وتقسم البلاد، وتزيد معاناة السوريين المستمرة منذ نحو 13 عاماً.

مشاركة المقال عبر