آراء وتحليلات الرئيسية

قواسم التقارب الروسي الإيراني في سوريا أصبحت هشة… هل بدأت روسيا بإبعاد إيران عن طريقها؟

علي سليمان

يبدو أن السقف الذي كان يستر أو يخفي “حرب النفوذ” الباردة والخفية بين روسيا وإيران على سوريا، قد بدأ بالتصدع أو ربما بالانهيار خاصة مع ظهور تسريبات أو ربما تأكيدات عن تنسيق وتفاهم روسي أمريكي في حيثيات الغارات الأمريكية ضد مواقع لفصائل موالية لإيران بداية الأسبوع الجاري.

لم تكن العلاقة التي تربط كل من روسيا وإيران بسوريا خلال العقود الماضية قائمة على قاسم مشترك متين، فعلاقة الأولى، أي روسيا، قائمة على إرث إيديولوجي يمتد إلى حقبة الاتحاد السوفيتي، فيما علاقة إيران قائمة على إرث مذهبي تشترك فيه مع العائلة الحاكمة في سوريا.

يبدو أن كلا الطرفين سعى جاهداً إلى استخدام ورقته للتدخل في سوريا إبادة الأزمة السورية، ونشأ بينهما ما يمكن أن يكون قاسماً مشتركاً كأمر واقع جراء تقاطع مصالح معينة تركزت في محور أساسي، هو هزيمة الحراك الشعبي في سوريا، وإبقاء بشار الأسد في السلطة في سوريا، والدفاع عنه وحمايته.

وعليه فقد اعتمدت روسيا بشكل كبير على الفصائل المسلحة والمليشيات التي ترعاها إيران في محاولة القضاء على المعارضة المسلحة أو تحجيمها وتوسيع مناطق سيطرة الحكومة السورية. فيما استفادت إيران من هذا التوجه الروسي في تعزيز قوتها العسكرية على الأراضي السورية في مسعى إلى تحقيق وإنجاز مشروع الهلال الشيعي الإيراني، الذي تسعى إيران من خلاله إلى الوصول للبحر المتوسط، من خلال خط سكك حديدية يبدأ من إيران ويمر بمدينة البصرة العراقية، ليصل إلى ميناء اللاذقية السوري، الذي حصلت إيران على حق تشغيله عام 2018، لكن روسيا تعارض إقامة هذا المشروع، وترفض حصول إيران على حق تشغيل ميناء اللاذقية.

ومع تحقيق الطرفين جزئياً الهدف المشترك المتعلق بإبقاء بشار الأسد على السلطة وتحجيم دور المعارضة المسلحة، بدأت حرب النفوذ الإيرانية الروسية تبرز بشكل كبير في مختلف المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية.

فروسيا التي رسمت خططاً استراتيجية وطويلة الأمد بشأن نفوذها في سوريا بحاجة إلى نوع من الاستقرار، وفرض سيطرة جيش الحكومة السورية على الميدان السوري، خاصة بعد أن تحكمت بالمسار السياسي من خلال تحكمها بمسار اللجنة الدستورية، وهذا يتعارض مع المسار الإيراني الذي يعتمد على الحالة الميليشياوية، وبالتالي فإن بقاء الأوضاع في سوريا على ما هي عليه هو ما تفضله إيران. ومن المعروف أن إيران تسعى منذ أعوام إلى استقطاب وتجنيد الشبان والرجال في صفوف الميليشيات الموالية لإيران بقيادة لواء “فاطيمون” وخاصة في مناطق شرق الفرات.

كما أن هناك ملف آخر مهم في الصراع الإيراني الروسي على سوريا، وهو ملف الصراع على الثروات والطاقة، إذ تطمع روسيا بالنفط والغاز في حوض البحر المتوسط، وتسعى للاستحواذ على مخزون الفوسفات الطبيعي، الأمر الذي يتصادم مع المساعي الإيرانية الرامية إلى استكمال خط الغاز باتجاه أوروبا عبر البحر المتوسط.

وتطمع روسيا أيضاً بجزء كبير من كعكة إعادة الإعمار في سوريا ما بعد مرحلة الاستقرار، فأموال إعادة الإعمار سيكون مصدرها الأساسي من الخليج العربي ودول الاتحاد الأوروبي، وربما الصين، ولن تستطيع روسيا من استقطاب تلك الأموال من دون تقليص نفوذ إيران، وقد أظهرت موسكو أكثر من مرة استعدادها لذلك مقابل تفاهمات دولية تحقّق لها مكاسب في الملف السوري، فقد عقد بوتين تفاهمات مع نتنياهو أتاحت لإسرائيل الاستهداف المتكرر للمليشيات الإيرانية على الأراضي السورية.

مجمل هذا الصراع كان ربما كان حتى الآن بارداً وخفياً، ولكن يبدو أنه يظل كذلك إلى أمد طويل، فحبل القاسم المشترك الذي أجبرت الطرفين على التقارب، يبدو أن قد أصبح هشاً جداً، وربما تكون الغارات الأمريكية التي من المتوقع أن تتواصل بداية لنهاية أو تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، أو ربما بداية مرحلة جديدة قد تشهد تصعيداً بين روسيا وإيران التي لن تتخلى عن نفوذها لصالح روسيا بسهولة.

 

 

 

 

مشاركة المقال عبر